شهدت مدينة الكوت العراقية مساء يوم الأربعاء الماضي كارثة أنسانية عندما ألتهمت النيران مركزا للتسوق والمكون من خمسة طوابق والمعروف بأسم ” هايبر ماركت الكورنيش” وقد اودى بحياة اكثر من ثمانين ضحية إلى جانب عشرات الجثث المتفحمة والغير مع روفة الهوية وعشرات المصابين الذين يرقدون في مستشفى المدينة, أنها مأساة وكارثة إنسانية بكل المقاييس في أوقات يذهب أليها اهالي المدينة للتسوق في هذا المكان أو للأستراحة وتمضية بعض من الوقت للأبتعاد عن مصاعب الحياة اليومية والبحث عن فرص للأسترخاء والتسلية .
وتأتي هذه “المأساة” لتجدد النقاش وتعيد إلى الذاكرة الحديث حول تراخيص المراكز التجارية ومدى التزامها بشروط السلامة والوقاية، في ظل غياب آليات رقابة صارمة، وتضاف إلى سلسلة من الحرائق الكارثية التي شهدها العراق في السنوات الأخيرة. ففي مدينة الموصل وفي حفل زفاف في العام 2023 أودى بحياة أكثر من 100 شخص وإصابة العشرات. كما شهدت العاصمة بغداد، في عام 2021، اندلاع حريق ضخم في مستشفى “ابن الخطيب”، نجم عن انفجار خزانات الأكسجين في قسم المصابين بفيروس كورونا (كوفيد-19)، أسفر عن مقتل أكثر من 80 شخصا وإصابة العشرات، معظمهم من المرضى.
وفي العام نفسه، شهدت مدينة الناصرية حريقا كارثيا آخر في مستشفى الحسين، وتحديدا في جناح عزل مرضى (كوفيد-19)، وقد سبب الحريق بأكثر من 170 بين وفاة وجريح، وكان سببه خللا كهربائيا وانفجارا في خزانات الأكسجين.
وأنقل هنا تصريحين أحدهما لمحافظ الكوت محمد المياحي حيث قال:
أن مالك مركز التسوق الذي اندلع فيه الحريق لا يمتلك إجازة بناء أو استثمار، مشيرًا إلى أن “المول افتُتح قبل يومين فقط دون الحصول على الموافقات الرسمية، وأن صاحبه تحايل على الدوائر المعنية”. والتصريح الٱخر للسيد رئيس الوزراء العراقي محمد السوداني حيث أكد ووصف الحادث بأنه «شكل من أشكال القتل، والفساد الذي لا يقتصر على اختلاس الأموال فقط، وإنما (كذلك) في التساهل والتغاضي عن الإجراءات الفنية والإدارية المطلوبة بشأن إجراءات السلامة لهكذا مراكز تسوق». أما الفريق المشكل من قبل لجنة النزاهة في البرلمان لهذا الغرض فقد كانت سرديته: عدم توفر منظومة إطفاء متكاملة، مما تسبب بالتهام النيران الطوابق الأخرى، فيما فاقم النتائج عدم توفر مخارج طوارئ، منبهة إلى عدم وجود متابعة من مديرية الدفاع المدني لمنظومة الإطفاء عند افتتاح المركز، وفق وسائل إعلام عراقية.
عندما يصرح محافظ المدينة بهكذا تصريحات والمفروض أن يكون أول من يعلم بما يجري في محافظته من أنشطة وبناء وافتتاح مولات وما دور مجلس المحافظة من هذه الأنتهاكات اذا صدقت رواية المحافظ أم ان هناك تخادم وتحالف غير نزيه بين سلطات المحافظة واصحاب المشاريع التجارية. اما تصريحات رئيس الوزراء وفريق التحقيق النيابي وهم أعلى سلطة في البلاد فهي تعكس حجم الفساد السياسي والأجتماعي والعجز الحكومي في تأمين حياة ٱمنة من الكوارث وعدم مقدرتهم محاربة الفساد الذين يعرفون جيدا حجم تفاصيله ورموزه ولكن طبيعته المافوية وتخادمه المشترك مع مختلف رموز الطبقة السياسية يقف حائلا دون ذلك.
نظام المحاصصة فاقد لأي آلية لحماية المؤسسات المجتمعية من اي طارئ مفاجئ, لأن بنية النطام غير قادرة على توفير الحد الادنى من الضمانات ضد الكوارث المحتملة هذا على افتراض ان لم تكن الجريمة بدوافع سياسية مباشرة تكمن اسبابها في سر نطام المحاصصات البغيض الذي عرض كل البنية التحتية المجتمعية ومؤسساتها لسنة الصراع الطائفي السياسي والاثني القائم على تدمير الدولة ومؤسساتها بهدف احلال الخراب المستديم الذي تقتاد عليه مليشيات اللادولة في صراعها من اجل تدمير العراق وتحويلة الى كانتونات طائفية واثنية مسلحة تعم فيها مزيدا من الفوضى واللاخدمات وتحويل الحياة العامة الى مزيدا من العسكرة العبثية وفوضى السلاح الذي يتنافى مع منطق الدولة التي هي المحتكر الوحيد للسلاح.
ان هذا النوع من الجرائم المرتكبة وذات الطابع المقصود بسبب بنية النظام المتهالكة والفساد العام المقصود والمخطط له لتخريب مؤسسات الدولة في اطار العبث بمعايير الأداء السليم, وان كانت شرارتها اعمال فردية مقصودة وغير مقصودة, فهي تعكس حجم الهلاك والتردي الداخلي الذي يجسد بوضوح انعكاسات المحاصصة في الأطراف كما في القمة, انه عمل يحمل الكثير من القصدية في نتائجه النهائية لتخريب المجتمع ومؤسساته, وبالتالي فهي جرائم لا يمكن ان تسقط بالتقادم, أسوة بجرائم الحروب الطائفية والتهجير وتدمير المدن وسلب الممتلكات العامة والخاصة وقتل المحتجزين, وان من يحرض عليها ويرتكبها يجب ان يساق للعدالة, فهي جرائم ضد الانسانية, وقد انتهكت في العراق كل حقوق المواطن الاقتصادية والاجتماعية والسياسية بكل تفاصيلها بلغت حد تهجيره وقتله ومصادرة ممتلكاته.
الرحمة والسلام الأبدي لأرواح ضحايا هايبر ماركت الكورنيش الكوت والشفاء للمصابين والخزي والعار الفاسدين.