تغييرات دراماتيكية تطرأ على مرشحي الكورد لمنصب الرئاسة في الساعات الأخيرة قبل جلسة البرلمان المخصصة لإنتخاب أحدهم غداً الثلاثاء، مع توارد أنباء حول عدم إدراج الموضوع في جدول الأعمال. المنصب كما هو معلوم رمزي بسلطات دستورية بروتوكولية مكملة وليست منشئة بحال، الا اذا استثنينا قرار الإستقالة. مع ذلك اكتسب المنصب هالة لا بأس بها ومكانة مرموقة الى حد ما وتأثيرا معتبرا لا يمكن تجاهله في السياسة العراقية الداخلية والخارجية عندما شغله الراحل جلال طالباني.
غير ان المنصب فقد، بعدئذٍ كل ذلك. لم نسمع بأسم الرئيس الا نادرا في السنوات الأربع الأخيرة، بل ان البرلمان والحكومة جرداه حتى من صلاحياته الدستورية عندما صدروا مثلاً قانون تعديل قانون الإنتخابات الأخير واعلنوا صراحة ان القانون ليس بحاجة الى مصادقة رئيس الجمهورية واعتبروه نافذاً حال التصويت عليه تحت قبة البرلمان.
حِرْص الإتحاد الوطني على عدم فقدان المنصب وافتقاره الى شخصية كاريزمية قادرة على المنافسة واقناع الشركاء الآخرين به، وتضايق بعض مراكز النفوذ، على ما يبدو، من بروز نجم ملا بختيار (حكمت محمد كريم)، عضو المكتب السياسي للحزب ومسؤول هيئته العاملة، كمرشح رئاسي، ونقض حليفه الإستراتيجي، الحزب الديمقراطي الكوردستاني، لأحقيته التي دأب على تكرارها، دفع به، اَي الإتحاد، الى شحن جهود ارجاع برهم صالح الى صفوفه بزخم متسارع واندفاع مباغت حتى نجحوا في ذلك. أعادو صالح الى بيت الطاعة وسارعوا الى تقديمه مرشحا رئاسيا ولكن ليس قبل ان يحدث شرخاً إضافيا بين قيادات الإتحاد التي تعاني اساسا من إنقسام حاد.
القرار كان صادما لبختيار فترك على أثره اجتماع قيادة الحزب المخصص لتسمية مرشحه الرئاسي غاضبا حسبما افاد احد اعضاء المكتب السياسي لوسائل الإعلام، خصوصا وان بختيار كان قد شن هجوما عنيفا على صالح قبل عدة أشهر واتهمه، على صفحته في الفيسبوك بأنه يفضل مصالحه الشخصية واستغل الحزب لتحقيقها، وكتب يقول: “بعد دورتين لرئاسة حكومة الإقليم، ومثلهما لمستشارية مجلس الوزراء الاتحادي في بغداد فضلاً عن شغله منصبا بقيادة الحزب، وأخيرا نائب السكرتير العام في المؤتمرات الثلاثة السابقة للاتحاد الوطني كل ذلك عبر تزكيته، وبعد انشقاقه، في الوقت الذي كان به مام جلال على فراش الموت، بدأ بمعاداة الحزب”.
كل ذلك لم يمنع الجناح المؤيد لصالح على التشبث به وتفضيله على بختيار. كانت مواقع خبرية قد اشارت، نقلا عن مصدر من داخل الإتحاد، فضل عدم ذكر اسمه ان الانتماء المذهبي الشيعي سيؤّخر اختيار ملا بختيار مرشحاً لرئاسة الجمهورية، وهو ما لم يحدث فحسب وإنما أعتقه تماماً وأخرجه من السباق، الأمر الذي يبدو ان حليفهم الإستراتيجي، الحزب الديمقراطي الكوردستاني، استغله احسن استغلال.
اعتبر الحزب الديمقراطي ترشيح صالح انفرادا بالقرار وخرقا لتفاهمات توحيد الأطراف الكوردية والذهاب الى بغداد بموقف موحد متفق عليه وأعلن رفضه لمرشح الإتحاد رغم اعترافه بمؤهلات صالح وملاءمته للمنصب واحترامه له، ثم سارع الى تقديم مرشحه الخاص من خارج الأسماء المطروحة. لم يكن المرشح فاضل ميراني، عضو المكتب السياسي ولا القيادي المعروف هوشيار زيباري ولا احد البارزانيين كما اشيع وانما كان المرشح الذي قدم الحزب الديموقراطي اوراقه قبل ساعات من غلق باب الترشيح هو فؤاد حسين، رئيس ديون رئاسة الاقليم، بعد ان رفض الاتحاد مساومة منصب الرئاسة بمنصب محافظ كركوك.
الحزب الديمقراطي يعرف حجم صالح في بغداد ومقبوليته لدى العديد من الأطراف ويدرك صعوبة هزيمته هناك في اي تصويت سري داخل البرلمان، خصوصا ان الترويج له في بغداد بدأ ينصب على موالاة حزبه لإيران وتعاونه، او تعاون بعض قياداته مع بغداد في مسألة كركوك مقابل اتهام الحزب الديمقراطي بالوقوف وراء استفتاء الإنفصال ومحاربة الجيش العراقي، وهي معادلة ترجح كفة صالح الذي يتمتع اساسا بفرصة افضل اعتمادا على رصيده السياسي الكبير. اختيار فؤاد حسين، الشيعي الفيلي، راعى هذه المعطيات بدقة. ضرب على الوتر الطائفي الأكثر حساسية في عراق اليوم حتى وان لن يكن مقصوداً. ثم سافر نائب الحزب، رئيس حكومة الاقليم، نيجيرفان بارزاني الى بغداد فجأة لغرض تحشيد الدعم والتأييد، والتعريف بالمرشح الجديد.