17 نوفمبر، 2024 2:48 م
Search
Close this search box.

فايروس الأمية في العراق

فايروس الأمية في العراق

في أحد تقارير منظمة اليونسكو ورد في مضمون التقرير الذي سلط الضوء على مسيرة التعليم في العراق أن هناك ستة ملايين أمي لا يعرفون القراءة والكتابة وعاجزين عن تكوين جملة مفيدة (1) ، وقد يشكك البعض في مصداقية هذا التقرير بسبب الرقم المهول لإعداد الأميين الذي ينذر بكارثة كبيرة على صعيد النظام التعليمي في العراق ، وإذا أخذنا بنظر الاعتبار أن هذا التقرير صدر في عام (2019) اي قبل فوضى وباء كورونا وتعطيل الدوام في المدارس الذي حصل إبان مظاهرات تشرين فإن عدد الأميين ربما تجاوز في الوقت الحاضر حاجز الثمانية ملايين على أقل تقدير وفق معدلات تقرير اليونسكو السابق.

وهذا الرقم الجديد سبق وان أعلنت عنه مفوضية حقوق الانسان العراقية في بيان لها حيث أكدت فيه ان غالبية هؤلاء الثمانية ملايين أمي هم من الشباب الذين لا يجيدون القراءة والكتابة (2).

وبسبب عدم وجود أرقام حقيقية لإعداد الأميين الفعلي في العراق حتى لدى المؤسسات الحكومية المعنية وهذا ما صرح به رئيس الجهاز التنفيذي لمحو الأمية في العراق (3) فإذن لا نستغرب من التضارب في الأعداد الحقيقية للأميين الذين قدّر الناطق باسم وزارة التربية أعدادهم بما لا يقل عن خمسة ملايين فرد (4).

إن هذه الأرقام المرعبة لأعداد الاميين في العراق والصادرة على لسان مسؤول حكومي تؤكد ان هذه الظاهرة آخذة بالازدياد في مقابل صمت مطلق من قبل المؤسسات الحكومية والاجتماعية والاعلامية والدينية وغيرها والتي ربما تكتفي ببعض الأحيان بمواقف خجولة لا تقدم ولا تؤخر ، ولذلك باتت ظاهرة الأمية في العراق فايروساً فتاكاً لا يقل خطورة عن باقي الأوبئة التي تعصف بالعراقيين كالمخدرات والخمور والجريمة المنظمة والتطرف الديني والعشائري والفساد والانحراف الأخلاقي والتي هي بالأساس نتائج طبيعية للأوضاع السياسية السلبية القاتمة وغير المستقرة التي ألقت بظلالها السوداء على الاوضاع الاجتماعية وما أفرزته هي الأخرى من تداعيات اقتصادية وجيوش من الفقراء والمشردين والمهجرين.

 

أن أسباب تفشي الأمية في العراق لا تقتصر على جانب معين وان كانت الحالة السياسية كما أسلفنا هي المدخل الأساسي للأوضاع القائمة وتشعباتها خصوصاً السلبية لما لها من تأثير على الواقع الاجتماعي وبسبب إفرازاتها الاقتصادية والامنية والثقافية والتعليمية… الخ، والتي بدورها أنتجت حالة من الفوضى وعدم الاستقرار على جميع الأصعدة والمستويات على الساحة العراقية.

ويذهب بعض الاختصاصيين في مجال التربية والتعليم إلى أن اتساع الفوارق الطبقية بين فئات المجتمع العراقي وشرائحه بالإضافة الى عدم تفعيل قانون الزامية التعليم أدى الى عدم كبح نزيف التسرب من المدارس. (5)

 

وربما كان النظام التعليمي في العراق ورداءته على كل مستويات من أهم أسباب التسرب من المدارس وانتشار الأمية في صفوف الشباب والناشئة، فالبنية التحتية عاجزة عن استيعاب الاعداد الافتراضية المطلوبة بسبب الاكتظاظ البشري الموجود اصلا في المدارس والتي لم تشهد تطورا على صعيد الإنشاء وانما تراجعا على مستوى النوع والكم بحيث تشهد العديد من البنايات المدرسية دواما لثلاث مدارس في بناية واحدة؟!

كما ان المناهج التعليمية الجافة والتقصير الحاصل من بعض الكوادر التعليمية في أداء واجبها الوظيفي المطلوب وتوجه الكثير تلك الكوادر للتدريس الخصوصي والتركيز عليه على حساب التدريس الحكومي العام، وكذلك عدم فسح الفرصة لآلاف الخريجين العاطلين للتعيين وسد الشواغر الموجود أصلا في المدارس الحكومية كلها أسباب مساعدة في ظاهرة انتشار الأمية.

وشكل انتشار فيروس كورونا وافرازاته التي تمثلت بتعطيل الدوام الحضوري والاقتصار على التعليم الالكتروني سببا اخرا لتردي المنظومة التعليمية وانتشار الأمية خصوصا لدى طلبة المدارس الابتدائية والمتوسطة الذين اكملوا ثلاث سنوات دراسية في ظل التعليم الإلكتروني الذي يفتقد إلى أبسط مقومات التعليم البناء في بلادنا لافتقارنا إلى هذه التجربة سابقاً ولأسباب تتعلق بأدوات التعليم الإلكتروني ووسائله كخدمة الانترنت الرديئة من جهة، وعدم توفره أصلا لدى الكثير من أبناء القرى والمناطق النائية وكذلك الفقر الذي تعاني منه آلاف العوائل والذي وقف حائلا دون استخدام الإنترنت او توفير أجهزة إلكترونية للدراسة لأبنائها.

ولذلك ليس من المستغرب ان ترى طالبا في المرحلة المتوسطة لا يستطيع القراءة والكتابة ولا زال في طور تهجي الحروف دون الكلمات وهو ما يليق بمستوى طالب المرحلة الأولى والثاني في الابتدائية.

ان مخاطر انتشار الأمية لا يقتصر على الجانب التعليمي والثقافي فقط، وإنما يشكل تهديدا للسلم الاجتماعي نتيجة وجود جيوش من الأميين الذين يمكن استدراجهم ليكونوا لقمة سائغة لتجنيدهم في عصابات الجريمة المنظمة او التنظيمات الإرهابية والميليشيات المسلحة وأن يكونوا كذلك أدوات لتنفيذ الممارسات والأعمال غير المشروعة.

ان الحلول الكفيلة بمواجهة فيروس الأمية يجب أن تكون شاملة ومستوعبة لمعالجة جذورها وأسبابها والحيلولة دون تفاقمها وانتشارها وهذا ما يستدعي تضافر همة الجميع وبذل جهود جبارة من قبل مؤسسات الدولة الحكومية ومؤسسات المجتمع المدني والهيئات الدينية للتعاون في المشروع ويكون ذلك أولاً من خلال البدء بحملات واسعة لمكافحة الأمية ، وثانياً لمعالجة أسباب تفشي الأمية أو حتى بعض أسبابها على الأقل، وان أي تقصير في ذلك يمكن ان يؤدي في السنوات القادمة إلى وصول أعداد الأميين الى ثلث وحتى نصف أفراد المجتمع العراقي ويجب التركيز أيضا على بذل الوسع لتحسين الجانب التعليمي وخصوصا طلبت المدارس الابتدائية على الصعيدي المناهج الدراسية وتوفير كوادر تعليمية كفؤة وإنشاء مدارس جديدة في وقت قياسي لاستيعاب التلاميذ الجدد وحمايتهم من التسرب من المدارس..

 

(1) موقع صوت العراق (٢٠٢١/١٠/٢٨)

(2) وكالة الأنباء الإخبارية (٢٠١٩/٨/٢٢)

(3) العراقية الإخبارية

(4) صوت العراق (٢٠٢١/١٠/٢٨)

(5) سكاي نيوز (٢٠٢٢/١/٢٥)

[email protected]

أحدث المقالات