غَزَّة لَم تَهزِم ولم تَنكسِر- بل صَنعَت التَّاريخ

غَزَّة لَم تَهزِم ولم تَنكسِر- بل صَنعَت التَّاريخ

تتناقلَ الأخبارُ أنَ مفاوضاتِ وقفِ إطلاقِ النارِ بينَ قيادةِ حركةِ حماسَ والكيانِ الصهيونيِ المحتلِ تجري حاليا وفقَ المقترحِ الأمريكي، وبرعايةِ وسطاءَ منْ مصرَ وقطرَ وعدد منْ الدولِ الأخرى . بعد أن وافقتْ الحركةُ على مسودةِ الاتفاق، إدراكا منها لأهميةِ الحفاظِ على حياةِ أبناءِ الشعبِ في غزة، الذينَ صمدوا في وجهِ العدوانِ بكلِ بطولة، وعلى الرغمِ منْ هذهِ الخطوةِ المهمة، فإنَ الحقيقةَ التي لا يمكنُ إنكارها هيَ أنَ حماسَ لمْ تهزم، وأنَ غزةَ خرجتْ منْ هذهِ المعركةِ مرفوعة الرأس، ومعها رؤوسُ العرب، والمسلمين، وكلً أحرارُ العالم.

  لقدْ واجهتْ الكيانَ الصهيونيَ بإمكانياتٍ متواضعةٍ لأكثرَ منْ سنتين، قويةٌ في معناها ومبدأها، رغمَ الدماءِ الطاهرةِ التي سالت، والدمارُ الهائل، والمجازرُ الوحشيةُ التي ارتكبتْ بحقِ المدنيينَ الأبرياء. أصبحَ واضحا أكثرَ منْ أيِ وقتٍ مضى، أنَ غزةَ لمْ تكسرْ ولنْ تكسرا. لقدْ راهنَ الاحتلالُ الصهيونيُ على كسرِ إرادةِ الشعب، وتحطيمَ الروحِ الفلسطينية، لكنهُ فوجئَ بأنَ ما حسبهُ نصرا عسكريا تحولَ إلى هزيمةٍ أخلاقيةٍ وسياسيةٍ مدوية. لدى العالم. بلْ إنَ الاحتلالَ يواجهُ اليومَ أزمةً داخليةً وجودية، حيثُ بدأتْ تتلاشى أوهامَ ” الأرضِ الموعودةِ “، وتحولَ تركيزُ الكثيرِ منْ المستوطنينَ نحوَ الهربِ والعودةِ إلى الدولِ التي قدموا منها، بعدما اكتشفوا زيفُ الروايةِ الصهيونيةِ، وأكاذيبُ الإعلامِ الذي خدعهم.

     أصبحتْ غزةُ اليوم، بكلِ ما فيها منْ جراحٍ وألم، رمزا عالميا للمقاومةِ والصمودِ ؛  أطفالاً ونساءً ورجالاً ومقاتلين، يواجهَ واحدةً منْ أكثرِ آلاتِ القتلِ تطورا في العالم، بلا غطاءِ جوي، ولا جيش نظامي، ولا حمايةً دولية. ومعَ ذلك، فإنهمْ يصنعونَ تاريخا جديدا، لا يكتبُ بالحبر، بلْ بالدمِ والشرف. ليسَ بالتفاوضِ والمجاملات، بلْ بالإصرارِ والتضحية. غزة اليومِ لا تقفُ وحدها، بلْ تمتدُ جذورها في ذاكرةِ كلِ الشعوبِ الحرة. لقدْ أعادتْ إلى الأذهانِ ملاحمَ الشعوبِ العربيةِ التي قاتلتْ منْ أجلِ الحريةِ والاستقلال. أعادتْ إلينا وجعُ المليونِ شهيدٍ في الجزائر، وبطولةُ عمرْ المختارْ في ليبيا، وثورةُ العشرينَ في العراق. تلكَ الروحِ نفسها، بلْ ربما أشد، نشهدها الآنَ في شوارعَ غزةَ وحاراتها المدمرة. ومنْ تحتِ الركام، نهضتْ غزةُ — عروسُ فلسطينَ — موشحةَ بدماءِ أبنائها الأبطال. لمْ تنكسر، ولمْ تنحن، بلْ أعادتْ تعريفَ معنى النصرِ والهزيمة. فالنصرُ لا يقاسُ بعددِ الغاراتِ أوْ الصواريخ، بلْ بقدرةِ الإنسانِ على التمسكِ بحقه، والدفاعُ عنْ كرامته، ومواجهةُ الظلمِ ولوْ كانَ العالمُ كلهُ ضده. وهذا ما فعلتهُ غزة. أيقظتْ ضميرَ العالم، وفضحتْ الزيفَ الأخلاقيَ ، الذي كانَ يتخفى خلفَ أقنعةِ الدعمِ الأعمى للاحتلال. لقدْ بدأَ الرأيُ العامُ في أمريكا وأوروبا يتغير. حيثُ كانَ دعمُ ” إسرائيلَ ” عقيدةً راسخةً لعقود، خرجتْ اليومِ الملايينُ إلى الشوارعِ تهتف: ” أوقفوا الإبادةُ ” ” الحريةُ لفلسطين ” ” ارفعوا الحصارَ ” مشاهدَ لمْ نكنْ نحلمُ بها قبل سنواتٍ قليلة، لكنها اليومَ أصبحتْ واقعا حيا، يترجمَ غضبُ الشعوبِ وتحولَ وعيها. غزة لمْ تعدْ مجردَ مدينةٍ تحتَ القصف، بلْ صارتْ قضيةٌ عالمية، وشعلةٌ لا تنطفئُ في وجهِ الظلم. . الزمنُ القادمُ لنْ يكونَ كما قبله. القدسُ لنا) التي أنشدتْها فيروزْ ” أصبحتْ أقرب الينا، لأنَ غزة، قالتْ كلمتها: لنْ نرحل، لنْ نكسر، لنْ نهزم.

أحدث المقالات

أحدث المقالات