في أول مشهد انتخابي تشريعي لبناني منذ 9 سنوات، شارك الملايين من اللبنانيون في السادس من مايو الجاري في اختيار ممثلي البرلمان، في أول انتخابات برلمانية تجريها البلاد منذ في ظل حالة من الشلل السياسي الداخلي نتيجة الخلافات السياسية والأمنية المعقدة التي عاشتها لبنان طول تلك الفترة، فضلًا عن تشابكها مع الصراعات الإقليمية المحيطة بها.
ولأول مرة ينتخب اللبنانيون مرشحيهم وفق القانون النسبي مع الصوت التفضيلي، على أساس اللوائح المكتملة أو غير المكتملة مع حرية إعطاء الصوت التفضيلي لمرشح معين ضمن اللائحة الواحدة، وعليه عدد اللوائح الانتخابية المسجلة لدى وزارة الداخلية 77 لائحة تضم 917 مرشحًا في كافة الدوائر الانتخابية الخمسة عشر.
ويتنافس على الانتخابات 597 مرشحًا، بينهم 86 امرأة، و77 لائحة في 15 دائرة للفوز بـ128 مقعدًا في مجلس النواب وفق قانون النظام النسبي.
الدلالات الأولية للانتخابات
أظهرت عمليات فرز الانتخابات اللبنانية وفق نتائج غير رسمية، فوزًا ساحقًا للثنائي الشيعي أمل وحزب الله، وتقدمًا لتيار المردة والقوات اللبنانية وتراجعًا للتيار الوطني الحر والمستقبل، في حين بلغت نسبة الاقتراع في الانتخابات النيابية 49.20%، وأشارت النتائج الأولية حصول حزب الله: 13 مقعدًا وحركة أمل: 16 مقعدًا والحزب القومي السوري الاجتماعي: 3 مقاعد وحزب المردة: مقعدان ومختلف: 7 مقاعد والتيار الوطني الحر وحلفاؤه: 26 مقعدًا وتيار المستقبل: 18 مقعدًا، والقوات اللبنانية: 15 مقعدًا وحزب الكتائب: 3 مقاعد وتيار العزم: 4 مقاعد وغير محسوم: 11 مقعدًا والحزب الاشتراكي: 8 مقاعد والمجتمع المدني مقعدين وفيما يلى أبرز الدلالات وفق هذه النسب:
خفوت نجم تيار المستقبل والتيار الوطني الحر: وفق النتائج الأولية، لم يحقّق حزب رئيس الجمهورية ميشال عون المتمثل التيار الوطني الحر النسبة التي طمح إليها، كما تراجع تيار المستقبل الذي يتزعمه رئيس الحكومة سعد الحريري في بيروت ودوائر أخرى، كما تراجع حضور تيار المستقبل في الدائرة الثانية ببيروت، كذلك تراجع حجم كتلته في البقاع الغربي، كما سجلت بعض المفاجآت في عدد من الدوائر، كان أبرزها تراجع حضور تيار المستقبل في الشمال، في الوقت الذي عززت فيه القوات اللبنانية حضورها في البرلمان الجديد.
يذكر أن، وقبل يوم من بدء الاقتراع، أعلن محمد حمية، مرشح منطقة بعلبك الهرمل عن المقعد الشيعي، ضمن لائحة الكرامة والإنماء، المدعومة من حزب القوات اللبنانية (الذي يرأسه سمير جعجع)، وتيار المستقبل (بزعامة سعد الحريري)، في بيان له انسحابه من الانتخابات. جاء القرار على خلفية الضغوط التي وصفها بغير المسبوقة، واتهامه بمحاولة شق الصف (الشيعي)، مما عزز مكانة القوى الشيعية على حساب القوى الأخرى.
كما أشار إلى أن انسحابه جاء حرصًا على سلامة أهله وعائلته، ما قد يشي بتهديدات جسدية ومعنوية، قد يكون تعرض لها أفراد من عائلته، من قبل الحزب المسيطر في المنطقة، ألا وهو حزب الله.
وعلى الرغم من التراجع الواضح لتيار المستقبل والتيار الوطني الحر، ألا أنه عزز فوز مرشحيه في العديد من الدوائر الإنتخابية، ومن أبرزهم رئيسه الوزير جبران باسيل في دائرة الشمال الثالثة، وكذلك الوزير سيزار أبي خليل، والوزير السابق ماريو عون في دائرة الجبل الرابعة، عوضًا عن فوز معظم مرشحيه في دوائر كسروان وجبيل والمتن وجزين وغيرها
تقدم القوى الشيعية: على الجانب الآخر، سجل الثنائي الشيعي المكون من حركة “أمل” و”حزب الله” اكتساحًا في دوائر الجنوب والبقاع وبيروت، وأظهرت نتائج الانتخابات غير الرسمية فوز لوائح حركة ” أمل” و”حزب الله” وحلفائهما في معظم الدوائر الانتخابية والذي وصل 33 مقعدًا، منها بيروت الثانية، وجبل لبنان الثالثة، وفي دوائر البقاع الثلاثة. وعليه ازدادت نسبة الاقتراع الشيعية بشكل ملحوظ رغم كل المحاولات والحملات التي قامت ضدهم.
يذكر أن عمليات الترهيب والتهديد لميليشيات حزب الله، تزايدت عشية الانتخابات. ففي العاصمة بيروت وقع إشكال أمام مكاتب تيار المستقبل، الذي يرأسه رئيس الحكومة، سعد الحريري، بين مناصرين لحزب الله وحركة أمل وبين مناصرين لتيار المستقبل.
إن نتائج الانتخابات كانت انتصاراً كبيرًا للائحة الأمل والوفاء التابعة لـ”حزب الله” و”حركة أمل”، ربحوا إضافة إلى ذلك فاز كل الحلفاء الذين دعموهم، وبالتالي أصبح لديهم في الجبهة التي ستتشكل من الجبهة الوطنية للأمل والوفاء 47 أو 48 مقعدا، وهذا يعتبر انتصارًا كبيرًا.
الحزب التقدمي الاشتراكي والقوى الأخرى: حافظ على كتلته النيابية بعد فوز معظم مرشحيه في مختلف الدوائر برئاسة النائب وليد جنبلاط، كما فاز”حزب القوات اللبنانية” الذي يرأسه سمير جعجع، استطاع أن ينجح بشكل ملحوظ من خلال الفوز بـ15 مقعدًا، وهذا تقريبًا مضاعف عن كتلته في السابق، كما عزز تيار المردة برئاسة الوزير السابق سليمان فرنجية حضوره وحصد مع حلفائه 4 مقاعد.
ومع بدء ولاية المجلس النيابي الجديد، وبعد اكتمال هيئة مكتبه تدخل حكومة سعد الحريري في مرحلة تصريف الأعمال، وستتبدّى مفاعيل هذه الانتخابات والقانون النسبي الهجين الذي جرت على أساسه، خلال الأسبوعين المقبلين، الفاصلَين عن نهاية ولاية المجلس النيابي الحالي في 20 مايو، حيث سيكون المجلس الجديد في هذا التاريخ على موعد مع انتخاب رئيسه والذي بات شبه محسوم تمتع “نبيه برّي” زعيم حركة أمل بأوفر حظ للعودة على حصان أبيض إلى منصب رئيس البرلمان الذي يشغله منذ العام 1992م.
ختامًا، تشهد الحالة الداخلية اللبنانية مزيدًا من الحضور القوي للتيارات الشيعية فى ظل تراجع ملحوظ للقدرة الحزبية المناهضة لها، وهو ما سوف يلقى الضوء على دوائر لبنان الداخلية والخارجية، وإعادة رسم خريطة تحالفات جدية تفصح عنها النتائج الحالية.