25 فبراير، 2025 9:12 ص

فرضية العدم “في المفارقين”

فرضية العدم “في المفارقين”

هي الوسيلة الاكثر نجاعة مع الراحلين -طوعا-من الأعزاء ، فالموت ياخذ العزيز ولا تستطيع فعل شيء حٍياله الا مصالحة الحزن وتصبير النفس وتعويدها على الفراق ،
يعاني البالغون عمريا والناضجون عقليا والحساسون وجدانيا من فاجعات الدهر بغياب احبابهم “قهرا” بالموت او “اختيارا” بالرحيل أو “انقلابا” بالتمرد والتنكر والانفصال ، ولدٌ تربّيه او صديق تؤاخيه او قريب تثق فيه ، فمن مات فتنسيكه الأيام و لو ان وشلةٌ ستبقى في الذاكرة ترافقها غصّة في الروح والقلب ، على إن الراحل بالموت لم يختر فراقك فأنت بين أسى عليه وبين حنين إليه وبين صدمة انك لم تشبع روحك من ناظريه ، ولكنه غير عائد وليس لك الا ان تتجنب رؤية الأثار والرسوم حتى لا تهيج فيك الذكريات والهموم ، فإن البكاء والحزن لن يعيد لك شيئا ، يقول ابن عبدون في ذلك :
الدهرُ يفجِعُ بعد العينِ بالأَثَرِ ،،،،،فما البكاءُ عَلى الأَشباحِ والصُورِ
 وليس الميّت بمدين لك ان كان عزيزا حتى وان استدان منك في حياته او صرفت عليه من اموالك قبل مماته ، لذا فهو مسامَح عندك وموهوب بل تودّ لو ان الاموال ترجعه فتفني ما عندك من مال في سبيل رجعة ذلك المحبوب ،
ولكن الراحل الناكر او الراحل المنقلب او الراحل المنفصل بالاختيار لخاطرٍ في عقله دون ذنب جنيت او لينضم الى غيرك ممن لم يسع يوما لنفعه كما سعيت ، او ليُرضي من لم يكن يرضيه ويعتني بمن لم يكن هو يعنيه ، فإن هذا علاجه أن تعدّه مع الراحلين بالموت ، فإن استكثرت على نفسك ان تساوي من رحل دون نكران مع الراحل بالتمرد والبهتان ، فاعتبره لم يُخلق واخضعه لفرضية العدم فذلك خير من الحسرة والندم ، فكثير من الأشياء تمنيناها وعشناها في الأحلام والأماني ولم ننلها أو نلمسها ولو لثواني ،
فأسلم طريقة للتعامل مع شخص يبادرك بطلب الرحيل -او يفاجئك بالفراق او الانفصال ، او يقابل تربيتك او دعمك له او صداقتك معه لسنوات طويلة دون بخل او تخلّ بالإنقلاب عليك دون مسوغ-هو ان تنهي التزامك الماليّ معه خشية الذمّة عند الله فتسوّي “ما له و ما عليه” ثم تضعه في خانة العدم وتفترضه لم يُولد ولم يُخلق ، او انه قد ولد في بلد بعيد ولم تعرفه ولم تلتق به ،، فتستريح ، كما الستة مليارات الذين لم تقابلهم ولا تعنيك احوالهم في هذا العالم الفسيح وهذا هو التصرف الناجع الصحيح ، يقول الشاعر الحكيم :
إذا ترحّلتَ عن قومٍ وقد قدَروا ،،، ألا تفارقهُمْ فالرَّاحلونَ همُ
شرُّ البلادِ مكانٌ لاصديقَ به،،،وشرُّ مايَكسِبُ الإنسانُ ما يَصِمُ
أما الذين غابوا قهرا من أحبابنا ففارقناهم مكرهين غير مختارين فلن نفرض في وجودهم العدم بل إن الأشياء من بعدهم هي العدم ، فنقول في ذلك :
يا من يعِزُّ علينا أن نُفارقهم ،،، وِجدانُنا كل شيءٍ بعدكُم عدَمُ

أحدث المقالات

أحدث المقالات