18 ديسمبر، 2024 6:55 م

فتح ملف اغتيال السيد محمد باقر الحكيم

فتح ملف اغتيال السيد محمد باقر الحكيم

الجرائم التي حصلت بعد عام 2003 في العراق كثيرة, لكن الغريب أن يتهم إهمالها من قبل السلطة الحاكمة ومن قبل الأعلام, وبالتالي يتناساها الناس, حتى تضيع وتصبح مجرد خبر ضد مجهول, أو حكاية ناقصة من دون فهم واضح لكل الحكاية, هنا أحاول أعادة فتح ملفات بعض الأحداث المهمة, التي حصلت خلال العقد الماضي, ويمكن اعتبار عملية اغتيال السيد الحكيم في 29 آب من عام 2003 , فكان أول الأحداث الكبيرة التي هزت البلاد, لكن بقيت حكاية غير تامة, ورحلت مع تراكمات المشاكل اللاحق وفوضى البلاد العجيبة.
نطرح هنا سؤال مهم: من هو الذي حرض او شارك في اغتيال السيد محمد باقر الحكيم؟

السيد الحكيم كان يمثل ثقل كبير للعراق, بل يمكننا أن نطلق عليه لقب زعيم المعارضة العراقية ضد النظام ألبعثي, حيث كان له الدور الأكثر تميزا في جمع صف المعارضة, ورفع مظلومية العراقيين في المحافل الدولية, وكان له مكانة مميزة عند الدول الإقليمية والدولية, لذا عملية اغتيال وفي الأشهر الأولى للتغيير, تمثل دلالات خطيرة, حول الجهات التي تقف وراء الاغتيال.

الجريمة كانت دموية وفي مكان مقدس لكل المسلمين وخصوصا الشيعة, حيث جرى الانفجار عند بوابة مرقد الأمام علي بن أبي طالب (عليه السلام), حيث تم تفجير سيارة مفخخة راح ضحية الحادث 86 شخصا بالاضافة الى 230 جريحا, حيث كان يوم جمعة والوقت بعد الانتهاء من صلاة الجمعة, فكان الحضور كبيرا, لكن كانت الإجراءات الأمنية غير مشددة, لان الوضع كان شبه مستقر في المحافظات, فلم يحسب حساب هكذا فعل أجرامي, ولان القاعدة وحزب البعث كانوا في طور لملمة الأوراق.

اكبر عمليات الاغتيال في الشرق الأوسط

نذكر هنا حقيقة تاريخية عن عملية اغتيال الحكيم, حيث يعتبر واحد من خمس أحداث هي الأكبر دموية خلال فترة 25 عام لمنطقة الشرق الأوسط,  للفترة من عام 1978 الى 2003, وبعد حادثت تفجير فتح باب الدم على مصراعيه.

الحدث الأول في بيروت في 13 آب عام 1978 واستهدف مقر جبهة التحرير الفلسطينية ووصل ضحاياه الى 200 ضحية, والحدث الثاني وقع بعد سبع أيام من الحدث الأول ووقع على سينما في عبادان بجنوب إيران يوم 20 آب 1978, وزاد عدد ضحاياه على 400 ضحية, الحدث الثالث كان سيارة مفخخة بحي الأزبكية في دمشق, في 29  نوفمبر عام 1981 وراح ضحيته 175, أما الحدث الرابع فتم بشاحنتين مفخختين على مقر قيادة مشاة البحرية الأمريكية “المارينز”, ونتيجتها 241, والشاحنة الثانية انفجرت على مقر مركز قيادة الوحدة الفرنسية, العاملة تحت مظلة القوة المتعددة الجنسيات ووصل ضحيتها 58 قتيل.

وتوقفت التفجيرات الكبيرة طوال عشرين عام, لتعود للظهور في عام 2003, حيث كان تفجير النجف بداية مرحلة جديدة وحشية بصبغة الدم.

سؤال: من هم الجناة؟

لكن من هم الجناة؟ سؤال راود كل العراقيين, ولم يجدوا له جواب شافي , فكانت الاتهامات ظنية من دون دليل, تذهب لاتهام فلول البعث, لكن التنفيذ في العاصمة الدينية للتشيع صعب, مما يعني أن هنالك تورط لجهات اكبر من فلول البعث, وكان هناك اتهام لسعوديين, لكن بقي مجرد اتهام, ولم تقوم السلطة التنفيذية في الكشف عن هؤلاء السعوديين المتهمين, من المتشددين الوهابيين الذي دخلوا البلد قبل سقوط نظام صدام بأشهر, وبقي السؤال حائرا من دون جواب يريح النفس, فمن هم الجناة؟

هنا نضع عدة احتمالات للجناة :

أولا : الاستخبارات الأجنبية

عندما نريد أن نبحث عن الجناة في أي جريمة, فهنالك قاعدة مهمة وهي : “ابحث عن المستفيد عندها تجد الجناة” وهنا يمكن أن نضع قائمة بالجهات المتهمة, أولها الاستخبارات الأجنبية التي دخلت العراق, حيث يهمها أولا إشعال نار الطائفية, وكي يترك العراقيون قضية أخراج المحتل وينشغلون في صراعاتهم المحلية, والهدف الأهم أن يكون البلد دوما ممزق, مما يسهل السيطرة عليه, وثانيا عند دخول السيد الحكيم ومروره بمحافظات الجنوب والوسط, تبين لكل العالم الجماهيرية الكبيرة للحكيم, حيث كان الاستقبال حاشدا لم يشهده العراق سابقا, مما أعطى مؤشر للاستخبارات الأجنبية, لأهمية التخلص من الرمز الذي بمقدوره ان يوحد الشعب, فاستمرار حركته قد يعيق ما يتم التخطيط له.
عندها تم التخطيط باحترافية للجريمة, مما جعلها تقيد ضد مجهول.

ثانيا: فلول البعث

بعد صدمة انهيار نظام حكم البعث, كانت فلول البعث تبحث عن الطريقة الامثل لاسترداد الأنفس, وتحقيق انتصار يعيد الأنظار إليهم, خصوصا أن البلد في تلك الأيام كان هشا, بسبب غياب الدولة بعد حل الجيش العراقي, وحكم السلطة المحتلة والتي كان لها رؤية معينة, تتمحور في تحطيم العراق, فوجدت خلايا حزب البعث فرصة ذهبية للتخطيط لاغتيال اكبر عدو لهم, والذي نجا من سبع محاولات خطط لها حزب البعث في عهد حكمهم وفشلت جميعها, وتعليمات قيادة البعث بما يجب ان يفعلوه أن سقط حكمهم, تدعم هذا الاتجاه في الفهم.

فمع ما متوفر لهم من خبرات كبيرة في عمليات الاغتيال, بالاضافة لضعف الاستعدادات الأمنية في النجف الاشرف, حيث بقيت تقليدية ولم تصل الى مستوى التهديد, حيث كان كل شيء يسير بشكل طبيعي, ولم يكن يتصور أن فلول البعث يمكن أن تقدم على هكذا خطوة داخل المدينة المقدسة, فكان خط سير السيد معروف للجميع, نفس الحركة كل جمعة, مما سهل الأمر على فلول البعث, بالاضافة لتساهل الاستخبارات الأجنبية وعدم قيامها بتبليغ الجانب العراقي عن ما يراد بهم, والمعروف أن الاستخبارات الأجنبية لا تغيب عنها هكذا معلومة لأسباب كثيرة, بل من الممكن أن يكون البعث حصل على دعم استخباري أجنبي لتنفيذ هذه العملية, لصالح جهة أجنبية, مقابل الحصول على تنازلات وضمانات لبعض القيادات الكبيرة في حزب البعث, بالاضافة لتخلصهم من اشد المعارضين لتواجدهم.

ثالثا: الهمج الرعاع

يمكن أن يكون الجناة هم من الهمج الرعاع, من أهل المدينة نفسها, او يكون مشاركتهم كدعم لوجستي فقط, هذه الفئة الذي يحركها الدولار ! فهي لا تمتلك قيم آو مبادئ, ولا تحمل ضمير أنساني, قد تكون مجموعة من اللصوص والقتلة, وقد يكونون مظللين بالأعلام ألبعثي, الذي عمل لسنوات طويلة كي يسيء للسيد الحكيم ويهز صورته عند العراقيين.

والتصور بأنهم تم استغلالهم من قبل حزب البعث او من قبل المخابرات الأجنبية, وهذا الرأي ممكن جدا , وقد يكون العناصر الثلاثة ( الاستخبارات الأجنبية+فلول البعث+الهمج الرعاع) مشتركين بالأمر, فالهدف واحد وهو الخلاص من شخص ممكن أن يحيل مخططاتهم الى سراب, والتنفيذ يعتمد على المشاركة والكتمان, وهو ما تم مما جعل الجاني مجهول الهوية لحد يومنا هذا.

الثمرة

يبقى اغتيال رمز عراقي كبير كالسيد الحكيم سر من الأسرار الكبيرة, حيث بقي القاتل والداعم والمخطط والأمر بالتنفيذ مجهولا, نتيجة ضعف إجراءات السلطة المحتلة, وغياب نظام المعلومات, وتساهل جهات معينة متنفذة, والدفع نحو نسيان القضية تحت لافتة توحيد الصفوف عبر نسيان حوادث الأمس, لكن دم الشهداء يبقى رمز للأمة, والسيد الحكيم كان ذو حضور قوي ومؤثر, ولم ينسى حتى بعد 13 عام من الجريمة, ننتظر أن تتحقق العدالة يوما ما, وينصف الشهداء عبر القصاص من كل المشتركين بالقتل.