(إحتياج الكل إليه، وإستغناؤه عن الكل، دليل على أنه إمام الكل) عبارة قرأتها في كتاب، حياة الامام على (عليه السلام)، منقولة عن عالم العروض، والأوزان الشعرية العربية (الفراهيدي)، وفي حقيقتها تجسيد حي، لما أُمر به المسلمون، من خلافة علي (عليه السلام)، يوم غدير خم، فأحداثها واضحة وضوح الشمس، لذا حكمت الساحة الإسلامية، فنادوا بخ بخ لك يا علي! أما تبعات هذا التشريف، والتكليف الإلهي بالولاية، فقد أحتلا مساحة كبيرة من قلوب، وعقول، وصفحات البشرية جمعاء!
الفتوى الإلهية يوم الغدير، لم ولن تكون مجرد حدث عابر، فهذا التنصيب الإلهي العظيم، من نبي الرحمة، وبمنزلة هارون منه، مدون على ساق العرش، (علي مع الحق، والحق مع علي، يدور حيثما دار)، ورغم أن بياض إبطيه قد بانا، لمن حضر البيعة الكبرى في غدير خم، وحرارة الجو اللاهب، فإن الذين في قلوبهم مرض، ظلوا على مكانتهم مشفقين، وأخذ الحقد يملأ ساحتهم ومساحتهم، فأصبحوا في دارهم جاثمين، وإعتلى أمير المؤمنين صهوة الولاية الإلهية، بإستحقاق وإمتياز!
يعيش العراق منذ عام ونيف، حرب النفاق والشقاق، التي وأد نارها في الماضي، أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، يوم أعلنت خلافته على المسلمين، فأبى المنافقون ألا يضمروا الحقد والعداوة، لأبناء علي وشيعته، فكان الطامعون المارقون، يجدون عند معاوية ما يريدون، أما الزاهدون فإنهم يجدون عند علي ما يحبون، حسب تعبير الفراهيدي، وعليه فقد وجد أنصار العقيدة الحسينية، ذلك العطر الغديري، في فتوى الجهاد الكفائي، ضد أزلام بني أمية، من دواعش آل سلول!
يوم إعلان الولاية في الغدير، وإصدار الجهاد الكفائي، لكل منهما فتوى ربانية، جاءت وفقاً لمتطلبات الحدث، فغدير خم شاهد، على أن الإسلام والرسالة، يكتملان بولاية علي (عليه السلام)، أما فتوى الجهاد، فقد حكمت أوضاع العراق المضطربة، ودخول الدواعش الأوباش بإسم الدين، كأجدادهم المنافقين والمرتدين، لذا أخذ يوم الغدير الأغر، والجهاد المقدس، المساحة والساحة في نفس الوقت، في قلوب شيعة علي عليه السلام، وكانا الجرس الإلهي المفاجئ، الذي أطنَ مَنْ في آذانه وقراً وهم لا يهتدون!
عيد الغدير الأكبر، هو تتمة للرسالة، التي بُعث بها الرسول محمد، (صلواته تعالى عليه وعلى أله) للعالمين، فهو حدث عالمي، بإعلان إمامة علي للأنس والجآن، كيوم فتوى الجهاد، حيث الحشد المقدس، يقاتل نيابة عن العالم، وكلاهما يحكمان بالعدل، لحفظ الإسلام الصحيح، وليس إسلام السقيفة المنافقة، ولا إسلام دولة الخلافة المزعومة، كونهما ينتميان الى خط النفاق والفتنة، على عكس الخط العلوي، المتمسك بخاتم الأنبياء والمرسلين، وعليه فقد شاع خبر الولاية والجهاد، فضاء الصحراء، والسماء على السواء!
الحياة الحافلة بالزهد، والتقى، والحكمة، والعصمة، لا يمكن أن تكفيها ملايين من الصفحات، بل وحتى مليارات، لأنها قائمة بنورها، ونيرها الفكري الى يوم يبعثون، أما إستعمال (ال) في لفظة (كل)، فهي في محلها، كونها لامست قلوب المساكين، والفقراء من أيتام علي (عليه السلام)، وعاصرت فرحهم بيوم الغدير، وقد كان الفراهيدي محقاً، في إلحاق (ال) بكل ما تعني، من معرفة جمة عن علاقة علي (عليه السلام) بربه، ونبيه، ومحبيه، فقد فاز، وفاز شيعته، وفزتم ورب الكعبة!