23 ديسمبر، 2024 7:52 م

فرص النجاح والمحددات الإرثية

فرص النجاح والمحددات الإرثية

تعتمد القناعات الانسانية المتعلقة بنجاح الفرد او فشله على مجموعة من الاعتبارات غير المتجانسة الخاضعة لمتغيرات تاريخية او دينية او اجتماعية او نفسية او ثقافية ، وحسب مستوى الادراك الذهني للشخص المعني وبمختلف الاتجاهات الانسانية سواء في الشرق او الغرب .

وبما ان شخصية الانسان الشرقي وتحديدا العربي ذات اولوية لنا فأننا سنخصص غالبية حديثنا عن تلك الشخصية ذات الابعاد او الاتجاهات المختلفة والتي يناقض بعضها بعضا برغم تلاقيها في بعض الجوانب الرئيسة .

ان ايمان الانسان العربي بفرص نجاحه في اي من الجوانب المتعلقة بحياته الخاصة تكون في الاغلب معتمدة على تأثيرات يراها هو انها مسيرة لقدره في الحياة وانها احيانا تكون بوصلة تحكم رئيسة بهذا الصدد وان وجوده ضمن نسيج اجتماعي ما سيحدد مسبقا خياراته التي لن تخرج بأي حال من الاحوال عن خط بياني رسم له ، وان تحكمه ببوصلة الاحداث لن يكون الا بهامش صغير ومحدود يخضع لقوانين واصول اجتماعية يؤمن بها سلفا .

ان الايمان المطلق بحتمية الفرص يعد من اخطر الامراض الاجتماعية التي نهانا عنها الدين والانسانية بشكل عام من خلال حث القرأن الكريم والسنة النبوية والسيرة الصالحة للاولياء الصالحين عليهم السلام اجمعين على ضرورة السعي لنيل الرغبات المشروعة وعدم الاستسلام لظروف المرحلة الزمنية التي يعيشها الانسان والتي تصور له احيانا استحالة تحقيق احلامه .

وان خطورة هذا الشعور الذي تم نسيجه في مخيلة واحاسيس شعوب المنطقة منذ قرون عبر روايات واحاديث نسبت بعضها للشريعة واخرى للاعرافواخرى للسلف الصالح تتمثل بوقف عجلة التطور الذهني للانسان والمراوحة في المكان نفسه الذي يقف به واضاعة عامل الزمن في استهلاك للعمر دون اي تقدم ، في عملية مدروسة وممنهجة من جهات معادية لتلك الشعوب لخلق حالة من الفجوة الفكرية والعلمية بين تلك الشعوب وبين من يتصدى لعجلة العلم وهي اطراف دولية معروفة وليس بالضرورة التطرق الى اسمائها ، وبالتالي فأننا امام عملية استعباد جديدة بطريقة خبيثة غير معلنة ، اي بمعنى اننا في عصر الجيل الثاني من العبودية المقيتة التي كانت معلنة في ما سبق الا انها الان باتت في شكل اخر غير مكشوف لدى غالبية ابناء الشعوب العربية الا لدى القليل منهم والذين يعدون من نخبة ابنائها .

ومما تقدم لا يسعنا الا التذكير بروح الانسانية التي بعث الله تجلت قدرته الانبياء لاجلها والتي تحثنا على الارتقاء بالذات الانسانية الى المستوى الذي يرضاه الله تعالى والقيمة العالية لذلك الانسان والذي كان ولا يزال مبعث فخر وتباه للذات الالهية العليا ما يبين حتما ان بناء الشخصية النموذجية الناجحة ما هو الانجاح للتجربة الالهية الرائدة والتي بدأت حين اختير ادم ليكون خليفة للارض وزقت في ذلك الانسان ومن خلفه المبادئ والقيم والحكمة الرائدة التي تمكنه من اعمار الارض بعد خرابها .

هنا يمكن لنا ان نتساءل ونجيب في الوقت ذاته ، هل تمثل الشعوب العربية التي تعتبر نفسها امتدادا لسلالة الانبياء والاولياء والرسالات السماوية المقدسة هذا النموذج الالهي الصالح المتطور ام العكس ؟ الجواب وبكل شفافية سيكون بالمطلق كلا انها ليست كذلك بل ان من ندعي انها شعوب كافرة او مشركة هي بالفعل امتداد لهذه المسيرة الالهية .. لكن كيف حصل ذلك ولماذا ؟ وكيف انقلبت الامور رأسا على عقب ؟

سنكون ايضا واضحين في تحديد وتشخيص الخلل وسبل تجاوزه ، وهو ان الانسان لا بد ان يحدد خياراته الاجتماعية والسعي المتواصل لخلق الفرصة المناسبة لبلوغ ذلك الهدف السامي الذي كان يحلم به من خلال تحويل الحلم الى واقع ملموس عبر عدم الاستسلام لفكرة اختفاء الفرصة او عدم مجيئها والعمل الدؤوب لخلق تلك الفرص والجري نحوها بكل قدرة وايمانوعدم انتظارها ، لان الفيصل في كل ما قلناه يكمن في هذه التفصيلة الا وهي الذهاب للفرصة او خلقها وعدم انتظار قدومها ، لان انتظارها هو مفتاح الفشل وانهيار المجتمع ككل علميا وادراكيا اما رقيه وتطوره فهو في الخيار الثاني سالف الذكر ونحن امام مسؤولية تاريخية فأما ان نكون على قدر المسؤولية اولا وان قرارنا اذا كام ايجابيا فهو الذي سيبارك في اعمالنا لانه سيكون مدعوما ومسددا من ارادة الله تعالى المتجسدة في هذا الخيار اما الثاني فلن نجني منه لا توفيقا دنيويا ولا توفيقا الهيا لانه سيجعلنا متخلفين في هذا الدنيا وعاصين للارادة الالهية العليا .. والقرار بأيدينا لا بأيادي الغير ..