.. بعد ان إنتهيت من إرسال رسالتي الى غفران عبر جهاز الفاكس ، شعرت بندم شديد وبألم يعتصرني بشدة .. مالذي فعلته يارجل ، لماذا كل هذه القسوة ؟ ألم يكن من المنطقي ان تكون كلماتك أقل حدة ؟ .. لا – حدثتني نفسي – يجب ان تكون كذلك كي لاتتمادى في حبها الميت منذ ولادته ! فأين انا من بنت تعدل عمر بناتي ؟ وهل من الإنصاف أن أدع المجال لها ، وما الذي سأقوله للناس حين عودتي أجئت تطلب نارا أم تشعل الدار نارا ؟؟
الساعة الآن قاربت على الثانية عشر ظهرا ولا بد من التهيؤ منذ الآن كيف سأتصرف في الحفلة ؟ وبماذا سأتكلم ؟ لم أتمكن من الإجابة عن كل تلك الأسئلة التي تقتلني ببطء ! ياربي ماهذه البلوى وأين كانت تختبئ ؟! والله لم امر بموقف مماثل . وحين كنت مستقرا في التفكير رن جهاز الفاكس معلنا عن وصول رسالة ! عرفت أن غفران هي المرسلة فليس هناك من يراسلني سواها !.. اسرعت الى غرفة المكتب بكل لهفة ! لأرى ردة فعلها ، بعدها سأقرر هل أذهب أم لا وليقولوا عني مايشاءون .أخرجت الورقة من حافظة الجهاز ويدي ترتعش رغبة ورهبة وكل ذرة من ذراتي تتشوق لما سيرد فيها من كلام لأني أعرف جيدا قابلية غفران على الكتابة ودقتها الجميلة في التعبير ! وما أن وقع بصري على الورقة حتى سقطت أرضا ، واخذ الدمع يسيل كأنه غدران إنفجرت من بعد إحتباس شديد ، وقد زادت حيرتي وأمتلكني شعور مخيف أن هذه البنت تعشقني بجنون ولو تركتها تلاقي صدا مني ربما تسببت لها بصدمة لن تفيق منها حينها لن أسامح نفسي البتة وسأشعر بالذنب والتقصير ، تقول غفران برسالتها :
[ فيما مضى كنت متشوشة بعض الشئ وفي شك مريب ولكن بعد أن تلقيت تلك الرسالة أبتدأ مشوار عمري من جديد وتاكدت انك تبادلني ذات الشعور ، ولم يخطر ببالي أن حضرتك تعطف على بنت مراهقة وتجاريها كي لاتصاب بالإحباط ، نعم .. لو كانت رسالتك تحمل غير تلك المعاني والتوجيهات لتملكني الإحباط ولتسببت بهلاكي ، فأنا أمرأة كاملة النضج ولست مراهقة كما يخيل لحضرتك ، وما انا بالمرأة الرخيصة التي تعرض نفسها على كل من هب ودب ، إنما أخترت رجلا ناضجا مثقفا هو أهل لتلك المسؤولية ولن يتخلى عني في احلك الظروف وأصعبها ، ولم يكن أختياري قد جاء من فراغ إنما بعد روية وتدبر وتفكر ، وأنت حر في قبول حبي او رفضه ، لكن قبل أن تتخذ أي قرار تذكر أنا أمرأة عاشقة عرضت حبها النقي على رجل يعرف قيمة المراة ، وشريته بالدنيا وما فيها ، وقد تمكنت مني خلالك الحميدة وشخصيتك الفريدة فضلا عن نجاحك في الإختبار الذي أعددته لك دون أن تدري وأنت ( الاستاذ ) ذو الباع الطويل في العلم والمعرفة في دقائق اللغة ومفرداتها ، وقد أثبت انك رجل (خام) لاتعرف اسرار النساء اللواتي يشبهنني بكل شئ أو ببعض الأشياء ، ختاما لك حبي وأحترامي يا أعز مخلوق رأته عيني لاتنسى سأرسل لك السيارة في الموعد المحدد ، وأريد ان أرى ملكا يتثنى في بيتي وأن تتناسى – ولا أقول تنسى – أنك استاذي.. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته … بكل إحترام .. غفران ..] ..
ياربي ماهو ذلك الأختبار ، وماذا تقصد تلك الشقية به ومتى حصل وبأية طريقة كان ؟ أعدت شريط ذكرياتي لما قبل شهرين فلم اجد مدخلا يدخلني الى حيز الأختبار المزعوم ! ..رحماك ربي لقد ثبت عجزي وضاقت سبلي وانا الرجل الكيس الفطن .. في الساعة الواحدة ظهرا ذهبت الى مطعم مجاور لبيتي بغية تناول طعام الغذاء وحالتي لن يحسدني عليها أحد ، إذ كنت كمن فقد نفسه في زحمة الأفكار القاتلة والأسئلة الصعبة ، وفي المطعم جلست على نفس الطاولة التي أعتدت الجلوس عليها كل يوم ورحت في تفكير إثر آخر .. كيف ستكون الحفلة ، وانا لم أرتاد أي نوع من الحفلات سوى تلك التي توافق المناسبات الدينية ! كل هذا الوقت الذي كنت فيه شاردا يسألني النادل عما يجلبه لي ولكني لم اسمعه على الأطلاق رغم سلامة حاسة السمع عندي !! .. ها .. ماذا تقول ؟ عفوا سيدي ماذا تطلب على الغذاء ؟ والله لا أدري ! هات لي طبقا خفيفا دون دهون رجاء ، إنصرف النادل وقد بدت عليه آثار الإنزعاج مني مطلقا نفخة من فمه كادت تتسب بأعصار يقلب طاولتي !! .. شعرت بالخجل من حالتي وما وصلت اليه وانتابني خوف شديد فربما كانت هذه المشكلة سببا لتأثر كفاءتي بشكل سلبي مما يفقدني مركزي وسط زملائي الاساتذة .. مر وقت قصير فجاء النادل يحمل الطعام .. تفضل استاذ .. شكرا لك وأنا آسف جدا وأعتذر .. ابدا ولا يهمك لكني وقفت خمس دقائق وانا أسألك عما تريد دون أن تسمعني وكأنك في عالم آخر !! .. نعم سيدي كنت في عالم ملئ بالحفر والألغام وانا بحاجة الى دعائكم ..
(( للحكاية تتمة ))