23 ديسمبر، 2024 2:03 ص

غياب الإحساس الوطني وهيمنة الفساد أفقد العراق حركته التعاونية

غياب الإحساس الوطني وهيمنة الفساد أفقد العراق حركته التعاونية

 من الواضح ان العراق ومنذ وقت ليس بالقصير مثقل بالهموم والمشاكل والصعاب ويتعرض الى صنوف التأمر والابتزاز وتصوب نحوه نيران عدوة وصديقة من الداخل والخارج مستهدفه إسقاط العملية السياسية ومنع العراق من النهوض وتبوِء مكانه الطبيعي ودوره الطليعي الفاعل بين دول وشعوب العالم ، مع أن حالة التآمر والإبتزاز قد شلّت كافة الميادين والاصعدة تقريباً إلا أن ما يهمنا الآن وأود تناوله بهذه السطور القليلة هو قضية محددة لها أهميتها وتأثيرها بحالة النهوض هذه ..
وأعني بذلك قضية النشاط التعاوني والحركة التعاونية التي فُرض عليها التوقف مشلولةً وعاجزةً أمام طريقٍ مسدودٍ ونفقٍ مظلمٍ ؛ ولم يبق من الجمعيات التعاونية التي ازدهرت في العراق عبر تاريخه الطويل غير أكداس من المشاكل والعلاقات المشبوهة وبقايا فريسةٍ تحوم حولها الغربان ودخول القطاع التعاوني بكامله دائرة الاهمال والتجاهل والنسيان والغياب التام من على خريطة العمل الوطني .
التعاون ليس بالأمر الجديد أو الطارئ على المجتمع العراقي فالأديان السماوية قد نادت صراحةً بضرورة إتّباع التعاون في مختلف ميادين العلائق والانشطة وعززت كثيراً من مكانته ودوره وخصوصاً ديننا الاسلامي الذي كان أكثرها وضوحاً وتمسكأ بالعلاقات التعاونية وأمر بأتباعها والالتزام بها كصيغة متقدمة للعلاقات الانسانية ؛ بل واعتباره للتعاون أصلاً من أصول الدين وصفة ايجابية من صفات المؤمن الملتزم وفضيلة ترفع من صاحبها الى درجة الأخيار من عباد الله ؛ وتحذيره الشديد من استغلال التعاون في غير اغراضه وخلافاً لمبادئه وفي غير الأعمال النافعة للفرد والجماعة .. علماً بأن العراق قد شهد قيام اولى التنظيمات التعاونيه في التاريخ إبان الحضارة البابلية في ميدان الزراعة والري .. وفي العصر الحديث كان العراق سبّاقاً لإصدار قانون تعاوني متكامل بعد المحاولات الكثيرة  لتأسيس الجمعيات التعاونية في العراق قبل تشريعه في عام 1944 علماً بأن العلاقات التعاونية كانت منتشرة بين الناس كجزء لايتجزأ من التقاليد المتوارثة للأجيال المتعاقبة في الريف والمدينة . مرت الحركة التعاونية منذ قيامها حتى اليوم بحالات متباينة من المد والجزر تبعاً لنوع الحكومات ومدى تفهمها واهتمامها بالتعاون والحاجة إليه في إجراءاتها الاقتصادية والاجتماعية . وليس غريباً أن تحظى الحركة التعاونية بإهتمام خاص إبان العهد البائد الذي أدركت قيادته أهمية التنظيمات التعاونية وقدرتها على الإسهام في تحقيق سياسته مما دفع به الى تحويل الجمعيات التعاونية وإتحاداتها الى واجهات للنشاط الحزبي والسياسي والوصول من خلالها الى الجماهير . وجعل التعاونيات مراتع خصبة لأزلامه وفلوله على حساب الوطن والقيم التعاونية النبيلة موكلاً قيادتها الى عناصره المشبوهة المفتقرة الى الحد الأدنى من الخبرة والكفاءة والنزاهة . ولعل السياسة الدعائية للنظام مكنته من استغلال الحركة التعاونية في العلاقات العربية ومشروعات التكامل العربي المشترك مما ساعد على إختيار بغداد مقراً للأمانة العامة للأتحاد التعاوني العربي ؛ والتخطيط لأستحداث المعهد التعاوني العربي في بغداد ، إلا إن وضوح الأهداف الدعائية وداوفع الهيمنة قد عرقلت من ذلك .. وتراجعت أمور الحركة التعاونية سريعاً لتتحول الى وسط موبوء يحمل من الصور أبشعها ومن السمعة أسوأها … لهذا كان طبيعياً ان يحفز سقوط النظام الجماهير التعاونية وكافة المخلصين على العمل الجدي لأعادة النظر جذريأ بالواقع التعاوني بغية اصلاحه وتنقيته من الدخلاء والمرتزقه والمفسدين الذين تسللوا الى التنظيمات التعاونية في غفلة من الزمن ، وإعادة بناء الحركة التعاونية وتطويرها بما ينسجم ومعطيات الواقع الجديد . ولم يتخلف التعاونيون المخلصون عن أداء مهمتهم الوطنية وايصال القضية التعاونيه الى المعنيين والى غيرهم من الساسة ورجال الدين ونشرها بمساعدة الصحافة الوطنية على أوسع نطاق بغية توضيح الأهمية الاقتصادية والاجتماعية للتنظيمات التعاونية والدور الذي بأستطاعتها أن تؤديه في ظل العراق الجديد .
لقد تكللت الجهود المخلصة بعقد مؤتمر طارئ للتعاونيين العراقيين أواخر عام 2003 في بغداد دعت اليه ” حركة إصلاح وإعادة بناء الحركة التعاونية ” حضره مئات التعاونيين من كافة محافظات العراق بما فيها الحركة التعاونية بكردستان العراق وشارك فيه عدد كبير من ممثلي الأحزاب والقوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني ، ووضع المؤتمر النقاط على الحروف في كافة الجوانب وأقرّ خطة واضحة لإصلاح الحركة التعاونية وإنقاذها من واقعها المتردي ؛ واختيرت لجنه لإدارة عملية التغيير بإشراف قاضٍ منتدب من مجلس القضاء الأعلى . لم يكن طريق التعاونيين المخلصين في مسعاهم الوطني سهلاً ومفروشاً بالورود والرياحين بل كان صعبأ جداً ومحفوفاً بالمخاطر لأن مجاميع المرتزقة والدخلاء هي الأخرى قد رأت في الظروف الجديدة فرصتها الذهبية للهيمنة على التنظيمات التعاونية ومواصلة ابتزازها والاثراء من خلالها وتسخير الملايين المسروقة والعلاقات المشبوهة لشراء الضمائر والمواقف أينما كان ذالك ضرورياً ومطلوباً لحسم الأمور والوقوف بوجه تطلعات الجماهير التعاونية وكل المخلصين ، وكان نتيجة ذلك أن تهيمن على قيادة الإتحاد العام للتعاون العديد من العصابات المتنافسة التي كانت تحظى بدعم هذا الحزب السياسي أو ذاك وحماية هذا الوزير وذاك المسؤول المتنفذ وإشتداد حالة الفساد والاستغلال على أوسع نطاق . وتهيمن على مجلس إدارة الإتحاد في الوقت الحاضر أبشع قيادة من أصحاب التاريخ الملوث وقد تكون أفسد قيادة في تاريخ الحركة التعاونية فهي لا تعرف من التعاون إلا كونه وسطا مثالياً للإبتزاز والإثراء السريع وباشرت مهمتها على الفور دون أي حياءٍ أو خوف وبدون أي وازعٍ من ضمير ونشرت الفساد على أوسع نطاق في الوسط التعاوني محتميةً بالعديد من المسؤولين الكبار الذين ساقتهم أطماعهم الى التنكر لمصلحة الوطن وإستغلال مواقعهم الوظيفية ؛ وما قضية المتاجرة بالاراضي السكنية لتعاونيّ البصرة التي تُنظر حالياً من قبل هيئة النزاهة إلا مثالٌ صارخ على الفساد والاستغلال والتصرف خلافاً للمصلحة التعاونية والوطنية . إن الواقع التعاوني بحاجة ماسة لتدخل مجلس الوزراء الموقر الذي يُشار الى بعض مسؤوليه بتسهيل عملية الفساد والمشاركة فيها وحماية المفسدين في الحركة التعاونية ، وكذالك مجلس النواب الموقر وخصوصاً لجانه المعنية على الأقل للتعرف على مايجري في هذه الحركة الجماهيرية الكبيرة وضرورة إصلاحها وكشف المشاركين في خرابها .. وهل يُعقل أن تعجز الحكومة ومجلس النواب من التصدي لهذا الملف الخطر بروح المسؤولية الوطنية ؟؟ وإذا كان الاحساس الوطني غائباً بالنسبة للكثير من المحسوبين على الحركة التعاونية ألذين جنبتهم الملايين المسروقة أي حساب أو عقاب ؛ ألم يحن الوقت ليشعر المخلصون في الدولة وفي مجلس النواب بمسؤوليتهم عن أنفسهم وعن بلدهم وعن مواطنيهم ليقولوا : كفى للإستغلال ؟
  وأما بعد هذا فأن شكوانا الى الله تعالى الذي أمر بالتعاون وكرّمه وأمر بأن يكون حصراً في البر وعمل الخير وخدمة الناس بعد أن عجزنا عن ايصال صوتنا الى من ينصف هذه الحركة وينصف الجماهير التعاونية وينصف هذا الوطن المستباح ..
إن المرحلة الحالية للعمل الوطني وما يشهده العراق من تحولات اقتصادية واجتماعية كبيرة لا ينبغي لها أن تستمر مع تجاهل وتغييب النشاط التعاوني والقطاع التعاوني عن مواكبة هذه التحولات ومشاركته الفعالة فيها لأن مصلحة العراق وضرورة تجاوزه لدائرة الخطر والتآمر تتطلب تضافر كل الجهود الخيرة والبناءة . إن تجربتنا المتواضعة وقبلها التجربة العالمية تثبت وتؤكد ما للتعاونيات الزراعية والاستهلاكية والاسكانية والانتاجية من أهمية فائقة في خدمة المواطنين كما وأنها قد أثبتت كونها أفضل السبل لتوفير فرص العمل للشباب ومساعدة النساء من خلال الجمعيات التعاونية للأسر المنتجة وأن النشاط الاجتماعي للتعاونيات لايقف عند حدود فهي الوسيلة المثلى لتنظيم المعوقين وحل مشاكلهم الاقتصادية والاجتماعية والنفسية واثبتت بأنها مدرسة الديمقراطية وأنها الوسيلة المناسبة لارتباطنا بأخوتنا التعاونيين العرب وتوحيد الجهود معهم وسبيلنا للتواصل مع أصدقائنا تعاونيي العالم من خلال الحلف التعاوني الدولي وتبادل الأفكار والتجارب معهم .
عموماً فأن التعاون ضروري ومهم ” من المهد الى الحد ” حيث تعاونيات دفن الموتى منتشرة في كل البلدان . واخيراً وبعد مرور هذه الفترة الطويلة على سقوط العهد البائد وحركتنا التعاونية متجهة مع الأسف من سيء الى أسوأ بقيادة مافيات الدخلاء والمرتزقة ، ألا نستحي ياترى من الاعتراف بالحقيقه المرة بأن الحركة التعاونية في العهد البائد على علّاتها وبالرغم من كل نواقصها وسلبياتها كانت هي الافضل مما أنجز حتى الان في هذا الميدان في عهدنا الجديد ؟! لأنه  في الواقع لم ينجز أي شئ . والسبب واضح ومعروف للقاصي والداني وهو يكمن بصورة أساسية بغياب الدولة والقانون وغياب الشعور بالمسؤولية والاحساس الوطني ومحاربة أصحاب الخبرة والكفاءة وتوجس الخيفة من كل تعاوني مخلص وكفوء . لهذا أو ذاك فأن الواقع التعاوني بحاجة ماسّة الى انتفاضة واسعة لانقاذ الحركة التعاونية من واقعها المتردي وتنقيتها وإصلاحها وإعادة بنائها وتطويرها بما ينسجم ومصلحة العراق الجديد وإنهاء حالة التجاهل والترقب واللاأبالية .. فالحركة التعاونية هي من الجميع وللجميع ومسؤولية الجميع ……..
* حركة إصلاح وإعادة بناء الحركة التعاونية