لا يشكك احد بان الثقافة والادب من اهم الاركان الاساسية في مسيرة اي بلد، و لا يمكن تهميشها مهما بلغت صعوبة الحياة العامة في البلد و كان النقص في الاولويات المعيشية الاخرى اكثر و لم يسمح الوضع على التراخي، و يوضع المهمة الثقافية في الخانة الخلفية ، فمن لا يتذكر البلدان التي كانت في وسط الحرب و الفوضى و لم تنس الثقافة و المثقفين، وكان صريح الاهتمام بهذا الجانب و ما ابدته من اهتمام في هذا القطاع الذي يدع اي بلد على حيويته و نشاطه و يدفع به الى ابداعات و يزيح امامع المعوقات ليقف على ارجله مقاوما مستندا على اهم مقومات الحياة قبل غيره، و هو الثقافة و المثقفين من الادباء وا لفنانين و الشعراء و الكتاب و الصحفيين ايضا، و ما يمكن ان ينتجوا ليبقوا البلد حيا صامدا مقاوما كافة انواع الابتذال و الكسل و الكساد الذي يمكن ان يصيب اي بلد يعيش حالة حرب و فوضى .
منذ سقوط الدكتاتورية، و كانت وزراة الثقافة العراقية مغبونة و هي صنفت و وزعت ضمن الحصص وفقا لقانون غير المعلن من المحاصصة السياسية المتبعة بين المكونات الثلاثة و التي كانت هذه من اكبر الاخطاء، و ربما يتعجب من يقرا هذا و يعتبرني غير واقعي لانني اعتبر وزارة الثقافة اهم من الوزاراة السيادية التي تتقاتل عليها كافة الكتل مهملين وزارة الثقافة و لم يهتموا بها كما نعلم . و ان من اعتلى كرسي هذه الوزارة كان محسوبا على احد المذهبين، لا بل شارك احدهم وزارة الدفاع مع هذه الوزراة، يا لخيبة العراق و مصيبته ان نظرنا اليه من هذا المنظور فقط، و ما يدلنا عليه هذا التوجه و النظر القائم لحد الان الى اهم وزارة من قبل العراق و سلطته المحاصصاتية و على العكس من كافة دول العالم .
كما هو حال الوزارات الاخرى اصاب هذه الوزراة فسادا ماليا و اداريا و زد على ذلك هنا حتى فسادا ثقافيا كبيرا ايضا، و ربما اكثر من غيرها و هنا الخسارة اكبر لان الفساد هنا ليس ماديا و اداريا فقط، و انما ثقافيا و ما يترتب على هذا النوع من الفساد من الافرازات السلبية على كافة نواحي الحياة لهذا البلد المغدور . كم من اناس تعلقوا بهذه الوزارة و مناصبها و لم تكن لهم اية صلة بالثقافة و المثقفين و انما اختيروا لكونهم منتمين الى حزب اسلام سياسي و رشحوا وفقا للمحاصصة الحزبية المذهبية الفئوية، وهم اصلا لم يؤمنوا بماهية الثقافة و لهم احزابهم و يؤمنوا بايديولوجية ان لم تكن معادية لمحتوى و فحوى الثقافة العامة للناس لم تهتم بها اصلا .
بمقارنة بسيطة بين الوضع الثقافي العام و نتاجات و اهتمامات وزارة الثقافة بالثقافة العامة للبلد في هذه المرحلة و ما يقع عل عاتق هذه الوزارة من مهام رئيسية، يجب ان تكون لها نتاجات مؤثرة على الجوانب الاخرى، فيمكن ان يتعجب المتابع و المقارن منها و يفتخروا بها . فهل من المعقول ان يعتلي المواقع الحساسة من هذه الوزارة اشخاص لا يعلمون من الثقافة الا التفاسير الدينية و الشعائر و الطقوس و ليس لديهم نتاج ثقافي او مقدرة تمت بصلة ولو بسيطة بمفهوم الثقافة، يا لبلد عجيب . اين التنسيق المطلوب بين وزراة الثقافة و الوزارات الاخرى لرفع الشان الثقافي و التعاون و الاهتمام بنتاجات المثقفين اينما كانوا . مثلا هل من المعقول ان تسكت وزارة الثقافة على اعتبار النحوت و التماثيل حراما و تمنع العمل بها، ولم ينبس وزير الثقافة في حينه بننت شفة لان الامر و التوجه صدر من وزارة اخرى .
بما ان الخلافات الكبيرة في الوزاراة التي تعتبر ثانوية بين المكونات ليست بكبيرة، و الاهم من ذلك ان الخلافات بين الاقليم و المركز لا تحوي في طياته ولو نسبة قليلة جدا مما يمس الثقافة و ما يتعلق بهذه الوزراة، بل جل خلافهم سياسي و مالي بعيدا عن الثقافة و المثقف . يكون بالمكان ان تؤدي وزارة الثقافة دورها البارز و واجبها الاهم في هذه المرحلة الحساسة جدا، و ربما كان الخلاف المذهبي القائم و من تسلم هذه الوزارة من مذهبين المتخالفين في العراق طوال المة السابقة قد اثر سلبيا على مسار الثقافة ، و عليه اصبحت الثقافة و المثقفين ضحية الخلافات الايديولوجية المذهبية و طمر كل شيء جراء الافرازات السلبية من تلك الخلافات .
اليوم، بعدما تسلم وزير كوردي هذه الوزارة و لا يحمل من الخلافات السابقة بشيء و له القدرة في الاصلاح، و لا اعلم امكانياته كثيرا و ان اعرفه من بعيد منذ عقدين تقريبا و المعرفة بشكل مبتسر، الا انني هنا يمكن ان اقول في رسالة مفتوحة له، ان الفرصة سانحة امامه ليؤدي دورا تاريخيا في اعادة مسار هذه الوزارة الى سكتها الصحيحة، و يمكنه ان يؤثر ايجابا على الوضع الثقافي العام للبلد، ان عمل وفق منهج ثقافي علمي و ببرنامج عمل غني و بامكانيات متوفرة و باشتراك الجهابذة من المثقفين العراقيين الذي يشهد لهم العالم و المنطقة ايضا، و الوزير له من التاريخ في هذا الوسط و الفرضة سانحة ليعمل بعيدا عن التعصب العرقي و المذهبي، و لتكن هذه الوزارة المؤثرة مبادرة الى العمل الجمعي بعيدا عن المحاصصة، و اول العمل هو اعادة الترتيب و التنظيم الاداري و الثقافي، و وضع الشخص المناسب في المكان المناسب بعيدا عن نهج عمل الوزارات الاخرى طارحاا المحاصصة عرض الحائط، وهذا ما يتطلب الاهتمام بالكبار وفق نتاجاتهم و عقلياتهم و مكانتهم و ما يحملون من الثقافات التي تشير اليه المنطقة و العالم .
انك تاتي بوكيل وزير لكون كورديا و اخر لكونه شيعيا او سنيا فقط لكونه ينتمي الى الحزب هذا او ذاك و لا يعرف الف باء الثقافة، انه الكارثة على الثقافة و العراق بشكل كامل .
اننا ننتظر من السيد الرواندوزي و رغم عدم تفاؤلنا كثيرا لاسباب اخرى، و بداية العمل الصحيح هو ماسسة المكان الذي فيه، ليتسنى له التقليل من نسبة الخطا، و العمل الجماعي في التقيم و الاقتراحات و اعادة النظر في التشكيلة الهيكلية لهذه الوزراة بشكل جذري بعيدا عما جرى سابقا لتكون سابقة للعمل الوزاري، و يجب ان تكون هي في الطليعة في الامور الثقافية المؤثرة على الحياة الثقافية و السياسية العامة للبلاد .
الخطة و البرامج و الاستراتيجيات المطلوبة خلال سنوات عمل الوزارة لدورة واحدة على الاقل ستوضح عمل اي وزارة و من على راسها . بداية العمل يجب ان يجٌد على اعادة تنظيم الهيكل الوظيفي و تقيم كفاةئات المسؤلين لاقسام الوزراة في كافة انحاء العراق، و العمل الجاد وفق التقيم الصحيح بتسكيل لجنة محايدة وان كانت من خارج الوزارة و ليس لهم اية مصلحة مع اية جهة، يكون افضل بكثير من اللجان الذاتية للوزارة التي تدخل في طيات عملهم المصالح و العلاقات و التاثيرات و المصالح المشتركة من كافة النواحي . الاهتمام بالاختصاصات الثقافية المتشعبة و بما فيها الاعلام كجزء هام سواء كان مربوكا بوزارة الثقافة ام لاء، و ان لم يكن ضمن اهتمامات وزارة الثقافة من قبل . او تشكيل هيئة خاصة في وزارة الثقافة لمتابعة و تقيم دور الاعلام من الناحية الثقافية العامة و دورهم في هذه المرحلة في البلد، هذا عدا الفروع الرئيسية الاخرى التابعة لوزراة الثقافة من الفن و الادب و الشعر حتى الاعلام . هل يسجل السيد الرواندزي تاريخا و مجدا له في هذه المرحلة العصيبة من الثقافة العراقية التي كان يشهد لها العالم جميعا من قبل .