23 ديسمبر، 2024 12:38 ص

عرضت احدى القنوات الفضائية تقريرا عن عامل تنظيف من محافظة ذي قار تم طرده من عمله بعد ثمان سنوات لأنه رجل أمي رغم انه ادى عمله باخلاص وتفان..المهم ان الرجل يعمل حاليا في جمع القمامة وغادر اولاده الثلاثة مقاعد الدراسة لمساعدته في اعالة اسرته التي تعاني من الفقر والجوع وتسكن في منزل متهالك ..لانريد هنا ان نتحدث عن اهمية التعليم لصغار العامل ولاعن البدائل التي يمكن ان تقدمها الحكومة لمثل هذا الرجل ليمارس مهنة شريفة تحفظ له هيبته امام اسرته وتضيء لاولاده الطريق الى مستقبل افضل ، بل لنتحدث عن كرامة الانسان العراقي التي يستلبها الفقر وقلة حيلة الرجال ..متى تصبح كرامة الانسان هدفا تسعى الحكومات الى صيانته فمن المعروف لدينا جميعا ان الانسان يفقد كرامته حين يهدده الجوع والمرض وقد يضطر الى ممارسة مهن لاتتناسب مع عمره وكيانه الاجتماعي لمجرد ان يوفر لقمة العيش لاسرته …متى تفهم الحكومات ان الفقر هو أسوأ انواع العنف وان الطفل يمكن ان يرتكب ابشع الاعمال حين تسلب كرامته فمتى ماعومل بعنف فقد يصبح هو ذاته مصدرا للعنف كرد فعل طبيعي ونكون هنا قد حصلنا على عضو مسيء في المجتمع بدلا من ان ننتج مواطنا صالحا، فالفقر ليس الجوع الى المأكل والحاجة الى الكسوة ، بل هو القهر بعينه خاصة حين يستخدم الفقر لاذلال الروح ، وهو ماحدث مع عامل التنظيف الحكومي الذي تحول بين ليلة وضحاها الى جامع نفايات ..فهل فكر المسؤول الذي خط بقلمه قرار فصل العامل من وظيفته بمدى القهر الذي سيشعر به وكيف سيكون عاجزا امام اسرته ماسيجبره حتما على ممارسة اية مهنة ليحمي عائلته من الجوع ؟!!
واذا كانت الامية هي جريمة العامل فالجهل هو جريمة المسؤولين لأن الحكومة التي لاتدرك قيمة الانسان هي حكومة جاهلة بامتياز ، واذا كانت الامية عائقا امام حصول المواطن على مهنة بسيطة فمن الاجدر بالحكومة ان تمحو تلك الامية وهذا لايرتبط بعمر معين ، وحملات محو الأمية التي شهدها العراق في سنوات السبعينات والثمانينات وتخرج منها آلاف العراقيين مثال رائع لاثبات حقيقة ان التعليم حق للجميع فقد حظي الكبار بتعلم الحرف و(فك الخط) وتمكن الصغار والطموحين منهم من اتمام تعليمهم والالتحاق بالمدارس المتوسطة والاعدادية وحتى الجامعة …
في السويد ، نال عدد من الطلبة المتفوقين فرصة ارسالهم الى البرازيل في رحلة مدرسية وكان بينهم طالب عراقي رفضت السفارة منحه الفيزا بسبب جوازه العراقي ، فماكان من مديرة المدرسة الا ان قابلت رئيس الوزراء السويدي ليمنح الطالب جوازا سويديا يسهل له الحصول على الفيزا ، وكل ذلك لكي لاتتحطم نفسيته حين يفقد فرصة السفر مع أقرانه !! ..لقد فكر السويديون بروح الانسان ، ولم يفكروا بجنسيته وهذا مايجعلهم شعبا متطورا ، فهل يحق لنا أن نحلم بعراق متطور ونحن نحمل امراضا لاسبيل الى الشفاء منها ..الكراهية واذلال المواطن واهماله وحرمانه من أبسط حقوقه ؟..هل يحق لنا ان نحلم يوما ببلد يأمن فيه الانسان على نفسه من خطر الجوع ..ادرك ان تساؤلاتي مريرة وعقيمة فلااجابة شافية لها لأن المسؤول الذي يضع مصلحته فوق مصلحة ابناء وطنه لن يبالي حتما بطرد عامل من مهنته او تجويع اطفاله وحرمانهم من الدراسة او اذلاله بممارسة عمل مهين ..انه لايبالي أصلا ببيع وطنه فهل سيدرك يوما معنى (كرامة الانسان) ؟!!