كعكة الهئيات “المستقلة”، لايختلف طعمها عن كعكة الحقائب الوزراية عند غالبية الكتل السياسية النافذة في البرلمان، فالهيئات المستقلة ليست هيئات مستقلة بعين قادة تلك الكتل السياسية بقدر ماهي غنائم مؤسساتية لابد الاسراع باغتنامها وهضمها وفق القانون السياسي السائد بلغته الشعبية (هذا لك .. وهذا لي ) الذي يسمى اصطلاحاً بـ”المحاصصة ” وينتزع في الاغلب الاعم ثوب الكفاءة والاستقلالية الافلاطونية التي يتحدث عنها الدستور في فصله الرابع بشكل مطول وبسبع مواد مفتوحة التأويل ومتعددة القراءة.
من عيوب العملية السياسية الكبيرة والمعقدة أن المحاصصة وصلت إلى نخاع الدولة وعقولها وبات الولاء الحزبي يغرق الولاء الوطني، المحاصصة السياسية غريزة سياسية في ذهق العقل السياسي العراق حتى بات منح الكفاءات في العراق مناصب مهمة في الدولة يوصف بـ”الانبطاح”، لقد رسخت بعض الكتل السياسية مفهوماً باطنيا لدى عامة الناس أن جميع المؤسسات لابد أن تُدار من قبل اسماء حزبية وهذا امر ليس معقولاً ولايقبله المنطق.
صار الحديث مملاً وطويلاً هذه الايام ولايخلو من امنيات بعض النواب بشان جدولة توزيع الهيئات المستقلة على الكتل السياسية في الاعلام قبل أن تتوزع اصلاً في الغرف المظلمة واروقة التفاوض ، الامر الذي انتزعها استقلاليتها الدستورية لتدخل بورصة الصفقات الكبيرة
وانطلاقا من القاعدة الفقهية (المقسم لايقسم)ن فأنه من الضروري في هذه المرحلة ان لاتحرق الكتل السياسية الوطنية مراحل توزيع الهيئات”المستقلة ” التي يخلصها الدستور بـ(المفوضية العليا لحقوق الانسان، هيئة النزاهة، المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، البنك المركزي، ديوان الرقابة المالية ، دواوين الاوقاف ، مؤسسة الشهداء ، هيئة الاعلام والاتصالات، مؤسسة السجناء السياسيين، مجلس الخدمة العامة ، الهيئة العامة لحقوق الاقاليم والمحافظات غير المنتظمة باقليم )قبل أن يشرع مجلس النواب العراقي قانون الاحزاب الذي من المتوقع أن ينظم الموارد المالية لتلك الاحزاب فليس من صالح العراق أن توزع هذه الهيئات على رؤوس الكتل السياسية النافذة في البرلمان في هذه المرحلة المقبلة وفي ظل ازمة مالية خطيرة تستهدف البنى التحتية لاقتصاده ومؤسساته على نحو عام.
ولايعني هذا الحديث ابداً معارضة إعادة النظر في إدارة بعض الهيئات والملاحظات الكثيرة في عملها بقدر مايعني المخاوف من أن يهدر المال العام وتسخر هذه الهيئات لمصالح كتل سياسية محددة واستغلالها في تنفيذ مآربها الخاصة في مرحلة حرجة من تأريخ العراق وهو يخوض حرباً شرسة ضد مجاميع داعش الارهابية ومن يحتضنها ويمولها ويصفق لها.