18 ديسمبر، 2024 8:48 م

فاجعة الثامن والعشرون من صفر

فاجعة الثامن والعشرون من صفر

يقول الأستاذ المحقق الشيخ”جعفر السبحاني”، في كتابه(سيرة سيد المرسلين/ج٢ص٦٦٣و٦٦٤)، مشيراً إلى بعض المصادر التاريخية في النقل:
((في منتصف يوم الاثنين الثامن والعشرين من شهر صفر، طارت روح النبيّ الأكرم المقدّسة إلى بارئها، وإلى جنان الخلد، فسجّي ببرد يماني، ووضع في حجرته بعض الوقت، وارتفعت صرخات العيال، وعلا بكاء الأقارب فعرف من كان في خارج المنزل أن النبيّ صلى الله وآله قد قضى، فلم يلبث أن انتشر نبأ وفاته في كل أنحاء المدينة التي تحولت بسرعة إلى مناحة كبرى، ومأتم عظيم.
فصاح الخليفة الثاني خارج البيت، ولأسباب خاصة أن النبيّ لم يمت إنما عرج بروحه كما عرج بروح موسى، وأنه لا يموت رسول الله صلى الله عليه وآله! وأصر على هذا الموقف وهدّد كل من يخالف ذلك، وكاد يوافق عليه فريق من الناس لولا أن أخد الصحابة تلا عليه قول الله سبحانه:
(وما محمد)
حتى فرغ من الآية، فسحب عمر موقفه ، مستغرباً من وجود مثل هذه الآية قائلاً: هذا في كتاب الله؟
ثم قام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام، بتغسيل جسد النبيّ الطاهر وكفنه لأن النبيّ صلى الله عليه وآله كان قد قال:”يغسلني أقرب الناس إليّ” ولم يكن ذلك سوى عليّ عليه السلام.
ولما فرغ”عليّ” من تغسيل النبيّ صلى الله عليه وآله كشف الإزار عن وجهه صلى الله عليه وآله، وقال والدموع تنهمر من عينيه الشريفتين:
(بأبي أنت وأمّي طبت حيّاً وطبت ميتاً، انقطع بموتك ما لم ينقطع بموت أحد ممّن سواك من النبوة والأنباء، ولولا أنّك أمرت بالصبر، ونهيت عن الجزع لأنفذنا عليك ماء الشؤون ولكان الداء مماطلاً، والكمد محالفاً وقلّا لك، ولكنه ما لا يملك ردّه ولا يستطاع دفعه! بأبي أنت وأمي أذكرنا عند ربك، واجعلنا من بالك؟).
ثم إن الإمام أمير المؤمنين” عليّ بن أبي طالب”عليه السلام، كان أوّل من صلى على جثمان رسول الله صلى الله عليه وآله، ثم صلى عليه المسلمون جماعة جماعة، ثم تقرّر دفنه صلى الله عليه وآله في حجرته المباركة.
فقام أبو عبيدة الجراح وزيد بن سهل بحفر قبر له صلى الله عليه وآله، وإعداده ثم دفن صلى الله عليه وآله في تلك الحجرة على يد أمير المؤمنين عليّ عليه السلام، يساعده في ذلك الفضل والعباس.
وهكذا غربت شمس أعظم شخصية غيرّت مسار التاريخ البشري بتضحياته الكبرى وجهوده المضنية، وأعظم رسول إلهي فتح أمام الإنسانية صفحات جديدة ومشرقة من الحضارة والمدنية)).