22 نوفمبر، 2024 3:03 م
Search
Close this search box.

فتوى الجهاد تعني خنقق كل بادرة من اجل السلام

فتوى الجهاد تعني خنقق كل بادرة من اجل السلام

ربما لايتقبل الآخرون ذوي التوجّهات العصبية هذا القول وهذه الكلمات.. بسبب انهم مقودون تدفعهم عاطفة وهوى الانتماء الى الطائفة اكثر من احترامهم والتزامهم بــ قيّم العقل والاخلاق والانتماء الوطني. مع هذا لابد لنا من تفسير والتعبير عما نراه ونعيشه ونفهمه من معطيات وازمات فُرضت على الساحة السياسية والدينية والاجتماعية العراقية. كُنّا قد قرأنا واستقرأنا منذ ايام بيان صادر ومختوم عن مرجعية السيد السيستاني قال فيه (تُتابع المرجعية الدينية العُليا بقلق بالغ التطوّرات الامنية الاخيرة في محافظة نينوى، والمناطق المجاورة لها وهي إذ تُشدّد على الحكومة العراقية وسائر القيادات السياسية في البلد ضرورة توحيد كلمتها وتعزيز جهودها في سبيل الوقوف بوجه الارهابيين وتوفير الحماية للمواطنين من شرورهم تؤكّد على دعمها وأسنادها لأبنائها في القوات المسلّحة وتحثّهم على الصبر والثبات في مواجهة المعتدين..)
http://www.gulfup.com/?ZwibG5
وحاولنا ان نلمس في هذا البيان أي بادرة خير او مقترح او حل او معالجة للازمة الدموية والفتنة الكبرى المخيفة والمرعبة التي يمر بها العراق وشعب العراق كما هو مفترض شرعا تقديمه من قبل الرموز الدينية عندما تمر ظروف مأساوية صعبة كــ الظروف التي تمرّ بها البلاد الآن. من اجل قطع النزيف وحقن الدماء وتفويت القرصة على مخططات الارهاب والتدخّل الخارجي، ومن اجل المحافظة بالممكن والمستطاع على لحمة ووحدة العراقيين. لكننا لم نجد او نلمس هذه البادرة في هذا البيان. فسلّمنا بهذا وقلنا: لابأس على الاقل هو يدعو للصبر والثبات في مواجهة المعتدين ريثما تتوفر الحلول.. لكننا لم نتصوّر قيد لحظة ان يُصدر السيد السيستاني في هذا الوقت بالذات فتوى جهادية بــ ما يسمّى (جهاد كفائي) يدعو فيها المجتمع الشيعي المسلم لمواجهة الجانب المسلم الآخر. في الحقيقة لدينا عدّة تحفّظات حول الظروف والشروط والدواعِ والدوافع الشرعية وعدم توافرها لاصدار مثل هذه الفتوى. بل ولا يوجد على الاطلاق اي مسوّغ شرعي يسمح او يجيز هذه الفتوى، سواء اكانت الفتوى كفائية او عينية. وسوف أُناقش ابسط موردَين شرعِيَين يُطيحان بهذه الفتوى وينسفانها من الاساس وأتحفّض على باقي الموارد.. والأمر متروك للقاريء الكريم بحثها وفحصها وتقييمها وفق المعطيات والظروف الوطنية..المورد الاول :الجميع يعلم ويعي جيدا ان الجهة المقاتِلة في الطرف الآخر لا تقتصر على عناصر الارهابيين والخارجة عن القانون ومُسمّياتها الاخرى. بل هي توشك ان تكون ثورة او انتفاضة شعبية تخوضها الآن كل جماهير تلك المناطق في الجانب الآخر.
فهل يستطيع أحدا من الناس ان يضمن قتال سواء الجيش او الناس (المجاهدين طبقا للفتوى) الارهابيين فقط والقدرة على تمييزهم ومعرفتهم من بين كل اولئك الناس المقاتلين.. أم أنه سيقاتل الجميع كطرف واحد وفي جبهة واحدة..؟. كذلك يعلم الجميع حتى صاحب الفتوى: انّ هناك أولويّة في قتال الارهابيين والخارجين على القانون.. فما هو مصير غيرهم من باقي الناس، ضحاياهم، اطفالهم ونساءهم وشيوخهم وعجائزهم واموالهم..؟ إلّا اذا تم التعامل مع الجميع في خانة واحدة وهي خانة (الجميع ارهابي)؟،
المورد الثاني:
أ – صدور هذه الفتوى يعني أحقيّة هذا الجانب: الجانب الاوّل، جانب الحكومة، جانب الحكومة الشيعية أنهم على الحق وفي الحق والى الحق.. وهذا باطل جزما، لأنه وفي ابسط التقديرات هم لايقاتلون عدوّا خارجيّا او هي جهة كافرة من خارج الاسلام، او اعتداءً او طامعا او يقاتلون غزاة او محتلّين ومستعمرين او او..الخ. وطبعا هذه مفارقة عجيبة وغريبة اذ لم تصدر سابقا مثل هذه الفتاوى ضد مستحقيها ضد صدام وحكومة صدام، او ضد الامريكي الغازي الذي هو بطبيعة الحال كافر وعدو ومستعمِر وطامع ومحتل.. فما عدا مما بدا؟. بل هم يقاتلون مسلما يتشهد الشهادتين، اختلف هذا المسلم مع الحكومة، الحكومة التي حاربته وقتلته وشرّدته وهجّرته وجوّعته وأضطهدته وانتهكته وسفَكَت دمَه وأغتصَبَت حقوقه وانتهكت حرمَتَه وسَلَبَت حريّته..الخ. كما سلبت حقوق الشيعة وانتهكت حرمتهم وكبّلت حرياتهم.
ب – قبل هذا كانت الحكومة حكومة المالكي تحديدا من وجهة نظر مرجعية السيد السيستاني حكومة باطلة غاصبة ظالمة ومستبدّة، وسبق وطردتها المرجعية ولم تستقبلها وأعلنت بأكثر من مناسبة بأنها اي (المرجعية) غير راضية عنها (عن حكومة المالكي) حتى كادت والى حد وقت الانتخابات ان تصبح الحكومة بنظرها حكومة دكتاتورية.. مما يعني بالتالي ان هذه الحكومة حكومة باطلة بما لايقبل الشك.
فما الذي جرى الآن الذي جعل مرجعية السيد السيستاني تنقلب على نفسها 180 درجة وتشد على يد الحكومة وسياسيها حتى وصل بها الأمر مناصرتها لها الى اقصى الدرجات والحدود وهو اصدارها فتوى الجهاد هذه..؟. فلا يردّن أحدٌ من الناس ويقول: ان الدولة الآن تمر بظروف صعبة تستلزم من الجميع مناصرة الدولة وليس المرجعية الدينية فحسب. اقول: نعم هذا صحيح ولكن متى يكون هذا الامر صحيحا وشرعيا؟، يكون شرعيّا وصحيحا فقط عندما تتعرّض الدولة الى غزو الى اعتداء خارجي الى احتلال الى تدخل بشؤونها السياسية الداخلية والخارجية (وهذه ايضا مفارقة) فما اكثر هذه الاعتداءات والتدخلات الخارجية..؟.
لذا تعتبر هذه الفتوى (فتوى الجهاد) السريعة بهذا الوقت بالذات من وجهة نظر اسلامية ووطنية واجتماعية وانسانية فتوى باطلة وليس لها اي شرعية وتفتقر الى كل المقومات والدواعِ الشرعية. وبالتالي يتبيّن بكل وضوح فتوى أُريد بها تأجيج وتأصيل الطائفية بصورة اكبر واخطر واوسع واشمل. وكذلك أُريد بها خنق كل الفرص والخيارات السلمية التي من الممكن تُطرح وتُبادر لها جهات وطنية او شرعية او اجتماعية او حتى دولية. وتعتبر تكريس وتحشيد وتعبئة بكل ما تحمل هذه الكلمات من ثقل ومعاني ومصاديق الى استمرار وديمومة هذه الازمة وبقاءها. والدعوة الى الفرقة والدموية وزيادة الفساد والافساد والمآسي وانتهاك الحرمات.
بما ان هذه الفتوى لم تلق الترحاب الذي كانت تنشده مرجعية السيستاني في الشارع الاسلامي والعربي والوطني والثقافي كما كانت تتصور، فإننا نعتقد بل ونجزم بأنه اي السيستاني سوف يتراجع عنها كما تراجع في السابق عن فتاوي اخرى كان قد اصدرها، وسيرمي الكرة مرة اخرى الى ملعب وكلاءه ويتنصّل منها من جديد.

أحدث المقالات