18 ديسمبر، 2024 7:49 م

مدخل:
من الضروري في عصرنا أن نحقق المصطلحات ونحدثها وفق التغييرات المجتمعية، فقد عرفت النخبة أنها قامات المجتمع، اكثر ثقافة وقدرة على إدارة الحياة وبالتالي الناس ما بين مقتدي بهم وتابع، والنخبة في الجيش هي اعظم القوة تأثيرا في ميزان المعارك والقادرة على فعل ما لا تفعله غيرها من الفرق، وفي كل مجال نخبة وهي كلمة تمييز قدرات فاعلة في المجتمع، لكننا نلاحظ اليوم حالة من الفراغ وشعبوية في التجاوب وغلبة مشاعر الفؤاد والغرائز في الاستجابة تخطئ ولا تجيد الاعتذار، فاضحت النخبة المؤثرة لا تحمل تلك المواصفات من علم وثقافة رزنه ومواقف معروفة وقدرة على نصرة الحقيقة والإنصاف حتى من الذات.
النخبة الخاوية:
سيطرة الانطباعات على المجتمع، ومنهم الطبقة المثقفة يعني تقليص للفرص التي يمكن أن ينطلق منها المجتمع إلى الحقيقة، والحقيقة حرة مطلقة وكلمة مطلقة معناها أنك كلما تعمقت ازددت وضوحا وتعديلا في الفكر وليس الامتلاك للحقيقة كثابت لا يتغير، فما تراه حقيقة اليوم ممكن عند إدخاله في تنقية الفكر أو الأبستمولوجيا يتغير لكنك تبقى مع الحقيقة التي تبني عليها وتصحح البناء فالبناء الفكري مرن ممكن أن يعدل دون هدمه اللهم إلا إذا اقتضى الهدم وتأسيس الجديد.
النخبة كما بينا هي نوعين نوع منتج للأفكار ولكن لا يؤثر في مجتمع مقفل، ونخبة مؤثرة في القرارات والحدث وعلى التواصل الاجتماعي لا تبني وليس عندها مقومات بناء، تتفاعل مع الواقع بسطحية، بينما لا يقرأ الفكر أو الراي المدروس لأنه لا يدرك أهميته، ولهذا تكون النخبة في القيادات السياسية والاجتماعية اغلبها في فراغ ولا يضيف للمجتمع شيء من اجل تقدمه إلا جلد الذات والحسرات أو تعظيم الفتن وهذا درب التخلف.
وقد تتجه النخبة المثقفة إلى حالة التقليد والظن أن معنى الحقيقة هو امتلاكها وليس التحقيق والتنقية والتعمق فيها، فيصر على امر ويقول انه عن قناعة راسخة، وهذا منتهى التخلف الفكري حتى لو كان إصرارا على أفكار هي تفسيرات لدين سماوي أو كتاب مقدس، ونرى هؤلاء في معاضدة فكرة مستوردة أو معاضدة فكر تاريخي لا يمت للواقع بصلة والمشكلة أن هذا العطل الفكري لا يؤذي الإنسان نفسه بل يفقد المجتمع طاقات ممكن أن تنهض به إن صححت تفكيرها.
معوقات الإصلاح:
الإصلاح لا يكون بإسقاط تاريخ أمم أخرى لها دورة تاريخية وقيم مختلفة أو تقليدها.
ولا يكون بالسير على منهج وأفكار كانت السبب في انحدار الأمة حضاريا وتخلفها مدنيا.
ولا يكون بأناس جامدة تتبع القوالب والأنماط وتميل للتقليدية.

جدلية الواقع
إن الله جل وعلا أقام الكون على الحركة فلا يكون بناء مجتمعي على السكون والتصلب والتجمد، وان فكرك مهما كان صحيحا فهو لا يكون فاعلا أو للإصلاح إن اعتمدت قوالب الجماد.
إننا نرى الدعوة في كتاب الله إلى فتح المثاني وليس الانغلاق على تفسيرات حتى لو صحت قبل قرون من الصحابة والتابعين أو من علماء خيرين عظام اجتهدوا خطأ أو صواب فلدواء عصرهم لا عصرنا.
ولا يصلح وأنت في المهجر وتريد الإصلاح إن تأتي بقوالب أنشئت في عصر قديم في الشرق وهي لم تعد صالحة للشرق، بل عليك التوجه إلى أصل الفكر واستنباط ما يصلح ليكون في طريق إصلاح مجتمعك أينما كنت وأينما حللت، وهذه مشكلة فعلا تواجه عملية التعايش في الغرب من الناشطين، انهم يبنون على انطباعات ومسلمات كما الناشطون في بلداننا، ولا يعكسون الواقع على أدمغتهم و يفاعلونه مع الفكر لاستنباط حلول جديد وهو ذاهبون في تقديس أقوال بشر وكأنها أقوال رب العالمين، بل يخاف المفكر أن يتجاوز هذا الجدار من الظلامية الفكرية فلا يستطيع أن يقدم برنامج إصلاح حقيقي للإنسانية أو منهج معتمد والعالم اليوم صغير جدا ومسافاته تقاربت وتداخلت الأفكار والثقافات وأنتجت سلبية مع التحجر الفكر عند الإنسان ككل وكل يتصور انه بلغ نهاية العالم.
المثقف يضيع نفسه بالفراغ:
أصبحت الثقافة كم من المعرفة غير معالج، وهذا ما اخرج آدم  من الجنة، فكل المعرفة لديه لكن لم يعالجها، وتوجه الأكثرية إلى إرضاء الناس يعيق الإصلاح، بل هو لا يتعب نفسه، تعلم كلمات، ومارس الانتقاد ولا حلول ولا آليات ولا أدوات، أنشطهم من يعمل كالبوق لأناس فاشلين، هذا تضييع للطاقات بإهمال رعايتها وتطويرها.
وعظ أم رعوية:
كذلك العاملين في وعظ الناس أضحت أنشطة اغلبهم وظيفة فهم يرفضون أي شيء ولا يريدون أن يعدلوا فهمهم، يعلمون الناس ما لا واقع له، فتكون الناس ومنهم الوعّاظ في الكنائس أو المساجد على حالة لا تشبه خارج المساجد والكنائس والناس بمجرد خروجها تعود لحياة لا تشبه ما كانت تبكي على سموها قبل قليل، وبدل أن يسعى هذا وذاك للرعوية، عليهم أن يتعاونوا في تمهيد الطريق للمصلحين على الأقل ومن هم قادرين على الإصلاح وليس نشر بذور الرفض والاستقطاب أو ما يسبب التفكك المجتمعي وتجسيم المظلومية وأحادية النظرة بعيدا عن قيم الرسالات وبأمور لا ينبغي أن تنقل تتداول إلا بين الباحثين وليس عامة الناس ممن يحضرون الصلوات في دور العبادات من متعدد الأديان، بل يحثون على تجاوز الهفوات والاندماج والمحبة حقيقة فهي من جوهر الأديان، والعصبيات دوما تغطي العيون وتزيف المشاعر فلا يرى الناس نقصهم ويكبر عندهم نقص من يخالفون.