هواية تربية الطيور(الحمام)، قد تكون ممتعة ومسلية للمولعين بها لدرجة الهوس والثمالة؛ ولكنها في نفس الوقت محط انتقاد،وعدم الاحترام من قبل بعض الآخرين؛ لما تسببه من إزعاج لسكان المنطقة من أصوات (المطريجية) العالية، ورمي الحجارة والضرب على (تناكي) الماء، وتسلط على سطوح الجيران. وأحيانا القرع على (تنكة) الدهن بقوة لبث الهمة في نفوس الحمام بعدما أعياها التعب من كثرة الطيران لابد من محطة مناسبة لالتقاط الأنفاس.
فدعوس (المطيرجي) واحداً من الذين يعشقون تربية الحمام لدرجة الجنون، والطيور عنده حالة تصل إلى القداسة، ولعل هذا الولع ليس من باب الكسب المالي، لأنه في الكثير من الأحيان يستدين لأجل الإنفاق على طيوره. وقد يصاب فدعوس كغيره من (المطريجية) بنكسة عندما يهاجم إحدى (عتاوي) المنطقة المتمرسين بمثل هذه العلميات برج الطيور، ليختار أغلى الأنواع وجبة له. عندما يحاول الرجل المولع بتربية الطيور للملمت أوراقه، وتعويض خسارة بعض الأنواع النادرة من خلال الاقتراض، وبل وصل به الأمر إن تطال يده ذهب زوجته التي كانت تخاف من هكذا يوم. ونتيجة معركة بين زوج مولع بطيوره وامرأة معتزة بذخيرة عمرها، ذهاب الزوجة إلى بيت أهلها (زعلانة) احتجاجاً على بيع الذهب ،وصرفه في غير مكانه كما كانت تعقد، ولولا تدخل أهل الرحم من الجيران في لمّ الشمل من جديد بعد اخذوا منه إيمانا غليظة بترك الطيور، والالتفات إلى بيته وأسرته. ولكن سرعان ما ينسلخ الرجل عن إيمانه ليعود إلى سابق عهد، وربما أكثر من ذي قبل، بل إن فدعوس (المطيرجي) نصب برجاً عالياً كلفه مبلغاً كبيراً؛ كي يستطيع من خلال هذا المكان العالي إن يمارس هوايته بكل حرية، وهو يشاهد (جوكته) هي تتسيد المكان نكاية بزملائه من (المطريجية).
وكان لازماً عليه من اجل المحافظة على طيوره؛ أن يقوم بنوبات حراسة ليلية خوفاً من غدر(العتاوي)، مما أتاح إن يرصد حركة الكواكب والنجوم وهي تزين السماء الصافية. وفي إحدى نوبات الحراسة ابرق نجمة ، وهي تسحب خلفها شهاباً كأنه الذيل، فتذكر كلام مقدم برنامج العلم للجميع كامل الدباغ وهو يقول ” أن الأرض على موعد مع مرور مذنب هالي” أو (نجمة أم ذويل) كما يجب إن يطلق عليها بعض العراقيين. وهذا الحدث لا يتكرر سوى كل تسعين سنة – علما أن الدباغ كان يطلق على هالي مذنب أبي تمام ؛لان هذا الشاعر العباسي أشار في إحدى قصائده المشهور إلى هذا الحدث :
وخَوَّفُوا الناسَ مِنْ دَهْيَاءَ مُظْلِمَة إذا بدا الكوكبُ الغربيُّ ذو الذَّنبِ
واربط اسم مذنب هالي بالكوارث والأزمات ، وظهوره في هذا الوقت نذير شأم، ودلالة على حدوث كارثة ستحل بالبلد في القريب العاجل. هرع فدعوس إلى زوجته فزعا وهو يخبرها انه شاهد (نجمة أم ذويل)، ولكنها لم تأخذ كلامه على محل الجد، وربما لم تكن سوى موجة جنون حزناً على طيوره الثمينة بعدما التهمها إحدى (العتاوي). ولكي يقطع الشك باليقين، انظر صديقه كامل الدباغ الذي عنده الخبر الصحيح. فعلاً أكد الدباغ مرور مذنب هالي البارحة القرب من الأرض، عندها قال لزوجته” استعدي للبلاء الذي سيحيل بنا”. قام الرجل المفزوع ببيع جميع طيوره دون القيمة السعرية لها. لم يخرج من البيت وقد اعد نفسه من خلال خزن ما يمكن حزنه من مواد غذائية. مر أسبوع وفدعوس (المطيرجي) وهو يلزم بيته مراقباً السماء وحركة النجوم . بعد هذه المدة شعر بالملل وهزه الشوق إلى طيوره، ولكن مذنب هالي جعله يرجع إلى الصفر بعدما كان الأول بين اقرأنه (المطريجية) يتفاخر على أبناء جنسه بأن برجه يضم أغلى أنواع الطيور وأندرها. واخذ يلعن اليوم الذي رأى فيه مذنب هالي، ليأخذ عهداً على نفسه بعدم مشاهدة برنامج العالم للجميع وصديقه كامل الدباغ وهو يقول لنفسه ” انه مطيرجي جابني للعلم للجميع ومذنب هالي”.