حجم التظاهرات والغضب الجماهيري في تزايد مابين الجمعه والأخرى التي تليها والعجز الحكومي لتنفيذها وترجمتها الى واقع بات واضحاً ومثيراً للجدل على الرغم من تلك الفرصة التي اتيحت للعبادي والتي لم يحصل عليها احد قبله ( فرصة الدعم الجماهيري والمرجعي) لتأتي الأمور على غير المتوقع ودون المستوى المطلوب قياساً بمطالب المتظاهرين وارادة الشعب لاصلاح الفساد ومحاربة الفاسدين.
ويعزى ذلك لأسباب عديده من اهما وفي مقدمتها هي الكيفية التي تشكلت بها الحكومات المتتالية مابعد ٢٠٠٣ والتي سبقت حكومة العبادي حيث اتسمت تلك التشكيلات بقاسمٍ مشترك في هيكليتها التي تمثلت بالمحاصصه الحزبية والتي بدورها قسمت الأدوار في المشهد السياسي على أساس طائفي لينتهي الامر بتسمية الوزارات بأسماء تلك الاحزاب ولايستطيع حتى رئيس الوزراء اختراقها او مجرد الاصطدام بها بالرغم من صلاحياته، وبداءً كان ذلك جلياً حيث ان العبادي لم يتجرأ عن إلغاء عضويته في حزب الدعوه حتى وان الأخير قد وجهت اليه الاتهامات المباشره بالفساد وبالوثائق وان اقرب الناس اليه قد صدموا لما يمتلكه هذا الحزب من تاريخ نضالي، فوصف الكثير من السياسيين ان خطوة تعليق العضوية تعبر عن وطنيته واستقلالية العبادي وتجعله يمتلك أفق أوسع من الحرية فيما اذا سعى الى تعليقها ولكنه للأسف لم يجروء على فعل ذلك الامر الذي جعله ضعيفاً في القدره على مخاطبة اي جهة حزبيه تمت ادانتها بالفساد وفي اكثر من ملف وبوثائق دامغه ليعطي رساله واضحه عن مستوى ذلك العجز لمقارعة الفساد وبالتالي كان هذا الامر ذاته الذي منعه من تحجيم رؤوس الفساد او إقامة الحد عليهم الامر ساعدهم ليتمكنوا في التمويه لغرض الافلات والتنصل من مسؤلية ماقاموا به فذهب البعض منهم الى تقديم استقالاته والبعض الاخر ألغيت مناصبهم تحت عنوان التقشف للخروج بماء الوجه او ابعادهم عن المسائلة القانونيه جراء افعالهم وبذلك يسهل من عملية هروبهم فيما بعد كالذين سبقوهم وبطريقه غير مباشره ليعيشوا بقية أيامهم السياسيه كمعارضين في دولٍ تتجاذب معهم في الأيديولوجية وتدعمهم في كثير من الأحيان وتستخدمهم كاداة لإدارة مصالحا داخل البلد.
وهنا لايتطلب منا الاستغراب لان نشهد ولادة مرحلة جديده نستطيع ان نطلق عليها سياسة الخطاب الأجوف الذي لايغني من جوع والتي هي حصيلة الستة أسابيع الماضيه حيث تحولت مطالب المتظاهرين الى إصلاحات وهمية والى حزم اصلاحية مفادها إعلامي لتهدئة وامتصاص ذلك الهيجان الجماهيري، حيث جاء ذلك على العكس تماماً للمتوقع لان الوعود التي أطلقت بالضرب بيدٍ من حديد والقصاص من الفاسدين وغيرها من العناوين الرنانه التي تصدرت الخطاب في الأيام الاولى أخذت بالانحسار شيئاً فشيئاً لتصل الى نقطة الصفر لتتزامن مع تلك الزيارة لرئيس الوزراء الأسبق وتحديداً بعد عودته من ايران بدى ذلك الانعطاف واضحاً في التسويف لتنفيذ المطالب ولكن هذه المرة استخدم بذكاء حيث أعطيت الفرصة الى توسيع مساحة الحرية للجماهير وبان ذلك من خلال المطاليب التي بدأت تمس بدل الأشخاص احزاب لم يجروء احد مجرد الاقتراب من سيرتها في السابق كونها تشكل خطوطاً حمراء وهذه بحد ذاتها سابقه خطيرة لان البلد لايمتلك تلك الأجواء الديمقراطية ولكنها نوع من انواع التمويه لتجنب الاصطدامات التي قد تثير الفوضى وخصوصاً ان البلد يشهد حالة حرب مع تيار متطرف تدعمه دول الجوار التي طالما سعت للنيل من هذا البلد الذي تعتبر قوته ونهوضه يسبب ارقاً سياسياً واقتصادياً لها.
وبالإضافة الى كل ماتقدم وعلى الرغم من تزايد إعداد المتظاهرين الأبطال فان الضعف الاداري والقيادي الواضح لهذه الحشود الغاضبه شكل نوعاً من الاسناد لذلك الضعف الحكومي وبالتالي نلحظ ذلك البطيء في عملية التنفيذ لان مستوى الضغط أدنى بكثير من مستويات الفساد وبشكل غير مباشر حيث لم نشهد ولحد الان اي ونيه لإجراء حواراً مباشراً بين الحكومه والمتظاهرين بل اقتصر على مناوشات في الرسائل وأكثرها كان عبر الاعلام الامر الذي يقود الى الحكم بان طموحات ومطالب الجماهير اكبر بكثير من ذلك الحراك التنفيذي الذي تزعم الحكومة انها تمضي قدماً لتحقيقه، لتستمر الثورة وتسحق كل من يريد اجهاض أهدافها .