شكلت عصابات داعش الارهابية التكفيرية, غصة في حلق العراق, فهذا التنظيم الارهابي تغوّل وتوسع, ليبدأ بقضم مدن العراق مدينة تلو الاخرى, وفي غضون أيام احتل ثلث مدن العراق, فأسقط الموصل وتكريت والرمادي, واتجه إلى تخوم بغداد, واعدنا باحتلال النجف وكربلاء.
تقدم داعش الارهابي قابله هرب القيادات الأمنية الكبرى, مما جعل الجنود فريسة سهلة للقتل والذبح, ووسط هذا المشهد المفجع, صار الناس حيارى ولا يهتدون حلاَ, وخصوصا إن الحكومة قد أصابها الشلل التام أمام هذا الزحف.
كالعادة التي جرت, وعندما تداهم الخطوب بلد العراق, فإن الحل يأتي من بوابة أمير المؤمنين علي عليه السلام, حيث أرض الغري, وحيث منازل العلم والحكمة, فكانت المرجعية الرشيدة بحكمتها وحنكتها, تضع بصمتها لتدفع كل معضل ومشكل يواجه العراق.
أفتت المرجعية المباركة بالجهاد وجوبا كفائياً, على كل من يقدر على حمل السلاح, وقد أعلن ممثلها في كربلاء, ومن حرم الإمام الحسين عليه السلام هذه الفتوى بتاريخ 14 شعبان المبارك الموافق 13 حزيران 2014.
أكدت المرجعية في خطبتها على إن الخطر الذي يحدق بالعراق, هو خطر يهدد الجميع, وعلى جميع العراقيين بكل طوائفهم وانتماءاتهم, أن يهبوا للدفاع عنه حيث قالت “إن العراق وشعبه يواجه تحدياً كبيراً وخطراً عظيماً, وإن الارهابيين لا يهدفون إلى السيطرة على بعض المحافظات كنينوى وصلاح الدين فقط, بل صرحوا بأنهم يستهدفون جميع المحافظات ولا سيما بغداد وكربلاء المقدسة والنجف الأشرف، فهم يستهدفون كل العراقيين وفي جميع مناطقهم، ومن هنا فإن مسؤولية التصدي لهم ومقاتلتهم هي مسؤولية الجميع, ولا يختص بطائفةٍ دون أخرى أو بطرفٍ دون آخر”.
لقد تجسد معنى الانسانية في هذه الفتوى, فليس المعنى هو مجرد قتال عصابات منحرفة, بل هو لحماية الناس الابرياء, وصون المقدسات, والذي أكده كلام المرجعية مخاطبة المقاتلين بالقول “اجعلوا قصدكم ونيتكم ودافعكم هو الدفاع عن حرمات العراق ووحدته, وحفظ الأمن للمواطنين, وصيانة المقدسات من الهتك, ودفع الشر عن هذا البلد المظلوم وشعبه الجريح.
لاقت الفتوى استجابة رائعة من أبناء العراق, وهبوا شيبهم وشبابهم للذود عن الحرمات, ومع اشتداد المعارك فإن عين المرجعية كانت تراقب المعركة, وتصدر التوجيهات تلو التوجيهات للمقاتلين في ما يخص أخلاقيات الحروب وفق النهج الاسلامي, فأصدرت توجيهاتها العشرين لحث
المقاتلين لأن يكون الشرع هو الحاكم في أرض المعركة, فلا اعتداء على اسير, ولا اخذ المدنيين بالجريرة ولا اعتداء على ممتلكات عامة او خاصة أو تدمير الزروع والبساتين إلا بما يقتضي من ضروريات المعركة.
كذلك جعلت المرجعية -خصوصا مع بدء عمليات تحرير الموصل- ضابطة مهمة للعمل العسكري, وهو الحفاظ على أرواح المدنيين, وخصوصا اولئك الذين أختطفهم داعش, واستخدمهم كدروع بشرية, حيث وجهت المقاتلين قائلة “واعلموا إن حفظ ارواح الابرياء أولى من مقاتلة العدو”.
نعم لقد رسمت فتوى الجهاد الكفائي إنسانية الدين الإسلامي الحنيف بأبهى صورها, وأوضحت للعالم إن الإسلام الحقيقي هو ما يمثله أبناء العراق الملبين لفتوى الجهاد, لا ما تمثله عصابات داعش والزمر التكفيرية المشابهة لها.