بعد أن جافاني النوم، جلست على كرسي في غرفة نوم العائلة، أمام الشباك المنفتح على الشارع الفرعي. احدق في ظلام الشارع الفارغ الا من الكلاب التي تفتر فيه على شكل مجاميع؛ يزداد نباحها مع كل دوي لصاروخ يسقط في مكان ما من بغداد. تطاردني الاشباح كما في كل ليلة، وأنا بين النوم والصحو. أغفو ربما لدقائق، ومن ثم يفززني اهتزاز الكرسي بفعل قصف الصواريخ. كنت ارغب في النوم لكني لم استطع. مع هذا كانت اجفاني تنطبق على الرغم مني، لا كي تفتح لي طريق الخلود الى النوم الذي كنت بحاجة ماسة له بفعل التعب الذي سببه أرق الليالي، بل لأظل بين النوم واليقظة. نيران الألم ماأنفكت تستعر في داخلي. فُتَح باب الغرفة ودخل عادل، ممزق الثياب ويبكي. – من فعل بك هذا؟ لم يجبني. ظل يبكي ومن ثم قرفص على الارض واخذ ينوح نواحا يفطر القلب. قرفصت قبالته ووضعت رأسه في حضني حتى أن دموعه سالت على صدري، شعرت بندواتها. بم بم بم. فتحت عيناي. كنت جالسا على الارض عند أقدام زوجتي وآمل النائمة في حضنها بسكينة. شربت قدحا من الماء، مسحت وجهي بما تبقى من الماء في قعر القدح، قبل أعادته الى المنضدة الصغيرة.
اخذت آمل فجأة، تشهق لدقائق ومن ثم عادت الى النوم. أسمع همهمات زوجتي التي خلدت الى النوم منذ ساعة أو أقل أو أكثر. تآملتُ وجه آمل البريء. – فجيعة. في الخارج، يمزق صمت الليل، في كل حين، دوي الطائرات، وأزيز الصواريح، ونباح الكلاب ومواء القطط، وأزيز الرياح. أسمع ضربات أقدامي على سطح الشارع، عندما خرجت من بيتي، قبل الغروب بقليل، في اليوم السابع من الغزو الامريكي. مشيت بخطوات سريعة الى أن استوقفتني بناية قد سوت بالارض. يتصاعد الدخان منها. وقفت امام الانقاض. كنت قبل عدة ايام قد مررت بها، كانت شاهقة، تعانق وجه السماء. رأيت ثلاث حمائم ميتة على الرصيف، على مقربة من نخلة، كانت على بعد ربع متر من البناية المدمرة، لم يبق منها سوى جذعها. قرفصت حذاء أحدها، رفعتها بيديَ؛ كانت بيضاء، مقطوعة الرأس. – اللعنة على الطغاة. مسحت بقايا الدم من عنقها. حملقت في جسدها الأبيض – ربما كانت نائمة بأطمئنان عندما جزت الشظية عنقها. سمعت دوي القصف من مكان بعيد. – ترى اية بناية هدها هذا الصاروخ. الرياح تصفر في الدرب الذي واصلت مشيي فيه. السماء ملبدة بالغيوم، لذا سارعت خطواتي حتى اصل الى مبتغاي قبل ان تمطر. ثمة سحب من الدخان اسفل الغيم تلتف وتتلوى فوق المباني والبيوت. تلوذ العصافير بين اغصان الشجر وسعف النخبل النابت في الجزرة الوسطية وعلى الرصيف في الجانبين. ثم بدأ المطر يتهاطل، مع دوي ورعود وبروق في السماء القاتمة. توقفت متردداً، تحت المطر الغزير. – يجب أن اتابع، وأن لا ارجع خالي الوفاض، مهما كان. تابعت سيري تحت المطر الغزير، كأن السماء أفرغت، مخازنها من المياه، لتطفأ الحرائق المشتعلة في كل مكان وصوب وزاوية. البرق والرعد، يجلجلان ويضيئان المكان، كلمح البصر. تقذف الطائرات الامريكية الصواريخ والقنابل الذكية من أعماق السماء. تتصاعد من مساقطها، فتائل من النار والدخان، الى الاعالي. لذت لدقائق، باحد المباني الحكومية المهجورة، محتميا بها من المطر والريح التي اخذت في الاشتداد، ومن ثم اندفعت بقوة، راكضا تحت المطر. لم أتوقف الا حين وصلت، ورأيت البناية الفخمة، تحولت الى اثر بعد عين. البيوت القريبة منها، صارت ركاما من الحجارة والحديد المنصهر. عندما وقفت، اتطلع الى ما حل بهما من دمار، كان الدخان، لايزال يرتفع منهما، الى السماء والريح والمطر. تحركت الى الجزرة الوسطية، الى النخلة هناك، كي أحتمي بها من المطر، بالأضافة الى أن الرصيف، كان ممتلئاً تماماً، بشظايا الزجاج والحديد والطابوق والكتل الكونكريتية، والملفات والخرائط، وأشياء اخرى كثيرة. الرصيف في الجانب الثاني من الشارع، كان ايضا ممتلئا.. انين خافت، يجيئني من النخلة. أخرجت من جيبي، مصباح الأنارة اليدوي. فتحت الأنارة. كانت هناك، بين سعف النخلة، اللوحة التى تحمل على سطحها، الذي كان، في جهة أنظاري، عنوان البناية؛ المركز القومي للبحوث والدراسات والابتكارات العلمية. تحول الأنين القادم، من قلب النخلة النابتة في الجزرة الوسطية، مقابل بيت صديقي عادل الذي من أجله، خرجت؛ الى بكاء يجلله الخوف. وصوت ضعيف بالكاد يسمع: أريد أمي. كانت آمل، أبنة صديقي، جالسة، فوق اللافتة التي تحمل عنوان البناية، وهي تمسك مرعوبةً، بكلتا يديها سعفتين بالقرب منها. شعرت كأن قلبي، طفرمن بين ضلوع صدري، وهرب الهواء من مجرى تنفسي حتى شعرت بالاختناق، وكدت اسقط لولا تماسكي، ومجالدتي للقهر والحزن والفجيعة. اندفعت في دواخلي موجة من الألم والغضب والرعب، فقد دار في عقلي، سؤال كل حرف فيه، يحمل كنه الشر والقسوة والظلم والتوحش. – من المسؤول؟ ولماذا؟ – عطشان. ملأت القدح بالماء. خذي أبنتي آمل.
اخذت آمل فجأة، تشهق لدقائق ومن ثم عادت الى النوم. أسمع همهمات زوجتي التي خلدت الى النوم منذ ساعة أو أقل أو أكثر. تآملتُ وجه آمل البريء. – فجيعة. في الخارج، يمزق صمت الليل، في كل حين، دوي الطائرات، وأزيز الصواريح، ونباح الكلاب ومواء القطط، وأزيز الرياح. أسمع ضربات أقدامي على سطح الشارع، عندما خرجت من بيتي، قبل الغروب بقليل، في اليوم السابع من الغزو الامريكي. مشيت بخطوات سريعة الى أن استوقفتني بناية قد سوت بالارض. يتصاعد الدخان منها. وقفت امام الانقاض. كنت قبل عدة ايام قد مررت بها، كانت شاهقة، تعانق وجه السماء. رأيت ثلاث حمائم ميتة على الرصيف، على مقربة من نخلة، كانت على بعد ربع متر من البناية المدمرة، لم يبق منها سوى جذعها. قرفصت حذاء أحدها، رفعتها بيديَ؛ كانت بيضاء، مقطوعة الرأس. – اللعنة على الطغاة. مسحت بقايا الدم من عنقها. حملقت في جسدها الأبيض – ربما كانت نائمة بأطمئنان عندما جزت الشظية عنقها. سمعت دوي القصف من مكان بعيد. – ترى اية بناية هدها هذا الصاروخ. الرياح تصفر في الدرب الذي واصلت مشيي فيه. السماء ملبدة بالغيوم، لذا سارعت خطواتي حتى اصل الى مبتغاي قبل ان تمطر. ثمة سحب من الدخان اسفل الغيم تلتف وتتلوى فوق المباني والبيوت. تلوذ العصافير بين اغصان الشجر وسعف النخبل النابت في الجزرة الوسطية وعلى الرصيف في الجانبين. ثم بدأ المطر يتهاطل، مع دوي ورعود وبروق في السماء القاتمة. توقفت متردداً، تحت المطر الغزير. – يجب أن اتابع، وأن لا ارجع خالي الوفاض، مهما كان. تابعت سيري تحت المطر الغزير، كأن السماء أفرغت، مخازنها من المياه، لتطفأ الحرائق المشتعلة في كل مكان وصوب وزاوية. البرق والرعد، يجلجلان ويضيئان المكان، كلمح البصر. تقذف الطائرات الامريكية الصواريخ والقنابل الذكية من أعماق السماء. تتصاعد من مساقطها، فتائل من النار والدخان، الى الاعالي. لذت لدقائق، باحد المباني الحكومية المهجورة، محتميا بها من المطر والريح التي اخذت في الاشتداد، ومن ثم اندفعت بقوة، راكضا تحت المطر. لم أتوقف الا حين وصلت، ورأيت البناية الفخمة، تحولت الى اثر بعد عين. البيوت القريبة منها، صارت ركاما من الحجارة والحديد المنصهر. عندما وقفت، اتطلع الى ما حل بهما من دمار، كان الدخان، لايزال يرتفع منهما، الى السماء والريح والمطر. تحركت الى الجزرة الوسطية، الى النخلة هناك، كي أحتمي بها من المطر، بالأضافة الى أن الرصيف، كان ممتلئاً تماماً، بشظايا الزجاج والحديد والطابوق والكتل الكونكريتية، والملفات والخرائط، وأشياء اخرى كثيرة. الرصيف في الجانب الثاني من الشارع، كان ايضا ممتلئا.. انين خافت، يجيئني من النخلة. أخرجت من جيبي، مصباح الأنارة اليدوي. فتحت الأنارة. كانت هناك، بين سعف النخلة، اللوحة التى تحمل على سطحها، الذي كان، في جهة أنظاري، عنوان البناية؛ المركز القومي للبحوث والدراسات والابتكارات العلمية. تحول الأنين القادم، من قلب النخلة النابتة في الجزرة الوسطية، مقابل بيت صديقي عادل الذي من أجله، خرجت؛ الى بكاء يجلله الخوف. وصوت ضعيف بالكاد يسمع: أريد أمي. كانت آمل، أبنة صديقي، جالسة، فوق اللافتة التي تحمل عنوان البناية، وهي تمسك مرعوبةً، بكلتا يديها سعفتين بالقرب منها. شعرت كأن قلبي، طفرمن بين ضلوع صدري، وهرب الهواء من مجرى تنفسي حتى شعرت بالاختناق، وكدت اسقط لولا تماسكي، ومجالدتي للقهر والحزن والفجيعة. اندفعت في دواخلي موجة من الألم والغضب والرعب، فقد دار في عقلي، سؤال كل حرف فيه، يحمل كنه الشر والقسوة والظلم والتوحش. – من المسؤول؟ ولماذا؟ – عطشان. ملأت القدح بالماء. خذي أبنتي آمل.