19 ديسمبر، 2024 1:44 ص

غياب الحليف الإستراتيجي للعراق

غياب الحليف الإستراتيجي للعراق

في سياسة الدول القائمة على أساس المصالح العليا للبلاد يتحتم وجود تحالفات إستراتيجية مع دول كبرى تملك وسائل متقدمة في الاقتصاد والسياسة والدفاع , ولقيام هكذا تحالفات يتعين وجود رؤيا لدى الدولة المعنية بهذا الشأن وهذا لا يأتي إلا من خلال وجود مؤسسات تخطط وتسير الدولة لا وجود كيانات سياسية قائمة على تسخير إمكانات الدولة لخدمة مصالح تلك الكيانات وشخصوها , وبالتالي تدار الدولة من قبل مجموعة من الكانتونات السياسية التي تتصارع فيما بينها وتجد السعي للاستئثار بأكبر حصة من المناصب من اجل تحقيق غاياتها ومصالحها الذاتية , وهذا ما حصل في العراق بعد التاسع من نيسان 2003 حيث جاءت فلول متشردة من أشباه السياسيين  الموتورين الذين عاشوا الإذلال وامتهنوا الاستجداء في دول هنا وهناك وجدت نفسها دون سابق إعداد على سدة الحكم لتتسلط على ثروات البلاد ومقدرات الأمة فتعاملت مع تلك الثروة بطريقة النهب وهيأت لذلك كل أسباب البقاء في مقامها مهما كلف الثمن . لذا لم تنجح تلك المسميات في بناء الدولة إنما ساهمت في خلق الفوضى  وحولتها إلى فوضى هدامة  وأفقدت بهذا الدولة العراقية من الاستفادة من التغيير الذي صنعته الإرادة الأمريكية التي وجدت نفسها أمام خليط غير متجانس من نكرات أسبغت عليهم صفة تمثيل الطوائف وصنعت من البعض منهم أمراء حرب  تحركهم كيف تشاء دون مراعاة لا لمصالح البلاد ولا لمصالحها كدولة صانعة للقرار العالمي لأنها لم  تجد شخصا واحد من جوقة سياسي الصدفة في العراق يملك رؤيا لتأسيس الدولة العراقية  الجديدة بعد سقوط صنم الديكتاتورية إنما وجدت أقزاما تريد أن تغير من حجمها ولا تحاول الخروج من ثوبها الرث الذي اعتادته أيام التسكع على أبواب الحكومات والمؤسسات في دول الجوار والعالم , إن قيام علاقة الدولة بالدولة الأخرى يستلزم وجود طبقة حاكمة ترتبط بدولتها ارتباطا حقيقيا يقوم على أساس الوطنية وعلى أساس رعاية المصلحة العليا للبلاد , فلو نظرنا للعلاقة مع إيران الدولة الجارة التي احتضنت اكبر فصائل أحزاب السلطة الحاليين  نجد هؤلاء لا زالوا يرون العلاقة مع إيران علاقة التابع والمتبوع لا علاقة الدولة بالدولة , وارتضوا لأنفسهم السير بذات الطريق حينما كانوا أدوات بيد إيران تحركهم كما تريد وحيث تريد ولم يفكروا مجرد تفكير في كيفية إيجاد علاقة إستراتيجية يمكن أن تحقق للعراق الشيء الكثير لا كما هو حاصل ألان حيث اضطرت إيران للتعامل مع العراق وكأنه حديقة خلفية لها فأسست لها مواطن قدم في كل مفاصل الدولة العراقية وصارت تسير عن بعد ومن قرب دمى السياسة العراقية دون أن تهتم للتعامل مع العراق كدولة ترتبط معها بأكثر من رابطة بل سلبها الغباء السياسي لأحزاب السلطة فرصة التعامل مع العراق كدولة لها وزنها السياسي وثقلها السكاني وأثرها الفاعل في رسم سياسة المنطقة بحكم ثرواتها وموقعها وقدراتها البشرية الهائلة , بل أسهمت أحزاب السلطة  مساهمة مباشرة بتحويل العراق لساحة صراع بالنيابة عن إيران وعن مصالحها . وبالنسبة للولايات المتحدة فان أمريكا وجدت نفسها أمام مجموعة أفراد لا يمثلون إلا أنفسهم ومصالح أحزابهم وساعدتهم في ذلك من خلال أكذوبة الديمقراطية المسلفنة التي عبرت القارات لتحط عند كيانات هزيلة نجحت في خداع الجماهير بشعارات طائفية  وبمجد تاريخي مزيف , أمريكا ما كانت ولن تكون مؤسسة خيرية  تقدم المال وتسعف أحوال البلدان المنهكة أو حمامة سلام تقدم السلام والأمن لشعوب تفتقده إنما هي دولة كبرى لها مصالحها التي لا يمكن إن تفرط بها أو تسلمها بيد من لا يملك القدرة على التعامل معها كمنظومة دولة متكاملة , فوجدت إن التعامل  الأمثل مع الوضع العراقي بوجود مثل هؤلاء من مدعي السياسة هو التعامل القائم على أساس البرتوكول وعلى أساس القليل مقابل الحصول على كل شيء وحينما وجدت إيران  إن استمرار وجود القوات الأمريكية على الأراضي العراقية يعيق تحقيق أهدافها وإكمال مشروعها في العراق  دفعت  السيد المالكي باتجاه توقيع اتفاقية صوف لسحب قوات الاحتلال من العراق فحدث ذلك من خلال اتفاقية تعرف قانونا بالمعاهدات البسيطة وهو نوع من المعاهدات التي ابتدعها الأمريكان والتي لا تتطلب ما تتطلبه المعاهدات الدولية من مراحل لازمة لقيامها ولضمان استمرارها , وفي معاهدة سحب القوات الموقعة مع الجانب الأمريكي بند يسمح لأي طرف من طرفي الاتفاقية بإلغائها وهذا يعني أن بقاء أو استمرار سريان الاتفاقية مرهون بارادة الرئيس القادم للولايات المتحدة وخصوصا انها  كشفت عن هزالها بعد سقوط الموصل وما جرى على ارض الواقع من انعدام الأثر الحقيقي لبنودها حتى بدا المشهد وكأن أمريكا تعاقب  العراق على إنفاذ الإرادة الإيرانية في إخراج الأمريكان بتلك الطريقة التي كشفت عن حالة لا وعي وحالة لا إدراك للعواقب من الجانب العراقي دون أن يعني هذا إن الاحتلال حسنة ومصلحة للبلاد ولا بد من الدفاع  عن وجوده , إنما توقيت خروج المحتلين لم يكن مناسبا وكان بالإمكان تطوير الاتفاقية لتكون ملزمة للأمريكان بأمرين مهمين الأول إخراج العراق  تماما من الفصل السابع ومن كل تبعاته العسكرية والمالية والسياسية , والأمر الثاني إلزامهم ببناء القوات المسلحة العراقية وتحصين البلاد ضد كل الأخطار المحتملة , لكن السبب في عدم تحقق ذلك هو عدم وجود الإرادة الوطنية الحقيقية وغياب القرار العراقي الصادر عن مؤسسة الحكم التي شعرت أمريكا أن لا وجود لها بالعراق وكل ما موجود هو كيانات سياسية متصارعة تبحث عن مصالحها وتنفذ إرادات أجنبية منها ما هو أمريكي وبالتالي ساهم الأمريكي نفسه بتكريس هذا الواقع  المؤلم , ولعل في التجربة الروسية مع سوريا الشاهد على صحة هذه الرؤيا حيث تدخلت روسيا بالوقت المناسب لحماية الدولة السورية وحكومتها لان فيها قبل المصالح الروسية الاقتصادية والعسكرية حكومة تمتلك إرادة واضحة الأهداف ومستقلة تعاملت وتتعامل بواقعية سياسية لا يفقهها قادة  الإقطاع السياسي في  العراق ولو وجدت أمريكا في العراق ما وجدته روسيا في سوريا لكانت الأوضاع في العراق على غير ما هي عليه الآن  .

أحدث المقالات

أحدث المقالات