لم أدعي يوماً طيلة مسيرة حياتي وفي أطار تجربتي الشخصية المتواضعة أن أمتلك الحقيقة ولاحتى نصفها في أطار سجلي الشخصي ، الأ بعض المواقف والاحداث والتي استوقفتني في تجربتي الشخصية ، ولم أغامر أن أدلو بدلوي أو أن أقيم أحداً أو أتخذ موقفاً عبر رأي الآخرين والسماع منهم ، أو أتبنى إشاعة حول حدث أو شخص الأ أذا كنت جزء من صميم الحيثيات عبر رؤيتي الشخصية . في العراق وحياة العراقيين الأمر يختلف تماماً في رسم الصور وتقييم الاحداث والبت في القضايا اعتماداً على القول والاشاعة وهي الطاغية في عراق اليوم في تحديد مسارات الناس والاجحاف في حقهم تعد ماركة عراقية مسجلة بإمتياز . في مسيرة غربتي والتي أقتربت من أربعة عقود متتالية وفي تجارب مختلفة مع النسيج العراقي المختلف في الآراء والانتماءات فالآمر سيان . أن كنت شيوعياً أو اسلامويا أو قومياً حيث تتقاذفك الدعايات أينما حللت ورحلت لموقف معين أو لنسمة اعتراض على السياسة العامة أو لبرهة اختلاف في الرأي . بعد رحيل الدكتاتورية على يد الاحتلال الامريكي عام ٢٠٠٣ وما أعقبها من أرهاصات سياسية أدت الى ائتلاف طائفي عرف بالعملية السياسية قادت البلد والعباد الى الهلاك والخراب . لا أحد يختلف على سياسة النظام السابقة وممارساته في تفتيت وحدة نسيج المجتمع العراقي أعتمدت بناءاً على عقلية وبنية الشخصية العراقية وأزدواجيتها في القرار والموقف .
حلل علي الوردي عالم الاجتماع العراقي الشخصية العراقية على اعتبارها شخصية ازدواجية تحمل قيم متناقضة هي قيم البداوة وقيم الحضارة . في لجة انهيار الدكتاتورية وغياب سطوة سلطتها المنفرطة على رقاب العراقيين ، والذين انفرطوا في اعلان الوفاء لها تحت جملة مسميات وكلاء أمن ومخبرين وخطوط وطنية فلا غبار عليها ولا لوم على ما إجبروا عليه لأنها دكتاتورية ونظام قمعي تبنى أساليب شديدة في القساوة الى حد التغيب والموت ، وعلى القوى السياسية التي عادت مع أجندات الاحتلال أن تستوعب حجم الظروف الصعبة التي مر بها شعبنا ، لكن الغريب في الأمر ، الذي يتوجب الوقوف حياله حول تلك الشريحة الاجتماعية والتي تناست مواقفها السابقة ، من ذل وطاعة ونفاق وتقارير لأجهزة النظام السابقة لقد راحت تكيل الاتهامات للمناضلين الذين دفعوا حياتهم قرباناً لشعبهم ووطنية مبادئهم . تصلني أحياناً أطراف حديث وكلام مبتذل ودعوات للبطولات المزيفة تحت غطاءات سياسية من الذين تعاونوا مع نظام البعث حول شخصيات ومناضلين حقيقين تبنوا مواقف معارضة من المشاركة في العملية السياسية أو أتخذوا مواقف وطنية معارضة من آلية العملية السياسية وخطوطها العامة والمواقف الوطنية .
وما تحدث وجاء به الاستاذ علي الوردي من خواص الشخصية العراقية التي تعتمل بداخلها ثلاث خواص متفاعلة هي: ازدواج الشخصية والتناشز الاجتماعي وصراع البداوة والحضارة ، ام مرده صفة النفاق التي تحدث عنها الخليفة الرابع علي بن ابي طالب في معرض ذمه أهل البصرة بعد موقعة الجمل في خطبة له قال فيها: «أخلاقكم دقاق، وعهدكم شقاق، ودينكم نفاق»، أم انها الوصولية والنفاق التي اضحت ملتصقة بالشخصية العراقية ، يستفزني دوماً منظر منقول من ساحات الاحتجاج أحدهم يرفع لافته عريضه وطويله ضد الفساد وهو يستلم أربعة رواتب ويحاول جاهداً أن يستلم الخامس من سحت المال الحرام . وينبّه الوردي إلى أن العراقي بهذه الصفات “ليس منافقاً أو مرائياً كما يحب البعض أن يسمه بذلك، بل هو في الواقع ذو شخصيتين، وهو إذ يعمل بإحدى شخصيتيه ينسى ما فعل آنفا بالشخصية الأخرى، فهو إذ يدعو إلى المثل العليا أو المباديء السامية، مخلّص فيما يقول، جاد فيما يدّعي، أما إذا بدر منه بعدئذٍ عكس ذلك، فمردّه إلى ظهور نفس أخرى فيه لا تدري ماذا قالت النفس الأولى وماذا فَعَلتْ”. العراقيين شعب مغلوب على حاله وتتغلب عليه دراما العواطف وفي أحايين كثيرة تذهب بهم بوصلتهم الى متاهات وتقيمات وتسلكات بعيداً عن المألوف . تبنوا مواقف وأتخذوا قرارات بحق ناس لم يلتقوا بهم يوماً ، فحددوا موقفهم بناءاً على آراء الآخرين ، والتي في الغالب تكون بعيدة عن الأنصاف والموضوعية ، وسجلنا العراقي ممتليء بهذه الصور المؤلمة ، وقد غذيت تلك الظاهرة على مر العصور والأنظمة من قبل الاحزاب والكيانات السياسية بدوافع وأجندات لاتمت الى الواقعية والعقلانية والضميرية بصلة في بناء الشعوب والمجتمعات والاوطان .