تؤكد قراءة واقع العراق الجغرافي ما بين ثلاث حضارات (عربية -فارسية – تركية) ضرورة ان تكون استراتيجية الامن الوطني قائمة على فهم متطلبات التعامل مع هذه الاضلاع الثلاثة، مشكلة العراق تتمثل في ذلك الاندفاع العاطفي المتجدد مرة مع العروبة وأخرى مع الإسلام السياسي وقبلها مع ما عرف بـ ” المد الأحمر” دون ان تظهر النخب المجتمعية ما بعد 1958 ادنى التفات نوعي لفهم هذه الضرورات الخطرة على تكوين الجغرافية البشرية او ما يعرف اليوم بالسياسات العامة للتنمية البشرية. اليوم يقع العراق على مفترق طرق في مستقبله السياسي، لمواجهة استحقاقات موقف امريكي -إسرائيلي متجدد ضد الجارة إيران، الحالة ليست الانية، او غير المعروفة للنخب العراقية، هنا يبرز السؤال الازلي: هل نتعامل عاطفيا مع مستقبل الوطن ام نسعى لحلول رمادية ام نبحث عند الاخرين عن حلول مقبولة؟ يبدو المزاج الشعبي العام أحد اهم عوامل تحديد الإجابة على هذه التساؤلات المصيرية، فالكثير يندفع نحو الحالة العاطفية لمساندة الجارة إيران بعناوين تبدأ من قمة اليمين بان الدماء العراقية والإيرانية واحدة في معركة تحرير العراق من براثن داعش الإرهابية الى قمة اليسار في رفض نموذج الاضرار بالشعوب تحت عقوبات اقتصادية، في مقابل فزع نوعي يرفض إعادة اجبار العراقيين على مواجهة عقوبات أميركية تطال ودائع أموال النفط العراقي المودعة في البنوك الأميركية بحماية الرئيس الأمريكي ذاته الذي يفرض هذه العقوبات! وهناك من يدعو الى تسيير الوفود وبدء المشاورات مع الغير لإيجاد فرضيات حلول عند الاتحاد الأوربي وروسيا وربما الصين ناهيك عن الأمم المتحدة ومنظمة المؤتمر الإسلامي، أضعف الايمان لمواجهة المنكر الإسرائيلي – الأمريكي ضد إيران من وجهة نظر بعض تيارات الإسلام السياسي العراقية، ربما يصح في إدارة ازمة مفاجئة، او مواجهة كارثة غير معروفة، لكن الحقيقة غير الضالة عند النخب العراقية ان هذه الازمة معروفة ولا يمكن تغطية الشمس بغربال، بل هي أحد اثارات الازمات البينية في عراق ما بعد 2003 فما عدا مما بدا؟ يبدو من الممكن القول ،تكشف الازمات معادن الرجال وأيضا اجندات الأحزاب السياسية ، فالذين وجدوا ان الاحتلال الأمريكي للعراق ((حالة واقعية)) تتطلب توظيفها لتحقيق ما لم يتمكنوا من تحقيقه خلال سنوات معارضتهم للنظام السابق وقفزوا على ظهر الدبابة الامريكية وانصاعوا لأوامر الحاكم المدني الأمريكي، هم اليوم امام استحقاق اما الرجوع الى القطار الأمريكي او مواجهة حاكم مدني امريكي اخر، وليس هناك من تغيب هذه الحقيقة عنه ، معضلة هذه الاجندات انها لا تفكر بالحلول التي تنصف الوطن ومسؤولياتهم عن الشعب الذي لن يتحمل آثام حروب جديدة بسبب هذه الاجندات، مثلما كانت نتائج الحروب المتكررة من ثمانيات القرن الماضي حتى يومنا. نعم كلنا مع الحرس الثوري الإيراني وهو يواجه الإرهاب الدولي الإسرائيلي – الأمريكي، لكن من الخطأ القول عند بعض المحللين (ان قوات نظامية عراقية تتشرف بان تكون إرهابية) مثل هذه التحليلات العاطفية ربما تحاكي مشاركة الحرس الثوري الايراني في تحرير العراق من داعش الإرهابي، لكنها لن تفهم في القانون الدولي ومن قبل محللي العلاقات الدولية في حدود نظريتها العاطفية، بل نموذج للاندفاع الى اتون حرب مستعرة، مطلوب اتقاء شررها، وليس فتح أبوابها بمثل هذه التلميحات !! الحلول الأمثل التي تتبع في مثل هذه الازمات، تبدأ بالتمسك بعروة الدستور الوطني، والمبادئ الأساسية للقانون الدولي، وكل منهما يأخذ بالحسبان حقوق الدولة في الازمات، والاستماع الى خبراء القانون الدستوري والدولي اكثر استحقاقا في التوعية والترويح محليا وإقليميا ودوليا، من مظاهر الاندفاع العاطفي التي تؤكد ان القافزين على ظهر الدبابة الأمريكية لتحرير العراق وضعوا أيديهم في ” الخرج” الأمريكي لنموذج دولة المكونات ومفاسد المحاصصة، نحتاج الى نضج سياسي، يفهم ابعاد استحقاق الهوية الوطنية بعيد المدى، منه واقع اللحظة المتأزمة، كون البدائل التي تواجه الاندفاع العاطفي لا يمكن ان تصب بمصلحة مستقبل الأجيال العراقية ، كلما تقدم يجدد الدعوة التي كررت الحديث عنها بضرورة وجود نموذج تنموي للطبقة السياسية يستثمر في اعداد قيادات حزبية بـ(هوية عراقية) وليس وفقا للتدريب على اجندات تمثل مصالح دول إقليمية او دولية!!