18 ديسمبر، 2024 8:14 م

فتاتنا الفكري!

فتاتنا الفكري!

نحن اليوم قوم نعتاش على الفتات الفكري والعقلي والاخلاقي، مع بالغ الاسف حقيقة لابد من الاعتراف بها، والسبب في ذلك هو قصورنا عن فهم  اﻷرث العظيم، الذي تركه لنا اﻵباء واﻷجداد، من علوم واداب وفنون ملئت مكتبات العالم، واستقت منها الجامعات دروسها.
أكتفينا بالفتات الذي ترميه لنا تلك الامم، التي اخذت تراثنا وهضمته جيدا، ولبسنا قشور حضارتهم، من حيث نعلم او لا نعلم، مما انعكس على انماط الحياة التي نعيشها، فالمنظومة العلمية متراجعة بشكل كبير وواضح، وهذا ما يشهده واقع التعليم بمختلف مراحله، ولا يسع المقام شرح كل المشكلات، كذلك المنظومة المجتمعية، هي الاخرى تشكو من خلل كبير، نتيجة للظروف التي مرت وحلت بنا، انتجت لنا انماط جديدة من السلوك البشري، تكاد تكون غريبة عن المجتمع العراقي الاصيل.
ان للامور سنن وقوانين تجري وفقها، فليس هناك شئ اسمه صدفة، انه عالم وضع له نظام ثابت وعن الاخلال بالنظام، تحل الفوضى والعشوائية، وعند النظر الى واقع الامة العربيةوالاسلامية الان مقارنة مع الامم الاخرى، لا يمكن ان نضع اللوم على العروبة او الاسلام، كونها سبب تأخرنا او تخلفنا.
“نعيب زماننا والعيب فينا وما لزماننا عيب سوانا” ان الله سبحانه وتعالى قد سن لنا قانون، وهو الاسلام الصحيح ، ووضع لنا دستور وهو القران، وختم بنا الامم، اي ان التزامنا بهذا الدستور يساوي تسيدنا على بقية الامم.
عندما جاء الاسلام أول الامر، وجد له حملة رسالة مؤمنين بها، حد الانصهار والذوبان في سبيلها، اخذوا على عاتقهم نشر تعاليمها، ايدهم الله بنصره، فأصبحت الامة الاسلامية هي الغالبة انذاك، ولكن عندما نقرأ القران الان هل مازلنا الامة الغالبة، ام اصبحنا مغلوبين على امرنا.
ان القران كان عند المسلمين الاوائل، عقيدة وبرنامج عمل، أما اليوم لا يتعدى كونه من ضمن ديكور المنزل، يعلوه الغبار فالعقيدة فقدت تلك الحرارة التي كانت عليها في نفوس المسلمين، مما فتح الباب  امام أعداء اﻷمة الى غزونا والتسلط علينا.
يذكر عالم الاجتماع “ابن خلدون” في كتابه المقدمة، ان اﻷمم اﻷنسانية، تنمو وتتطور وفق قوانين ثابتة، وأسس معينة، ورسم لها دورة حياة، كما يمكن استغلال هذه القوانين في التنبؤ بالمستقبل في حال فهمها ودراستها بشكل جيد، أي يمكننا ان نتحكم في مجريات اﻵحداث، اذ لاحت في الافق بوادر الخلل والانحلال المجتمعي، وأمكانية تطبيق القوانين ذاتها، على مجموعة من المجتمعات الموجودة في أحقاب متباعدة، مع اشتراط كون البنى موحدة فيها كلها.
اذن كيف ﻷمة ان تنهض بين اﻷمم، وشبابها اعتاد ان يعتاش على الفتات الفكري  والاخلاقي، وقد ترك ما أعد له من منظومة متكاملة  دينيا واخلاقيا وسياسيآ، فساد التقليد الاعمى للغرب بين صفوف الشباب، بغض النظر عن مدى انسجام هذا التقليد مع مجتمعهم، ومانشهده عند الشباب مؤخرا من التقليعات الغريبة، في المظهر والحركات، جعلت منهم كمن انتقل من البداوة الى الانحلال دون المرور بالمدنية!