ربما لا تستهوينا كثيرا فكرة البحث المبكر عن روايات ما بعد الحداثة وذلك لان مفهوم ما بعد الحداثة مازال ملتبسا كسابقه مفهوم الحداثة ذاته ،إلا إن الحاجة المعرفية والإلحاح النقدي يجبرنا على وضع بحوث استثنائية من هذا القبيل، ولعل من حسن حظي بأنني استطعت الاطلاع على مخطوطة كتاب من تأليف الدكتورة فاطمة بدر وهي تدريسية جامعية في بغداد لم يتسنَ لي اللقاء بها حتى ولو لمرة واحدة ،والكتاب يحمل عنوان “الفنطازية والصولجان دراسة في عجائبية الرواية العربية”ولعل هذا الموضوع إنما ينطوي على أبعاد بحثية وقرائية متعددة استطاعت فاطمة بدر أن تمهد للموضوع بقراءة متأنية تحاول أن تمفصل المفاهيم الإختلافية الأساسية لسرديات أدب ما بعد الحداثة بداية من بناء الشخصية والحدث العجايئبي مرورا بالمكان اليوتوبي والفضاء ألطباعي وهي المساحات الأساسية لحركة الرواية الحديثة اليوم والتي يمكن لنا ضرب أمثلة كثيرة للتدليل على آليات الاشتغال ألازدواجي في النص الروائي الحديث لاسيما وان روايات ما بعد الحداثة تتشابه إلى حدما من الناحية الأسلوبية لأنها تعتد على التقاطع الشعوري واللاشعوري مع حرية اكبر في التداعي النفسي وتبادل الضمائر وإغفال التفاصيل التشخيصية التي كانت تعتمدها وبإسراف كبير روايات الماقبل حداثية في الرواية الأوربية كما أكدت ذلك الدكتورة فاطمة بدر على حد قولها(لقد أهتم كتاب النصوص الروائية التقليدية، بوصف شخصياتهم من حيث الهيأة الخارجية، والعمر، والملامح، والمهنة، والعلاقات الاجتماعية. لذا عدت الأبعاد الخارجية في النصوص الروائية التقليدية أحد: “الأركان الأساسية للتشخيص، وهو تقديم صورة استهلاكية كاملة للشخصية، ثم تقديم أحداث تعززها” بينما اهتمت نصوص ما بعد الحداثة برسم دواخل الشخصيات وأعماقها الخفية بعد دخول علم النفس إلى دراسة العمليات النفسية للشخصيات الأدبية، لذا قام كتاب هذه الروايات بتقويض الأبعاد الخارجية للشخصية وتهديمها، وأزالوا الاسم الصريح وحولوه إلى ضمير )مستنيرة بآراء كل من باختين وعبدالله إبراهيم من بعد في محاولة فهم الأبنية الداخلية للشخصية المخترعة أو المفترضة في الرواية المابعد حداثية ولأننا لسنا بصدد استعراض مجمل البحث الذي كان مشبعا بالتحليل والتدليل والتفكيك والاستنتاج فهو بحاجة إلى حيز اكبرا إلا إنني أردت أن نشير من خلال هذا الحيز إلى مدى افتقارنا إلى دراسات مرجعية تواكب تطورات الأفكار والمسرودات والنصوص والمعارف في عالم الكتابة اليوم ومن هنا يأتي تفرد هذا البحث وحاجتنا إلية أن يكون مطبوعا وفي متناول القراء لأنه يسد ثغرة كبيرة في الدراسات النقدية التحليلية ويعطي فرصة لمتابعة الروايات العالمية والعربية الراهنة التي يكون لزاما علينا أن نخضعها للفحص والتحميص وان نعمل فكرنا النقدي الذي غاب طويلا عن ساحة التفعيل الثقافي والمواكبة الدءوبة كما نقع عليه في هذا الكتاب -المخطوطة الذي أفادني أنا شخصيا فأحببت أن اطلع القارئ على عجالة على هذا الكتاب القيم الذي نحن بحاجة ماسة إليه اليوم وغدا .