23 ديسمبر، 2024 5:29 م

«فخري كريم» .. السمكة في الشبكة

«فخري كريم» .. السمكة في الشبكة

افنى فخري كريم عقودا من عمره في ميدان الصحافة والإعلام. وتكلل عمله بنجاح مادي كبير ظاهر للعيان، وإلا فمن اين له هذا الذي ينعم به.  وبما أنني لست بصدد كتابة سيرته الذاتية، فإنني سأذكر أهم محطاته الاعلامية والسياسية في عراق ما بعد 2003 الذي استفاد فخري كريم من فترة الضياع التي عانت منها بغداد بعد سقوط النظام وانهيار مؤسسات الدولة بالكامل، ومن المحاصصة العرقية والطائفية التي سمحت لأمراء الطوائف والمِلـَل أن يكلفوا اشخاصا ليتقلدوا ارفع المناصب، رغم أنهم ما كانوا يصلحون لقيادة عربة بحصان.
فبعد ان وضع يده على ملف  «كوبونات النفط»، حقق فخري كريم سبقه الإعلامي الاول حين نشر على صفحات جريدة «المدى»، التي يمتلك امتيازها، قوائم بأسماء 266 شركة و شخصا ينتمون إلى 52 دولة، [ليس بالضرورة أن تكون الاسماء الواردة في القائمة كلها صحيحة]. حينها ذكرت «المدى» أن صدام حسين «حَوَّلَ عقود بيع النفط إلى أكبر عملية عرفها التاريخ المعاصر لشراء الذمم و الأقلام و تبديد ثروات الوطن». وبعد فترة قصيرة أعلن فخري كريم انه سينشر قائمة بأسماء  احزاب وأشخاص كانوا يعملون لحساب المخابرات العراقية في العهد السابق، موضحا ان الامر يتعلق بقضية مهمة جدا بالأحزاب والأشخاص الذين كانوا يعملون لحساب المخابرات العراقية، وأضاف أن «هناك شخصيات على قدر كبير من الاهمية في بعض الدول». ولكنه لم ينشر القائمة. وأُغْلِقَ المَحْضَر.
لقد استوحى فخري كريم نفس اسلوب صدام حسين في شراء الذمم والأقلام، فاستخدمه في مؤسسته، «المدى»، وأوصى بتعميمه في إقليم كردستان أيضا، فتكاثرت المؤتمرات والدعوات ورِحلات الاستشفاء والاستجمام لصحفيين وإعلاميين يعملون في «المدى» وخارجها. واحتفظ الإقليم بأفضل العلاقات مع العديد من الصحفيين والإعلاميين، لاسيّما مراسلي وكتّاب جريدة الشرق الأوسط السعودية التي لم نقرأ فيها أي انتقاد للإقليم رغم أنها لم تأل جهدا للتنكيل بالعراق ورموزه منذ 2003 إلى يومنا هذا، دون أن ننسى أن جريدة الشرق الأوسط هي مرآة تعكس موقف الحكومة السعودية.
وكان فخري كريم عرّاب مشروع سحب الثقة من رئيس الوزراء نوري المالكي، فهو صاحب الاقتراح وهو الذي دعا اطراف اجتماع اربيل للتوقيع على ورقة سحب الثقة، حسبما أوضح جلال طالباني في رسالته لإياد علاوي ومقتدى الصدر ومسعود برزاني التي ذكر فيها انه لم يوقـِّع «الورقة التي هيأها الاستاذ فخري كريم، ولم اسمح لرفاقنا القياديين الموجودين بالتوقيع عليها». ويبدو أن فخري كريم قد تجاوز حدوده، مما اغضب رئيس الجمهوريه عليه فأبعده من منصبه كمستشار له. أو أن الاول لم يرد لهذا المنصب أن يقيده بالتزامات لا يرغب بها ولا تتناسب مع تطلعاته.
أما آخر ما اخرجه فخري كريم من جعبته فهو نشر كواليس اجتماع، من بين سلسلة اجتماعات، بين نوري المالكي وجلال طالباني، كان هو أيضا حاضرا فيه، حيث يقول أن المالكي تعهد بتنفيذ المادة 140 من الدستور «رغم انف الجميع» خلال مدته الثانية. ونقل عن المالكي قوله: «إنني لا أرى في استعادة المناطق المستقطعة من كردستان مصلحة لناً وفرضاً علينا فحسب، بل انا اقول صراحة وصدقاً، ان علينا ان نعمل معاً لامتداد اقليم كردستان ليضم محافظة نينوى. لأن هؤلاء – ويعني بهم أهل الموصل الحدباء –  هم أعداء لنا، وسيظلون رغم كل شيء سُنّة وقومجية [= قوميين] عربان، وملجأ للبعث والمتآمرين على حكمنا».
إنّ هكذا اقاويل لا تحتاج لكثير جهد لتفنيدها، فقد كذّبَتـْها افعال رئيس الوزراء حاليا وسابقا، حتى في الفترة التي كان العراق فيها بأشد لحظات ضعفه في فترة الاشتباك الطائفي. يريد فخري كريم أن يُقـْنعَنا أن المالكي وطالباني كانا بصدد عقد «سايكس ـ بيكو» جديد لاقتسام الاراضي العربية. ولم يوضّح فخري كريم ما اقترحه المالكي بصدد شيعة نينوى، هل سيضمهم إلى العراق أم سيلحقهم بالإقليم لأنهم «قومجية عربان» أيضا. إن تلفيق هكذا افتراءات  تشي بمدى تهافت مختلقها ومدى انحدار تفكيره.
إنْ كان فخري كريم يَكـْذِب، فهذا فيه استهانة بالقارئ وفطنته، وتلك مصيبة، وإن كان لا يكذب، والمالكي قال ذلك فعلا وفخري صدَّقَـه فالمصيبة اعظم، وحينها من حقه أن يعضَّ على اصابع الندم، فهكذا طـُعْم ما كان ليخدع حتى سَمَكة، ولا ادري كيف خـُدِعَ به فخري كريم.
لقد ولـّى زمن المَكرُمات، فالمالكي مُقَيـّدٌ بدستور ومجلس نواب لا يسمحان له أبدا العبث بشعب العراق وأرضه. والعراق عربي الانتماء والهوى طالما أن ثمانين بالمائة من شعبه عرب، وإن توزعوا بين سنّيين وشيعة فذلك لا يفسد للود قضية. وقد اثبتت احداث الأيام ذلك؛ فبعد فترة اقتتال طائفي مرير؛ عادت المياه إلى مجاريها واستعدنا السلم الاهلي. وبقي السِنّيُ سنّيا والشيعي شيعّيا، لا احد بدّلَ مذهبه أو انكره، ولا احد تَنـَكّرَ لعراقيته.