23 ديسمبر، 2024 7:15 ص

يستمر العرض، منذ سنوات، بل منذ عقود، وبين فترة واخرى هنالك فاصل. عشرات القنوات والمحطات الاذاعية تطالعنا اينما كنا، كلها تنشر (الحقيقة) ولاشيء غير (الحقيقة)، حتى اطفالنا باتوا يعرفون الحقيقة وينطقونها مع اول لثغة. بائع الخضروات هو ايضا يعرف الحقيقة وسائق التاكسي وابو رسل مصلح المولدات الذي يجادلني في الانتخابات القادمة ولمن ستكون الغلبة ويمعن في تحليله السياسي ليختتم حديثه بالضربة القاضية: كلهم حرامية والبلد الهم، المهم نلطم ونطبخ براحتنا. في العمل.. يبدأ الجدال عادة بالجزع بسبب الظروف الامنية والكهرباء والغلاء لترتفع درجة حرارته عندما تتصادم وجهات النظر فتظهر الاتهامات بالطائفية. ويحين الفاصل ليهدأ الجميع فلا يجوز ان يخسر بعضهم بعضا بسبب النقاش حول وطن! اعضاء الحزب الواحد او الكتلة يعرفون الحقيقة حول زيف اجنداتهم. المسؤولون ايضا يعرفون وكلما حدثت احدهم على انفراد هز رأسه بحزن. مواطن صالح قال: لايوجد حل الا باجتثاث الفساد والولاء للوطن فقط.

وبين فاصل وآخر يدوي انفجار، ثم الآخر، وقد تتزامن التفجيرات في يوم واحد لتشكل ضربة واحدة، فذلك افضل لهم ولنا. فهم يحققون يوما داميا يمكنهم من الافلات من (انتشار) القوات الامنية الذي يعقب يوم الحادث، ونحن.. ننتهي من مظاهر الحزن والحديث عن الخبر والاتهامات في يوم واحد. ففي قلوب المفخخين ومن يخطط بعض الرحمة لانهم لايريدون اثارة قلقنا كل يوم. لايهم.. هي ليست حرباً مستمرة على الارض، وانما هي حرب اعصاب والعراقي (كدها)، فقد اثبت طوال العقود الثلاثة الماضية ان اعصابه حديد وان بامكانه ان يتحمل اي حرب قادمة.

معظم وسائل الاعلام تتحدث عن استتباب الوضع الامني منذ أن انتهت الحرب الطائفية، الم يعد الطلبة الى مدارسهم وجامعاتهم؟ والدوائر عادت جميعها للعمل وان كانت هنالك احاديث (مغرضة) عن الرشاوى والمحسوبيات والوساطات. لا توجد ازمة بنزين والمحطات تفتح ابوابها لتوزيع النفط في الصيف. صار بامكان العراقي ان يظل خارج بيته حتى الثانية عشرة ليلا او يخرج بعد منتصف الليل في حالة شعرت زوجته باعراض الولادة. الاسواق ايضا مكتظة واصبح لدينا (مولات) ومشاريع استثمارية. صحيح انها لم تكتمل بعد والشوارع مازالت مليئة بـ(الطسات) لكن هذا لايعني شيئا، فالآليات تنتشر في كل مكان. ما زال هناك متسولون وارامل وبعض جرائم الخطف والمتاجرة بالفتيات و(اشاعات) عن انتشار المخدرات. لكن هذا لا يعني شيئا، فالوضع الامني مستقر منذ أن بدأت خطة القانون وصولة الفرسان وغيرها قبل اربع او ثلاث او خمس سنوات. حقيقة لم نعد نتذكر متى استقر الوضع الامني، فالفواصل كثيرة وكل منها يستمر لشهر اوشهرين لتعود الهجمات وتتناثر الاشلاء. لكنه امر هيّن، فنقاط التفتيش سرعان ما تنتشر. هذا الاسبوع ضربت رقما قياسيا، وتقول وسائل الاعلام (الفتانة) ان 90 مفرزة اضيفت الى السابقة. لايهم طالما ان ما نخسره هو (الوقت) فقط. نحن نتوقف كل خمسين متر. ومن أمهر منا في اضاعة الوقت، وماذا ان قدمنا نصف يومنا فداء لخططنا الامنية؟ العمر كله امامنا..

(نزل الجامة.. طفي اللايت.. افتح الكلوب الداخلي)..  ويفضل ان تبتسم كي لايحقد عليك العنصر الامني الذي يتحمل حر الشمس والخوف في ظلام الليل، فهو يسهم في بسط الامن من خلال اشارة يده الناعسة بينما يوليك ظهره او يتحدث مع رفاقه واحيانا يجلس على الرصيف يقلب في جهازه الخلوي بحثا عن اغنية او رقم حبيبة ليتولى الحاجز السيطرة على الامن، فيصعد الدم الى رأسك وانت تشعر انك وسط زنزانة كبيرة، قدمك مربوطة بسلاسل ومطلوب منك ان تتنقل من دون ان تحدث صوتا. ومع ذلك ليس مهما، فالخطط الامنية ماضية بهمة وعزيمة لتغطية الفاصل لتفاجأ بعد انتهائه بشهر او شهرين بضربة او عدة ضربات في نفس الاماكن التي سبق ان قطعت السيارات المفخخة صمت الفاصل فيها. لم يعد احد يتساءل اين حدث الانفجار ولا حتى عن عدد القتلى، فقبة البرلمان تصدّعت اليوم لكثرة الاعتراضات حول قانون البنية التحتية والمفوضية التي يريد البعض الاستيلاء عليها، ما اثار زعل المسيحيين والتركمان و(النسوان) وغيرهم ممن (يدّعي) التهميش.

لكن كل شيء بخير.. الحياة مستمرة بزحام لم يسبق ان شهدته الشوارع العراقية، ومستمرة منذ ان توقف ازيز الرصاص الذي ما زالت آثاره على جدران الدور والبنايات، واستبدلت المفارز الوهمية والملثمين بالقوات الامنية..

اليوم، عند الغروب، وبعد صمت سنوات، سمعنا صوت تبادل اطلاق نار.. يا ويلنا إن كان صمت البنادق مجرد فاصل. فما الذي تبقى لدينا لنواصل؟

[email protected]