في العراق تجد كل شيء مختلف عن غيره في بقية بقاع العالم، شعبه وأرضه وثرواته وحكامه وطقسه، بل حتى لعب أطفاله.
ووصل التميز الى ان يكون حتى جواز سفر مواطنيه يختلف عن غيره ويضع اسمه على لائحة التصنيف العالمي اذ احتل المرتبة الثانية في تميزه، ولكن ليس الإيجابي، بل الإرهابي.
وترى تميزه ايضا يلوح في فساده، فهو لن يدع سنة تمر عليه الا وكتب اسمه على لائحة البلدان المتقدمة في عالم الفساد ضمن تقييمات المنظمات الدولية.
اما في عالم الرياضة فهو ابى الا ان يكون البلد الاول في عالم الحضر الرياضي، حتى ان بطولات الخليج المتوالية التي يراد لها ان تقام على ارضه وبين جماهيره، لا ينال منها الا علم الدورة السابقة فقط، لانه كل حين يؤخذ منه تنظيم البطولة ويعطى لدولة اخرى لدواع أمنية.
وتميز العراق لم يقف عند هذه الحدود، اذ طرح نفسه في عالم السرعة، ليس عالم الراليات، بل عالم الكم الكبير والهائل من الشهادات العليا التي حصل عليها سياسيو ما بعد الاحتلال، في سابقة لم يشهد لها بلد اخر من بلدان المعمورة.
اما الأبرز والأوضح من بين كل ذلك هو التنوع الواضح في القرابين التي يقدمها كل يوم.
فهو يأبى ان تكون ذبائحه من نوع واحد، كي لا يمل الارهاب ويكتفي وعندها تنسد شهيته، اذ تراه يقدم الأضاحي له، في ايام الأعياد وغيرها دون تحديد لزمان او مكان.
فمرة يخصص اضاحيه من الأطفال في المدارس في شمال العراق في تل عفر، ومرة يجعل اضاحيه من الشباب في شرق البلاد في ديالى في ملاعب كرة القدم، ومرة يختار اضاحيه في الجنوب في البصرة من رجال الدين في المساجد، ومرة يحدد اضاحيه في الغرب في الرمادي من رجال العشائر.
وأحيانا لا يرضى بنوع واحد من الطعام، فتكون سفرته عامرة من كل هذه الأنواع من الأضحية، بل وزيادة، كما هي مادبته كل يوم في بغداد.
وقد عمد الارهاب الذي اعجبه دم العراقيين دون غيره من بقية الدماء في العالم، الى ان يترك الحساب لاهل الحساب، لان عملية الإحصاء مملة بالنسبة اليه بسبب الكم الرهيب من آثاره.
فتنوعت الإحصائيات على اثر ذلك، فالإحصائيات الرسمية التي تحاول اخفاء الحقائق بداعي عدم تشجيع العدو، والإحصائيات الغير الرسمية التي دائما يشكك بها من قبل الحكومة، اعترفت مجمعة على ان آلة الفتك والقتل والخراب والإرهاب تسير بخطى سريعة لا تعرف الملل ولا التعب، على عكس الخطى المقابلة منها، والتي تمتاز بالارتباك والضعف والدس والخيانة.
وهي تحصي كل شهر الأعداد المخيفة والمهولة من ضحايا الارهاب الأعمى بمختلف نتائجه.
وهذا يدل باختصار على ان البلد ومن خلال هذه الإحصائيات يعيش حالة من الموت السريري، بسبب استمرار تدفق نزيف ضحاياه، والذي الى الان لم تستطع السلطة التنفيذية المسؤولة عن هذا الملف الحد او التقليل على اقل التقادير من إيقاف نزيفه المتسارع.
اللهم ارحم شهداء العراق وشافي جرحاه، وأهلك كل أعداءه.