كلُ الحروبِ تتركُ دماراً وحطاماً وموتاً بالجملةِ والمفرد ، وكلُ الحروبِ تتركُ آثاراً لايمكنُ ازالتها بسهولةٍ ، وانَّ أخطرَ تلك الآثار ماتسببه الحروبُ من دمار في نفسيّات الشعوب وسلوكهم ناهيكم عن الأيتام والأرامل والأمهات الثكالى .
العراقُ كان قدرُهُ ان يكون أحد البلدان التي عانت ومازالت من ويلاتِ حروبٍ كارثيةٍ حصلتْ في فترات زمنية متقاربة بمعنى ان آثار كلِّ حربٍ تداخلتْ مع الاخرى . الذي يعنيني هنا والذي أنا بصدد تسليط الضوء عليه هو تأثير الحروب على نفسية وسلوك الاطفال ومايتراكم في عقلهم الباطن نتيجة مايسمعون من أزيز الرصاص ودوي المدافع ومايشاهدون على الارض ومن على شاشات الفضائيات . وهنا لابد ان أشير الى ان علماء التربية وعلم النفس يؤكدون على ان ملامح
شخصية الفرد تتحدّد في السنوات الخمس الاولى من عمره . اذن لابد من وقفةٍ جادةٍ ومخلصةٍ حول هذا الموضوع الحساس والخطيرمن أجل تحصين اطفالنا من خطر التأثيرات النفسية والسلوكية جراء الحروب ومعالجتها بشكلٍ علمي وموضوعي من قبل ذوي الاختصاص .
ومن خلال عملي سابقاً في المجال التربوي وتحديداً في الاشراف التربوي التقيتُ معلمةً فاضلةً خلال الامتحانات واثناء مداولتي معها حول سير الامتحانات حدّثتني قائلةً ( وانا اقوم بتصحيح احد الاسئلة والذي كان : عرّفْ السرقة ، كانت اجابة احد التلاميذ ( السرقة هي حواسم البيوت ) .( انتهى كلام المعلمة ) وشعرتُ بأن المعلمة كانت في حيرة هل ان الجواب صحيح أم خطأ ؟ فأجبتها بان َّ جواب التلميذ صحيح من حيث المضمون والفكرة . الذي يعنيني هنا وهو مربط الفرس كلمة ( الحواسم ) وكيف ان التلميذ قد التقط هذه المفردة وحضرتْ في ذاكرته اثناء الاجابة نتيجة تكرارها يومياًونتيجة سماعه اياها في الشارع والبيت والمدرسة وفي الفضائيات فترسخت في عقله الباطن . ان مفردة الحواسم لم نكن نعرفها من قبل ولكن ماحصل بعد الحرب من نهب وسلب للمال العام ودوائر الدولة جعل من لفظة الحواسم مألوفة لدى الجميع حتى ان بعض العشوائيات التي شُيِدت أُطلق عليها اسم الحواسم . واصبح البعض من السراق وضعاف النفوس في ليلة وضحاها من اصحاب المليارات وعندما تسأل من اين لهم هذا ؟ يأتي الجواب : من الحواسم ، حتى اصبحتْ مفردة الحواسم مرادفة لمفردة السرقة . اقول هناك نفوسٌ انحرفتْ بسبب المغريات وهناك نفوسٌ كُشِفَ معدنها
والسؤال المهم والخطير مَن سيُعيد نقاء وصفاء النفوس ومَن سيصحح هذا الانحراف الخطير الذي حصل ؟ انه فايروس
كان السبب في خراب النفوس والضمائر والاخلاق والقيم . ومن هذا المنبر اناشدُ كل الشرفاء ان يشمّروا عن سواعدهم
ليصلحوا تلك النفوس واعادتها الى جادة الصواب لانّ اعمار النفوس ليس بالامر الهيّن فمن السهل ان نبني ناطحاتِ السحاب ونمد الجسور العملاقة لكن من الصعب ان نبني الانسان ، الذي يبني الانسان البيت والمدرسة والدين المعتدل
والثقافة والاعلام المدروس والتربية الصحيحة . المطلوب الآن اعادة بناء الانسان العراقي لكي نعيد اصالته وعراقيته
ولنبدأ اولاً من الأطفال ونزرع في نفوسهم قيم الخير والاخلاق والفضيلة قبل فوات الأوان .
نسخة منه الى : كل الذين يعنيهم الأمر (من الشرفاء والوطنيين ) فهل مِن مجيب ؟؟ أتمنى ذلك .