ليس مهما للآخرين أنك تحترم القانون او لا تحترمه فذلك أمرٌ شخصي عائدٌ لك ، المهم والمفيد والناجع للمجتمع هو ان تخاف منه ، الاحترام الاختياري ، المزاجي غير الخوف الذي يتطلب قوة تخيفك وتعاقبك حسب حجم التجاوز او الخطيئة التي ترتكبها .
هل الناس في الدول المتقدمة تحترم القانون ام تخاف منه ؟ هل ان الالتزام بالسرعة اثناء قيادة السيارة مثلا في شوارع أوربا هو رُقي وتحضّر وفدوة لعيون القانون ؟ ام خوف من كاميرات المراقبة التي تلقطك وترسل لك صورة سيارتك وهي تتجاوز السرعة المحددة لتدفع الغرامة صاغرا؟.
اذن القانون – الديكتاتور الجبّار الصارم الحاسم العادل الذي لايميز بين رئيس الوزراء وبائع الصحف هو مايجعل الحياة مستقيمة لدى خلْق الله من شعوب تلك الدول .
عند وصولي بريطانيا لاجئا في تشرين ثان نوفمبر عام 1998 فوجئت بحملة تحذير من الاصدقاء بعدم الخروج منفردا الى الشارع خلال اليومين القادمين ، قلت هل يعقل ان اسمع هذا التحذير في مدينة ليدز البريطانية ! مالذي يمكن ان يحصل ؟ السبب أن الفريق الانكليزي حينذاك كان قد خسر مع تركيا بكرة القدم رافقت المباراة احداث شغب وعنف بين الجمهور واللاعبين قتل اثرها احد لاعبي الفريق الانكليزي.فهاج الشارع في بريطانيا ضد الاجانب ذوي السحنة السمراء الخشنة اللي من جماعتنه، وحدثت وقتها اعتداءات متفرقة في عدد من الاماكن العامة، خاصة المدن الصغيرة. هذا الخبر نزل كالصاعقة على مهاجِر محبط ، مخيلته عباره عن ارشيف لكل ماهو سيء وارتجالي وقاس وفوضوي في بلاده واتهام اهلها بالعنصرية والعشائرية وعدم الالتزام بتعليمات المرور والنظافة وعدم احترام الراي الاخر ..كيف يحدث في بلد وشعب طالما تغنّينا عن بعد بتحضره وتقدمه واحترامه لحقوق الانسان ، ان ينتقم مواطنون فيه لرياضي قُتل في بلد بعيد ، من ابناء البلد المسالمين الامنين المقيمين او اللاجئين على ارضه ؟ ، دُهشتُ فعلا وانا الذي تعودت فقط في بلداننا العربية والاسلامية على الثأر وعلى (أن يزِروا الوازرَةَ وزرَ أخرى) وان اقارب المتهم لحد الدرجة العاشرة يقادون معه الى التحقيق ! سؤال بقيت منذ ذلك اليوم اتعقبه ، حين اشاهد المواطن الاروربي الناعم الهاديء اذا ما رآك تتجاوز دوره في الطابورعلى دكان او باص كيف ينقلب وحْشاً، وان ما يجعله مسالما معي وما يجعل المهاجرين من جميع اعراق العالم واديانه وملله المختلفين المتكارهين ،منسجمين يعيشون ويعملون منظمين مثل الساعة هو القانون .. سلطة القانون وقوة فرضه . لان كل الناس الا من أخطأهُ الدليل انانيون مصلحجية قُساة في كل مكان ! والحكومات في الدول المحترمة لا تعتمد على الضمير او الاخلاق او التحضر او (الوطنية !) في فرض القانون واداء الواجب وتطبيق التعليمات بدأ من تجريم الاغتصاب واستخدام السلاح الى استحصال الضرائب ومنع التدخين في الاماكن العامة . بل تعتمد على قوة القانون وعلى قوة السلطة التي تطبقه ، وفرض القانون لايعني التوسل بالناس لاحترامه ، بل بتحذيرهم من عواقب خرقه ، جميعا جميعا حكاما ومحكومين .