ينبغي ان نعترف ان في شريعتنا واعرافنا ومنظومتنا الأخلاقية الكثير من الثقوب التي تسمح بالفساد والكذب والسرقة . السطور التالية تحاول تعيين هذه الثقوب . هذا السطور سوداء ومعتمة الى حد ما لكن لابأس , نحن مضطرين الى اهمال الصفحات المشرقة بسبب ندرتها وانعدام فعاليتها في المجتمع قياسا بفعالية الثقوب وحجمها . سوف نحاول ان نقف في معسكر الفساد وخطوطه الدفاعية وتحصيناته لنرى من هناك هشاشة النزاهة و عزلتها اغترابها في واقعنا الاجتماعي :
غشاء البكارة
________________
لا توجد في اعرافنا وعقيدتنا في جوهرها شئ اسمه فساد مالي . لاتوجد في عقيدتنا وتاريخنا وممارستنا اليومية حدود صارمة تفصل ماهو فاسد وماهو غير فاسد . لايوجد في تاريخنا على مدى واسع مايشير الى فداحة مثل هذه الظاهرة او يضعها في سلم الكبائر او الفتن . الفساد هو مصطلح مستورد من الخارج . للفساد عندنا معنى واحدا لاغير . معنى حيادي تماما ولا شأن له بالاخلاق . الفساد عندنا له علاقة بالبيولوجيا اكثر من الأخلاق .
الفساد والسرقة ليست عيبا او عملا منكرا في مجتمعنا . بل ينظر اليها احيانا كنوع من الشطارة . السارق مبجل بين اهله وعشيرته ولا يشعر بأية دونية . الشخص الوحيد الذي يشعر بالدونية عندنا هو ذلك الذي يمس شرفه البيولوجي ( غشاء البكارة ) ولا شئ غيره.
هذه الخرقة هي شرفنا الوحيد وليس هنالك غيره
.
استطيع ان ابرهن لكم ذلك حالا.
راقبوا عمليات تسقيط الافراد والمسؤولين . راقبوا الأشاعات التي يصدرها كلا الطرفين المتنازعين . راقبوا على وجه الخصوص الاشاعات التي يلجأ اليها خصوم الحكومة تجدونها تتصل بشكل مباشر بهذا الموضوع ( قصة صابرين واغتصاب السجينات ) وغيرها من الافلام والصور المفبركة في الانترنت . عملية التسقيط لا تأتي ثمارها الابربطها بالاعضاء الجنسية (اللواطة بالرجل وغشاء البكارة للمرأة ). بغير هذه البيولوجيا لا يسقط الفرد عندنا مهما كان حجم فعله . القتل والسرقة والبطالة لا تسئ للشخص او لمرتكبها . الضربة القاضية لا تأتي من الفساد والسرقة او القتل بل من تلك الثقوب الصغيرة المتمركزة في اسفل البطن .
اثناء كتابتي لهذه السطور مررت بالصدفة على مقال لأحد النشطاء في الفيس بوك واسمه داود الجنابي (مقيم في السويد ) . في مقاله يحاول السيد الجنابي تسقيط المدعو واثق البطاط زعيم جيش المختار . لقد حشد السيد الجنابي في بدء مقاله من التهم ما تكفي لتيسقيط البطاط ونصف دستة من امثاله . اليكم ماقاله : .
(( ……قال البطاط أنه مستعد لقتل كل من يراه انه مجرم بحق العراقيين ومستعد لقتل حتى رجال القضاء. ويقول البطاط انه المسؤول عن قصف ميناء مبارك وقصف معسكر ليبرتي لمنظمة مجاهدي خلق . ويذكر ان معلومات مؤكدة وموثقة من مصادر امنية كانت تعمل سابقا في امن الجنوب، ان لدى المعتوه الصفوي واثق البطاط رئيس ما يسمى حزب الله العراقي الايراني ،نشاطات امنية في البصرة ،حيث كان يعمل (مخبرا سريا لدى امن البصرة بإمرة العقيد ضاري ابو عمر كعضو ارتباط معه ))
غير ان في كل ما سطره السيد الجنابي أعلاه لا وجود للبيولوجيا : لا توجد أعضاء او ثقوب جنسية , وبذلك يصبح التسقيط غير مكتملا وغير مستوف للشروط الشرعية . كل اللكمات السابقة لم تكن تكفي لأسقاط البطاط ولابد من الضربة المتوقعة . هنا يسدد الجنابي لكمته القاضية :
((وهناك معلومة مثبتة في مركز شرطة ،على شكوى وهذا نص القضية كما رواها ضابط امن من امن البصرة (ان واثق البطاط قام بفعل دنئ ومارس اللواط مع والده لان والده اعتدى على زوجة واثق بالزنا ،وهذه القضية يعلمها كل ابناء البصرة كفضيحة عائلية لعائلة البطاط هناك ) ،هذا هو تاريخ زعيم حزب الله الايراني الصفوي الكريهه الذي يهدد العراقيين بالقتل ثأرا لزوجته التي اغتصبها والده )) .
الطريف بالامر انني كتبت قبل اسابيع مقالا نقديا عن أحد المعتقدات الشيعية فوجئت ان احدهم لا اعرفه ولا يعرفني يتهمني باللواطة وانني أدير بيتا للدعارة مع العلم ان مشروع فتح بيت في للدعارة في هولندا امر معقد جدا ويحتاج الى الكثير من المؤهلات التي لا املكها .
ديوان العطاء
_______________
حين وضع الخليفة الثاني عمر بن الخطاب (رض) أساس ديوان العطاء جعل أهله وعشيرته ( قريش) في قمة الهرم ثم يأتي بعدهم المحاربين كل على قدر بسالته . مبدأ توزيع الثروة ( العطاء ) أعتمد كليا على القرب من قريش ثم المساهمة العسكرية في الاسلام . السيف هو الفيصل في الحصول على المال . لايوجد في هذا المبدأ اية أشارة الى, المحتاج وغير المحتاج , الى الفقر والغنى . هذا المبدأ لازال ساري المفعول بشكل ما حتى هذه اللحظة . العقلية نفسها وان اختلفت التسميات . فاذا وضعنا المال العام بدل بيت مال المسلمين . و وضعنا النظام السابق رديفا للعصر الجاهلي والنظام الجديد رديفا للخلافة الاسلامية . أمكننا ان نرى تقابلات مثيرة ومشهية .أن مجمل التشريعات والتوصيات والامتيازات تؤكد على هذا التقابل .
( أرجو الانتباه اننا هنا لم نتحدث بعد عن الفساد والسرقة بل عن ماهو معلن ومشرعن ) .
يمكن عد الرواتب الضخمة التي شرعت للمسؤولين واعضاء البرلمان وتقاعدهم ومعها حزمة الامتيازات الاخرى من قطع أراضي وشقق وسيارات باهضة الثمن وتسهيلات مالية عديدة وكذلك أستحداث مؤسسات لتوزيع المال على ( المناضلين والمجاهدين والمعارضين ) للنظام السابق مثل مؤسسة الشهداء . كل هذه الاجراءات وغيرها تقربنا من المنبع التاريخي المتجسد في ديوان العطاء .
ذو النورين
_____________
لقد كان عصر الخليفة الثالث عثمان بن عفان مهيئا بوجه خاص لتكديس الثروات ، و قد كان عثمان في وقت مبكر من خلافته يأخذ من بيت المال لأجل حاجاته و لا يرى حرجا في محاباة أفراد عائلته المقرّبين ( الأمويين ) بالمناصب السّياسية و العطاءات الماليّة التي كان يقتطعها مباشرة من بيت مال المسلمين.
غير ان الخطوة الابعد التي قام بها عثمان هي توزيع الاراضي المؤممة في عصر عمر على اهله واقربائه . هذه الاراضي تابعة اصلا الى بيت مال المسلمين وتدعى (الصوافي ) وتشمل كل أرض يقرر الخليفة ضمها إلى بيت المال من أراضى البلاد المفتوحة، التي بقيت دون مالك بعد أن جلا عنها أهلها أو كانت مملوكة للدولة التي فتحت، أو لحكامها، أو لقادتها، أو لمن قتل فى الحرب، أو هرب من المعركة وتركها.
بدأت (الفتنة ) من هنا . أحتج عامة المسلمين على هذا التحول الدراماتيكي . هذه السياسة الملكية الاقطاعية الصريحة لا تتفق مع مبادئ الاسلام واعتبرت أحياءا لرابطة الدم بدل الرابطة الاسلامية و عودة لأعراف الجاهلية .
واذا صحت الرواية التي تنسب الخطبة الشقشقية الى علي بن ابي طالب (ع). فسنكون امام نص مهم يختصر قصة (الفتنة) كلها:
(إِلَى أَنْ قَامَ ثَالِثُ القَوْمِ، نَافِجَاً حِضْنَيْهِ بَيْنَ نَثِيلهِ وَمُعْتَلَفِهِ، وَقَامَ مَعَهُ بَنُو أَبِيهِ يَخْضَمُونَ مَالَ اللهِ خَضْمَ الاْبِل نِبْتَةَ
الرَّبِيعِ، إِلَى أَنِ انْتَكَثَ عَلَيْهِ فَتْلُهُ، وَأَجْهَزَعَلَيْهِ عَمَلُهُ، وَكَبَتْ بِهِ بِطْنَتُهُ )
يخيل الي من هذا النص ان ( الخمط ) في دولتنا الحالية ليس بعيدا عن (الخضم) في خلافة عثمان. هنالك تقارب كبير بين المفردتين . ربما تكون المفردة هي نفسها .
بعد مفاوضات وحصار طويل فشلت كل الجهود في ثني الخليفة عن التراجع في سياسته و قراراته الاقطاعية , فانقض الثوار ( العراقيون والمصريون ) على الخليفة ( الفاسد ) ومزقوه أربا .وهي اول حادثة في تاريخنا تتصل بشكل مباشر بالفساد وسرقة المال العام . قصة ( الفتنة ) معروفة ولا حاجة لسردها بالكامل , لكن الجدير بالذكر أن العالم الاسلامي أنقسم بعدها الى فريقين لا زالا حتى هذه ايوم غير متفقين على حيثيات ما جرى.
الشئ الذي يحيرني في أمر الخليفة الثالث هو الحضوة التي يملكها عند رسول الله (ص) . لقد زوجه الرسول (ص) اثنين من بناته ولذلك سمي ( ذو النورين ) . وينقل عن الرسول (ص) قوله انه لو كان لديه عشر من البنات لزوجهن الى عثمان . هذه الروايات تزيد الامور تعقيدا علي . ارتبك تماما , واضيف بعدا جديدا الى مأزقنا .
سوف يخرج من هنا تساؤل لا بد منه :
لماذا كل هذه الحضوة ؟ لماذا يزوجه الرسول (ص) كل بناته حتى اللواتي في الخيال؟ . لماذا لا يعطي ولو واحدة الى عمار بن ياسر مثلا او ابو ذر او سلمان الفارسي او حتى بلال الحبشي ؟
كيف يمكن لشخصية( فاسدة من وجهة نظرنا ) ان تحضى بمثل هذا التكريم ؟ اي نوع من المعايير هي التي تشتغل في هذه الحادثة وفي ذلك العصر ؟
حكم و مواعض
_________________________
اليكم هذه الحكم المستقاة من كتب الاسفار العراقية المقدسة والتي قد تتصل بموضوعنا .
– (( الرجال هو اللي يعبي بالسلة عنب ))
ترجمتها : الرجل هو الذي يعبئ السلة بالعنب .
– (( الما عنده فلس …. ميسوه فلس ))
ترجمتها : الذي لا يملك في جيبه فلسا … لا يساوي فلسا .
– (( الرجال هو اللي يضرب برجله الارض ويطلع مي ))
وترجمتها : الرجال هو الذي يضرب بقدمه الارض فيخرج منها ماءا.
– ((الرجال ميعيبه الا جيبه ))
ترجمتها : لا يعيب الرجل الا فراغ جيبه
– ((الحرامي الگوي يگول لأبو البيت : شيلني ))
وترجمتها : السارق القوي يقول لصاحب البيت : ساعدني على حمل ما سرقته منك .
– ((أنت هص … وآني هص …. نقسم بالنص ))
وترجمتها : أنت تسكت … وانا أسكت … ونقسم الغنيمة بيننا.
جريمة مخلة بالشرف
________________
في قانون العقوبات المدني يوضع الفساد وسرقة المال العام ضمن عنوان الجرائم المخلة بالشرف . وهي قوانين وتسميات منقولة من التشريعات الفرنسية . ورغم وجودها واستخدامها في الفترة الماضية الا انها لم تمتد ابعد من حدود قاعة المحكمة التي تصدر هذه الاحكام , فالسارق للمال العام لا يتلطخ شرفه ويظل معززا مكرما بين اهله وذويه , ولا يشعر اهله باي عار , ويواصل حياته بشكل طبيعي تماما , بل ان البعض يحسده بعد قضاء مدة حكمه , خصوصا اذا استطاع حفظ المال المسروق بشكل جيد .
لقد جرت محاولة في زمن البعث لوضع العمل كمعادل للشرف . كانت هذه الخطوة هي ردة فعل لتردي اداء القطاع العام وانخفاض مستوى الانتاج الزراعي والصناعي بشكل مخيف ونشوء ما يسمى بالبطالة المقنعة في جميع القطاعات . كانت المحاولة كاريكاتيرية الى حد بعيد فقد تم طبع بضعة ملايين نسخة ورقية من الشعار التالي :
(( عملك شرفك … من لا يعمل لا شرف له ))
وتم الايعاز الى الجهاز الحزبي في جميع ارجاء البلاد الى العمل على لصق هذا الشعار على جميع الحيطان المتوفرة . بقي الشعار معلقا على الجدران بضعة شهور قبل ان يتحول الى موضع تندر , حيث لم يؤخذ على محمل الجد بأية درجة كانت .
المال العام
__________________
. نحن امام ظاهرة شبه عامة ومستشرية : هي انعدام الشعور بمفهوم المال العام , كأنه لا وجود له . نحن امام ظاهرة اجتماعية خطيرة هي اكبر من اللصوص انفسهم . لو كان الأمر يخص سين او صاد من المسؤولين لهان الأمر . الأمر يخص عدم وجود اي شعور بأن هناك مال عام : المال هو ملك من يمسكه بيديه . والفساد والسرقة ليست عيبا او عملا منكرا في مجتمعنا . بل ينظر اليها احيانا كنوع من الشطارة . السارق مبجل بين اهله وعشيرته ولا يشعر بأية دونية.
سرقات مضيئة
_________________
أكبر ما يميز مجتمعنا العراقي هو قدرته على العودة الى حالته الطبيعية بعد كل كارثة . النكبات والحروب والاعمال الشنيعة التي يرتكبها او ترتكب بحقه تمر مر السحاب كأن شيئا لم يكن . ان فكرة المراجعة شبه معدومة . هنالك أربعة سرقات معاصرة مارستها قطاعات هامة في المجتمع العراقي دون ان تحدث تغييرا هاما في تكوينه ولم تحض بالاهتمام الاكاديمي اللازم :
1- نهب ممتلكات العراقيين اليهود (فرهود اليهود) .
2- نهب املاك العراقيين المسفرين الى ايران ( التبعية).
3- نهب المدن الايرانية المحتلة اثناء الحرب مع ايران
4- غزو الكويت ونهب ممتلكات الدولة والمواطنين .
موائد الرحمن
_______________
الفاسدون في العراق يستخدمون شهر رمضان كمناسبة لتببيض اموالهم . يسمونه ( تزكية) المال . لا بأس بذلك . الفاسدون يستعدون له جيدا . بل هم سيكونوا اكثر نشاطا في هذا الشهر من غير الفاسدين .
الفاسدون لا يؤمنون بالعدالة والمساواة . وعليه ينبغي ان يظهروا ذلك علنا . ليس هنالك افضل من شهر رمضان . . يختتم الفاسد سنته المالية بشهر رمضان بل ربما هو طقس للأحتفال بالمكاسب . تنتهي السنة المالية بخروف وعدد من قدور الطبيخ ليواصل لعبته ويتهيأ لعام جديد . لابد ان يتناول المهمشون اللحم مرة واحدة في العام كي لايصابوا بداء النقرس . لابد من هذا الافتراق والمسافة الشاسعة . لابد من احتكار داء النقرس . هذا العلاج السيكولوجي فعال جدا في ادامة الزخم والاستعداد لسنة جديدة حافلة بالقنص .
بأمكانكم تتبع المنبع الاصلي لموائد الرحمن . سوف تتصل في معظم الحالات بالمال الحرام . لن تكون تلك الموائد مقبولة الا اذا كانت من المال الحرام . هكذا تتطلب قوانين السماء . لذلك فان اللصوص وحدهم من يتقبل منهم .اللصوص وحدهم لهم الحق في أقامة موائد الرحمن . . وبسبب تدخلات اللغة والتسميات التي تشوش بها على ما يجري حقا يصعب على ذوي النوايا الحسنة وغير الفاسدين رؤية هذه الحقيقة .
تقول الآية الكريمة
(( والذين يقيمون موائد الرحمن من عرق الجبين والعمل الصالح اولئك هم الخاسرون . قل اسرقوا وانهبوا واقيموا موائد الرحمن من المال العام ذلكم وصاكم به ربكم . ان الله مع الفاسدين ))
تقاعد البرلمانيين
__________________
الى السادة أعضاء البرلمان
ألم تقرأوا ألآية الكريمة ؟
((تقاعدكم عار عليكم وعلى اولادكم وزوجاتكم وما ملكت أيمانكم وعلى امهاتكم و جداتكم وخالاتكم وعماتكم وحلائل ابنائكم التي من اصلابكم و ربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن , فان لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم .
وان ا أردتم ان تسرقوا المال العام فأفعلوا ذلك في السر لا في العلن ذلكم وصاكم به ربكم وهو خير الساترين ))