10 أبريل، 2024 3:08 ص
Search
Close this search box.

غياب الوعي الجماهيري ومقومات الثورة

Facebook
Twitter
LinkedIn

تسعى الشعوب النابضة بالحياة ان تنتصر لهويتها ووجودها و لا يمكن ان ترضخ امام الظلم والطغيان، والمظلوم مهما طال به الزمان وهو قابع في سجون الظالمين ان ينتفض ضد هذا الظالم، وقد تختلف ثورة المظلوم في شكلها واساليبها، حيث ان ثورة العقل وتحرير الفكر من تبعيته للظالم من اهم مقومات النصر، واكاد اجزم ان مفتاح أي ثورة في التاريخ يكون بثورة العقل والفكر قبل ثورة الاطاحة بالكراسي، لانه التحرر من سيطرة القائد الضرورة وانفتاح الوعي الجماهيري على افكار اخرى غير سجن الافكار الذي تمت صياغته في اروقة القيادة القطرية والقيادة القومية هو جوهر اهداف الثورة الكبرى.

وعلى مر التاريخ ومن خلال تتبع سيرة الشعوب نرى ان الثورات (الجماهيرية) لا الثورات (المصممة في اروقة السياسة) قليلة ولا تلبث ان تخفت نار جذوتها ، وهذا مرده الى عدة اسباب ، ندرج اهمها ولضيق المقام .

السبب الاول، قبل الخوض في غمار هذا السبب، ارى توضيح الاتي؛ تحتاج الثورة الفكرية الى ثلاث عناصر رئيسية، القيادة و الجماهير المؤمنة بهذه القيادة والفكر الذي يقود هذه الجماهير، غالبا ما تفتقر الثورات الجماهيرية احد هذه العناصر، او في احسن تقدير تفقد احد هذه العناصر.

فمثلا، الثورة الفرنسية ، حيث كان الشعب الفرنسي مقسم الى اربعة اجزاء، الطبقة الاولى هي الطبقة الحاكمة من ملك والملكة والحاشية، الطبقة الثانية هي الطبقة الارستقراطية والطبقة الثالثة هي طبقة رجال الدين أو الإكليروس (الإكليروس هو النظام الكهنوتي الخاص بالكنائس المسيحية ولم يظهر هذا النظام إلا في القرن الثالث الميلادي ) والطبقة الرابعة هي طبقة الفلاحين (عامة الشعب)، والثابت عند اهل الخبرة في تاريخ اوربا ان طبقة الفلاحين قامت بهذه الثورة ضد سطوة رجال الملك وللقضاء على الفقر والجهل والظلام وكذلك للتخلص من سطوة الكهنوت على عقول الشعب، ولكن كانت هناك ايادي خفية على الناس تعمل من خلف الستار على تاجيج الشعب ضد الملك وعملت مع التجار (اليهود) على تجويع الشعب الفرنسي ، والهدف معروف من هذه الحركة والتي جاءت بعد ان كشفت حكومة ملك فرنسا مخططات النورانيين (الماسونية) ، اذن وعودة على موضوعنا فان عناصر الثورة كانت تحتاج الى العنصر الاول وهو القيادة الواعية الحقيقية ، لذا فان الثورة الفرنسية بشعارتها البراقة كانت عبارة عن تصفية حساب مع الحاكم وقدمت قرابين من حياة الشعب الفرنسي من الكادحين والعاملين على قوتهم اليومي.

السبب الثاني ، عدم وجود عناصر ديمومة الثورة بعد قيامها وانصراف القيادة الى امرين :

الامر الاول ، هنالك بعض قيادات الثوار يكون دافعهم للثورة هو الثأر الشخصي (كما حدث في ثورة الفلاحين الاسكتنلديين ضد حكم ملك بريطانيا)، وتراهم بعد انتصار الثورة ينصرفون الى بيوتهم للانعزال ليستولي على ثمار هذه الثورة من كان بالامس معاديا لها ، وهذا ما شهدنا في العراق بعد زوال حكم البعث الصدامي حيث ان المقاتلين الاوائل الذين جاهدوا البعث داخل العراق (اشدد على داخل العراق) ولم يهربوا من المواجهة وقدموا التضحيات من دمائهم وعوائلهم ومن اعمارهم ومستقبلهم ، انعزلوا عن قيادة المرحلة ما بعد البعث وجاءت قيادات كانت تعمل لصالح البعث واستلمت القيادة، والطريف في الامر وهذه شهادة للتاريخ اسجلها ، ان احدهم التقيت به في احد الاماكن وهو معروف بانه من كان يقمع ثوار الانتفاضة الشعبانية وكان من ازلام المقبور قصي صدام ، وهو الان من قيادات العراق وقال لي بالنص (انني لو محصلك بذلك الوقت كان اعدمتك لانك مطلوب عدنا).

الامر الثاني ، يوجد ما يشابه العرف لدى الشعوب ان الذي يتولى الحكم هو غير الذي يتولى القيام بالثورة ، كون ان المتصدي للثورة اذا انتقل الى سدة الحكم سوف يكون سعيه هو كرسي الحكم ليس الا، نعم ، انا اتفق واخالف هذا التوجه، كونه امر نسبي لا يمكن الجزم به ، حيث ان القيادة الالهية (أي الرسالة السماوية) يجب ان تكون ذات قيادة الثورة الدينية هي القيادة السياسية، كما هو الحال في قيادة النبي محمد (صلوات الله عليه واله وسلم) للثورة الاصلاحية والقيادة السياسية، وكذلك في عصرنا الحاضر قيادة السيد الامام الخميني للثورة الاسلامية في ايران ، اما الثورات ذات الطابع السياسي فالافضل ان تكون قيادة الثورة مرحلية والانتقال من مرحلة الثورة الى مرحلة الدولة.

السبب الثالث والاخير ، ان اغلب الثورات لا تمتلك مقوم الوعي الجماهيري الحقيقي، واقرب مثال على هذا الامر هي ثورة الامام الحسين بن علي (عليه الصلاة والسلام) ، فلا اظن ان هنالك عاقل في الكون يظن سوء بثورة الامام الحسين، فلقد كانت ثورة اصلاحية اجتماعية قبل ان تكون ثورة الهية، ولكن السؤال الذي استمر على مر التاريخ قلة المناصرين لهذه الثورة والامر وصل الى 72 مؤمن بثورة الامام الحسين بالاضافة الى 32 فرد من اهل بيته المؤمنين بهذه الثورة، اذن اين بقية الامة الاسلامية، هل من المعقول ان 1/10000 من تعداد الامة الاسلامية فقط مع الامام الحسين ، هل من المعقول ان الامة يصل بها الخذلان لرسول الله وهو بعد لم يغادرهم لاقل من 40 سنة ان تقف بالضد من وريثه بالحق في القيادة الدينية والدنيوية ، اذن غياب الوعي الجماهيري وعدم ادراك الخطر المحدق من اهم مقومات خسران الثورة، نعم ان ثورة الامام الحسين انتصرت وستبقى منتصرة على مر التاريخ ، لكن البعد العسكري لواقعة الطف يرجح الكفة الى معسكر الجيش الاموي.

وللحديث تتمة في الحلقات القادمة … اذا بقيت للحياة

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب