تأسست دائرة الكمارك والمكوس العراقية منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة ، وهي كانت المسؤول الأول عن مسك المنافذ الحدودية ، إلاّ أن فساد الحكومات أفسد المؤسسات ، مما جعل ظاهرة إرشاء شرطة الحدود عادة مألوفة في الدولة العراقية آنذاك ، فكان من السهل على (القجاقه) أنْ يغدقوا بالدنانير أو الـ (الروثمن) أو الـ (البطانيات)، حتى أصبح آنذاك ؛ العاملون في سلك شرطة الكمارك يتوِّجون متعتهم بنكهة تدخين السكائر الفرجينية العابقة .
والحالة هذه ؛ حتى مجيء الحكومات اللاحقة ، التي طوّرت هذا السلك ، من خلال إدخال ثقافات التحزّب،أو التثقيف المنفتح على تجارب الدول المتقدمة،إلاّ أنَّ تلك التجربة كانت مفتقدة لشروط نجاحها، لكون رواتب العاملين في ذلك السلك كانت ضعيفة،رواتب لم ترتق ِ إلى تلبية الحاجة الشخصية والعائليه ، فبقيت الحالة على ما هي عليها ، لحظة َ غياب المراقبة يدبُّ الفساد ويستشري على الفور، وتحوّلت الحالة الفاسدة من حالة فساد مستشري ، إلى حالة فساد مقتنص .
اليوم ؛ والعراق يغدق بعطاياه السخيّة على موظفي الدولة الجديدة بشكل أفضل كثيراً من الحكومات التي سبقت ، إلاّ أنَّ آثار المرض لمّا تزل مستشرية في بعض أطراف الجسد العامل على المنافذ الحدودية للدولة العراقية الحالية ، لكن بأسلوب خطير جداً .. أخطر كثيراً مما كانت عليه شرطة الكمارك والمكوس في العهود السابقة ، وذلك للأسباب التالية : ـ
1. ضعف الإمكانات الأمنية على المنافذ الحدودية العراقية
2. تنافس التجّار على الكسب السريع
3. ضعف التنسيق بين دوائر المنافذ الحدودية الحكومية
4. زيادة حجم القدرة الشرائية لدى المواطنين العراقيين
5. الإعلام التجاري للشركات العالمية
أولاً : ضعف الإمكانات الأمنية على المنافذ الحدودية العراقية :
تحتاج المنافذ الحدودية العراقية إلى قوّة أمنية قادرة على إسعاف المشكل الحدودي ، عند اللحظة التي يستوجبها الخلل الأمني، من خلال استقصاء الموقف الأمني والإستخباري لطبيعة البضائع الوافدة والمغادرة، وما يتبع هذا من مخاطر الاختراقات الإرهابية والعدائية للتجربة السياسية الجديدة في الدولة العراقية ، وحياة وأمن الشعب .
ثانياً : تنافس التجّار على الكسب السريع :
إذ تؤدي حالة التاجر العراقي العازمة على الكسب السريع، من خلال تمرير البضاعة الوافدة أو المغادرة ـ بتعليق شرط الأمن الغذائي ـ إلى أسلوب إرشاء الموظفين العاملين في المنافذ الحدودية ، لأجل عبور البضاعة الصالحة والفاسدة ،دون أن يكون هنالك وازع أو ضمير يتحكم في هذا الإتجاه الخطيرعلى صحة الإنسان والبيئة العراقيين .
ثالثاً : ضعف التنسيق بين دوائر المنافذ الحدودية الحكومية :
هنالك دوائر عديدة عاملة في المنافذ الحدودية العراقية ، منها ما هو يرتبط بوزارة المالية ، ومنها ما هو يرتبط بوزارة النقل ، ومنها ما هو يرتبط بالداخلية أو الجيش، هذه الدوائر تفتقر إلى التنسيق الوظيفي المتوائم فيما بينها ، فدائرة الكمارك غير مكتب التنسيق ، ومديرية الشرطة غير مديرية الجوازات ، وكأنَّ الوافد يرى نفسه في حدود عدة دول تعمل في حدود الدولة العراقية ، وكأنَّ كلَّ دائرة ٍ تحاول زيادة إيراداتها حسب !
رابعاً : زيادة حجم القدرة الشرائية لدى المواطنين العراقيين :
لقد أحدث تنامي القدرة الشرائية لدخل الفرد العراقي طفرة ً كبرى في إمكانياته على التبضّع التجاري، وهذا ما دعا بالتجّار العراقيين إلى أن يجدوا فرصتهم السانحة للانقضاض على هذه الإمكانيات المادية الجديدة في جيوب العراقيين ،فراحوا يتسابقون من أجل استيراد السلع والبضائع والأغذية من دول الجوار وغيرها، وهي تجد لها سوقاً رائجةً جداً لدى المستهلك العراقي ، الأمر الذي نشّط حركة المرور عبر المنافذ الحدودية العراقية ، ومن ثم عدم مبالاة التجّار العراقيين وغيرهم من أن يدفعوا أيَّ ثمن إلى من يُخلـِّص بضائعهم من مشكلة التأخير، وهي رابحة لا ريب !
خامساً : الإعلام التجاري للشركات العالمية :
يلعب الإعلام التجاري المنبث عبر الفضائيات العربية والأجنبية دوراً مهماً في ترويج السلع والبضائع والأغذية .. لدى الكبار والصغار على حدٍّ سواء ، فلقد ازداد طلب الموطنين على السلع والحاجات المستوردة كثيراً، بسبب الإعلام الفضائي، كالستلايت والإنترنت ، الأمر الذي دعا التجّار إلى تلبية طلب السوق العراقية لمختلف المحافظات .
والحالة هذه ؛ فليس أمام الحكومة العراقية إلا ّ التفعيل الجدّي لفكرة (مشروع الحكومة اللوجستية) الذي شاركت ببحثه في المؤتمر العلمي لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي / مركز بحوث السوق وحماية المستهلك المنعقد في جامعة بغداد للفترة (14 ـ 15 آذار 2012) بالتنسيق مع وزارة النقل العراقية .. حيث قدّمنا بحثاً مهماً، يتلخص بقيام الحكومة العراقية في تكوين سلطة وطنية على عمليات النقل في العراق ، من خلال استحداث سـيطرة حكومية متكاملة على عمليات النقل في الداخل والخارج، بالتنسيق بين وزارة النقل والجهات المترابطة معها في عمليات النقل البري والجوي والبحري ، بأسلوب التغذية والتغذية العكسية ((FEEDING & FEEDING BACK)) بنقل المعلومات اللوجستية على عمليات نقل البضائع والسلع والأشخاص.
إذا ما عمم هكذا مشروع على كافة مؤسسات الحكومة والوزارات المتناسقة بعمليات النقل في داخل العراق وخارجه ، بالشكل الذي يجعل التنسيق ناجحاً ومحققاً لمتطلبات الأمن الغذائي والسلعي في المنافذ الحدودية، من خلال توظيف مشروع (الحكومة الإلكترونية) المعروفة التداول لخدمة (الحكومة اللوجستية) المبتكرة .. التي اصطلح عليها بحثنا في المؤتمر المذكور، فإنَّ الأملَ يلوّحُ بأمن ٍعراقي مؤكّدٍ على منافذنا الحدودية .