من المعلوم إن حرية التعبير مرتبطة تماما بعدم التجاوز والتعدي على حقوق الآخرين أو الإساءة لهم والتنكيل بمعتقداتهم و دياناتهم وهذه قاعدة إنسانية و أخلاقية لا يمكن الحياد عنها أو تجاوزها.
إن الحملات الشنيعة والشعواء التي طالما تعرض لها المسلمين والإسلام و رسوله الكريم ما هي إلا دليل عظيم على عظمة ومكانة الدين الإسلامي الحنيف ونبيه الكريم.
لا يضر العملاق ولا ينقص من شأنه مثقال ذرة أمام تطاول الأقزام عليه فتبقى الأقزام أقزامُ مهما عَلا شأنها وبلغ تطورها.
إذا كانت فرنسا تدعي إن الإساءة للرسول الاعظم محمد(صلى الله عليه وسلم) تندرج ضمن حرية التعبير فلماذا من ينكر أو يشكك بالمحرقة النازية(الهولوكوست) يُضرب و يُسجن
ألا يندرج ذلك ضمن حرية التعبير؟! والذي يشتم الرسول محمد(صلى الله عليه وسلم) يعتبر حرية رأي وما شاكل ذلك من هذه الترهات.
ما هذه السذاجة والتخلف؟
في عام(1990) شكك أستاذ التاريخ والمؤرخ الفرنسي(روبير فور يوسن) شكك في مدى صحت المحرقة النازية الهولوكوست بحق اليهود فقام مجموعة طلاب يهود بضربه ضرباً مبرحاً ونقل وقتذاك إلى المستشفى حيث دخل في غيبوبة لمدة شهرين، لكن لم ينتهي فقط عقابه هكذا.
فبعد خروجه من المستشفى تم إعتقاله ومحاكمته بتهمة إنكار الهولوكوست وسجن لثلاثة أشهر مع دفع غرامة مقدارها(120) فرنك لإحدى الجمعيات اليهودية ولم ينتهي عقابه هكذا أيضاً بل فصل من التدريس الجامعي و سُحبت كتبه من التداول ومنعه من دخول اغلب أراضي الدول الأوربية.
حتى الشرطة رفضت حمايته بسبب تعرضه للتهديدات وبقى رهين جدران منزله إلى أن توفى عام(2018) ولم يحضر أحد جنازته، هذه عدالة فرنسا وحرية الرأي فيها.
ولو نراجع التاريخ سنجد أن الكنيسة الفرنسية نفذت مجزرة كبيرة بحق أكثر من (ستين ألفاً) من مسيح البروتستانت في يوم واحد وذلك لأنهم يختلفون فقط بالمذهب معهم.
بالأمس القريب أعادة فرنسا (24) جمجمة بشرية وهي جماجم شهداء المقاومة الجزائرية ضد الإحتلال الفرنسي والتي بقت محتجزة في فرنسا منذ (160) عام في المتحف الوطني للتاريخ الطبيعي في باريس بعد أن جرى تحنيطها بمادة مسحوق الفحم.
الانتهاكات الفرنسية بحق الشعب الجزائري والشعوب العربية كثيرة ففي 17 أكتوبر من عام(1961) خرجت مسيرة سلمية من الرجال والنساء والأطفال والذين كانوا قادمين من الأحياء الفقيرة المتهالكة حيث بلغ عدد هذه المسيرة نحو(80) ألف جزائري من أجل الدفاع عن حريتهم و كرامتهم غير أنهم تفاجئوا بإطلاق النار عليهم
و ألقي العديد من الجزائريين من جسر(سان ميشال) في نهر السين أما الآخرين أُقتيدوا إلى السجون ليقبعوا تحت التعذيب والقسوة.
هذا جزء بسيط من الإنتهاكات الفرنسية بحق الشعوب العربية والإسلامية بل وحتى غير المسلمين ومع كل ذلك وفرنسا تدعي حقوق الإنسان وحرية التعبير
فيالى هذه السذاجة!!
ماكرون أعلن إن بلاه لن تتخلى عن الرسوم الكاريكاتيرية المسيئة بحق الرسول(صلى الله عليه وسلم) و أصر على نشر هذه الرسوم للتعبير عن حرية الرأي وحقوق الإنسان.
لكن لنفترض أن رسام كاريكاتير مسلم رسم رسوم ساخرة لشخصية غير مسلمة ذات مكانة دينية و إجتماعية في فرنسا أو أي مكان آخر في أوربا.
فماذا كان سيحدث؟
وما هو رد ماكرون ومن معه؟
لقامت الدنيا ولم تقعد ولسجن هذا الرسام المسلم ونكل به، وهذا ما يسمى بإزدواجية المعايير التي تحكم فرنسا وغيرها.
لا يكفي فقط أن تُقاطع المنتجات الفرنسية بل يجب على الحكام أن يقدموا مذكرات إحتجاج شديدة اللهجة لسفراء فرنسا في الدول العربية والإسلامية لا بل يطردوا و تُغلق السفارات والقنصليات الفرنسية وهذا سوف يكون له تأثير سياسي و إقتصادي على فرنسا وإن كان كل هذا بعيد المنال في أيامنا هذه!
يبقى السؤال يطرح نفسه واللغز المشبوه وهو لماذا حدث في هذا الوقت بالتحديد عرض صور كاريكاتير مسيئة للنبي محمد(صلى الله عليه وسلم) مع الموجة الإعلامية التي حدثت وخصوصاً في المنطقة العربية؟
ولماذا حدث ذلك بعد إستمرار عملية التطبيع مع إسرائيل مع عدد من الدول العربية و آخرها السودان؟
كان لابد من غطاء لصرف ولفت أنظار الدول العربية والإسلامية إلى أشياء بعيدة عن هالة التطبيع مع إسرائيل وهذا ما خُطط و دُبِر له بظهور الرسوم الساخرة المسيئة للرسول الاعظم لكي يبقى التطبيع مستمر و يجري بسلاسة وعلى قدم وساق بينما الإعلام العربي والشعب العربي والإسلامي منشغل بحادثة فرنسا بعدما كان منشغل بعملية التطبيع مع الإستنكارات وعدم الرضا والتصعيد الإعلامي والغضب الشعبي تجاه إسرائيل.