كان الشعار الذي رفعه الحسين عند خروجه للعراق سنة ٦٨٠ م هو ( انما خرجت لطلب الاصلاح لامة جدي ) . ولم يكن شعاره ( انما خرجت لطلب المواكب واللطم والبكاء والتمن والقيمة لامة جدي ) . ان الحسين لايريد من هذه الملايين من الرجال الذين تمرغلت انوفهم بالوحل من الفسادبالعراق كل هذه الشعائر التي مانزل الله والعقل بها من سلطان انه يريد منها ان تعيش بعزة وكرامة مثل الكوري والصيني والياباني ، الحسين وابيه وجده هذه الجبال العالية والرمز العاليه لايليق بها ان تختزل بهذه الشعائر السطحية . لايختلف اثنان ان الحسين بالجنة ( ان الحسن والحسين سيدا شباب اهل الجنة ) والمفروض ان يفرح له الناس لانه وصل الى هذاالمكان وهذه المنزلة الرفيعة عند الله وعند عباد الله الصالحين لا ان تبكي وتلطم عليه وتطلب له بالثآر وكانه شيخ عشيرة مقتول ولاتعلم عشيرته هل هو الان بالجنة ام في النار . والحسين يراقب من الجنة احوال العراقيين اليوم بعد قرابة ١٤٠٠ من مقتله وهو يشعر بالالم والاسى لحال امه جده عندما يرى الفساد الذي قتله ينام ويصحو وياكل ويشرب مع الشعب العراقي . فعندما خرج الحسين للعراق كان مظهر الاسلام بخير فالشام كانت اكثر الولايات الاسلامية تعبدا والتزاما بالشعائر من صوم وصلاة وحج وزكاة ، فمثلا عندما قتل علي بالمحراب ،تساءل اهل الشام ( أعلي يصلي !؟) لانهم كانوا ناقمين على علي لاعتقادهم ان علي لا يصلي ولهذا كان يحاربه خليفتهم معاوية التقي المؤمن الذي يصلي بهم خمس مرات باليوم . . وهذا يدل على قيمة الاسلام الشعائري عندهم . ولكن الحسين وابيه كانوا سابقين بالوعي زمانهم بقرون ويعرفون ان جدهم حمل الاسلام من اجل رفع شأن الانسان وليس الشعائر الدينية .لهذا قال الحسين ( ان الناس عبيد الدنيا والدين لعق على السنتهم ، بحوطونة مادرت معايشهم ) .
ان الحسين الانسان هو تربية ابية ( علي الانسان ) . فعلي كان حساسا جدا من الفساد لان الفساد ينتهك الكرامة الانسانية ويعبد الطريق لسفك الدماء وانتهاك الحرمات والحسين ورث هذه الحساسية من ابيه ودفع الثمن مثلما دفع ابيه الثمن . (علي الانسان) عندما راى الانسان الشريف يذل ويسحق باسم الدين على يد اخيه الانسان الفاسد الذي يتظاهر بالاسلام الشعائري لم يقف يتفرج لان الشعائر او اركان الاسلام الاربعة بخير وانما صرخ بوجوه الفاسدين الذين يتغطون بالدين قائلا لهم ( الا لايقولن رجال منكم غدا قد امتلكوا العقار وفجروا الانهار وركبوا الخيول الفارهة وتزوجوا الوصائف الرقيقية اذا مامنعتم غدا ان يقولو ا ان ابن ابي طالب قد منعنا من هذا ) . الحسين تربى في هذه المدرسة التي تسخر الدين لخدمة الانسان وترفض ان يكون الدين قناع يلبسه الفاسدين لاذلال الانسان . ففي مثل هذه الايام قبل ١٣٣٨ عاما حدث الصراع الكبير بين (المدرسة الانسانية ) التي يمثلها الحسين وابيه والتي تعتقد ان الانسان اغلى من الوجود وبين (المدرسة المادية ) التي يمثلها الفاسد يزيد وابيه التي تعتقد ان الانسان مجرد اداة تافهة تخدم الوجود. فالصراع كان بين ( مظهر الدين – الطقوس ) وبين ( جوهر الدين – كرامة الانسان ) . فالحسين وقبله ابيه عندما حاربا الفاسدين ( يزيد ، معاوية) بالنصف الاول من القرن الاول الهجري بعثا رسالة للاجيال القادمة ، بانه لايمكن ان يكون الدين غطاء لشرعنه الفساد وهدر الكرامة الانسانية . فالدين وجد لبناء الانسان و ليس رداء يلبسه الفاسدون لهدم الانسان .ولو كان الحسين حاضرا اليوم بالعراق وخرج على الفاسدين المتغطين بالاسلام الشعائري الذين يذرفون عليه بهذه الايام دموع التماسيح لرموه باعمدة الخيم التي يوزعون فيها التمن والقيمة للناس.