نشر الاستاذ عبد الصمد السويلم بتاريخ 3 كانون الاول / ديسمبر 2013مقالة في المواقع الالكترونية عنوانها- ( الشعب العراقي أرواح ميتة تخرج من معطف المفتش العام لغوغول), وقد اثار هذا العنوان الغريب اهتمامي ورغبتي الشديدة بقراءة هذه المقالة بامعان ودقة,لأن الكاتب مزج في عنوان مقالته تلك تسميات ثلاثة اعمال ادبية لغوغول في آن واحد و هي – رواية الارواح الميتة و قصة المعطف ومسرحية المفتش العام, وهذا ما فعلته فعلا, ولم أجد في ثنايا تلك المقالة السياسية البحتة شيئا جديدا, اذ انها تتحدث عن الاوضاع المأساوية المعروفة التي يمر بها عراقنا الجريح ومعاناة شعبنا اليومية نتيجة لذلك , لكن الشئ المبتكر والاصيل والمثير فيها – من وجهة نظري – ان الكاتب يربط احداث العراق المعاصر تلك ويعرضهامتداخلة عبر رواية غوغول – ( الارواح الميتة ) ومسرحيته – (المفتش العام ) وقصته – ( المعطف ), مستعرضا مضامين تلك النتاجات الادبية الشهيرة من خلال الاحداث في العراق ومسيرتها وسماتها , وقد جاء بناء تلك المقالة متناغما ومنسجما بشكل رائع مع ملاحظات ذكية وحقيقية فعلا حول الوضع السياسي والاجتماعي في العراق وما يجري فيه من أحداث, ومن الواضح تماما ان الاستاذ السويلم يعرف ويتفهم بعمق نتاجات غوغول الادبية واهميتها, وانه استطاع ان يوظف تلك المعرفة ويجد تطبيقا حقيقيا لها عند عرضه وتحليله للوقائع العراقية السياسية والاجتماعية, واودٌ هنا ان اعلن عن تقديري الكبير لهذه المقالة الفريدة من نوعها واعتزازي بها,وسوف احاول ان ارسلها الى معهد الاستشراق التابع الى اكاديمية العلوم الروسية للاطلاع عليها, وسوف احاول ايضا ترجمتها الى اللغة الروسية ونشرها كي يطلع عليها القارئ الروسي باعتبارها دليل نضج الباحث العراقي الذي يعرف ويفهم اعماق ومنابع الادب الروسي واهميتهويستطيع استخدام هذه المعرفة وربطها بواقع بلده ومسيرة الحياة فيه,وهذه مسألة في غاية الاهمية في مجال الدراسات والبحوث العلمية التي تتناول انتشار الاداب القومية وتحولها الى آداب عالمية, خصوصا وان المصادر الروسية التي تدرس موضوعة انتشار الادب الروسي في العالم لا تشير عادة الى العراق الا ما ندر في هذا المجال وهو شئ مؤسف وقد سبق لي الاشارة الى ذلك في عدة مقالات سابقة لي, وان الباحث الروسي لا يعرف ان غوغول معروف في العراق لدرجة ان احد الباحثين العراقيين قد ربط نتاجات غوغول الادبية بالوضع السياسي العراقي المعاصر . وقد ذكرني كل هذا برواية غائب طعمه فرمان المدهشة والشهيرة– ( خمسة أصوات ), والتي تدور حوادثها في العراق الملكي قبل 14 تموز 1958, وكيف ان مؤلفها المرحوم غائب ربط ايضا بين احداث العراق آنذاك مع رواية غوغول – (الارواح الميتة ), عندما كان أحد أبطالها يتحدث عن الاوضاع السياسية والاجتماعية في العراق والتي كانت سائدةفي ذلك الزمان, وقد أنتبه الى تلك النقطة الباحث الروسي الذي كتب مقدمة تلك الرواية بطبعتها الروسية وأشار اليها ايضا في مقدمته تلك, وتذكرت ايضا كيف ان الدكتور سعدي يونس, المسرحي العراقي المعروف في سبعينيات القرن العشرين جاء اليٌ مرة في قسم اللغة الروسية بكلية الآداب في جامعة بغداد وطلب منيٌ ان اترجم له قصة غوغول الطويلة– ( مذكرات مجنون ) كي يحولها الى مسرحية ذات فصل واحدليقدمها بنفسه على مسارح العراق لأنه شاهدها مرة في مسارح باريس, ويعتبرها ملائمة لمجتمعنا ايضا لانها تتناول قضية انسانية تتناغم وتنسجم مع المجتمعات الانسانية كافة , وقد ترجمتها له فعلا, وأعدٌها وقدمها تمثيلا واخراجا بمفرده على عدة مسارح في بغداد وبنجاح كبير, وقدمها ايضا في عدة اماكن عامة مثل النقابات والاتحادات وحتى المقاهي , اذ انه اراد ان يثبت عبر ذلك امكانية نشر مفهوم المسرح الجماهيري للممثل الواحد في اي فضاء وليس بالضرورة على خشبة المسرح, وكان يرى ان نتاج غوغول الفني يصلح لهذه التجربة الجديدة والطريفة والاصيلة في مسيرة المسرح العراقي , وقد حازت تلك المحاولة فعلا على ردود فعل ايجابية لدى المشاهدين والنقاد واستقبلتها الصحف العراقية آنذاك بالترحاب. وأذكر ان تلفزيون بغداد قد عرض في ثمانينات القرن الماضي مسلسلة مصرية بعنوان غريب في المدينة, ومضمونها مقتبس من مسرحية غوغول – ( المفتش العام ) , وكيف ان المشاهدين قد تابعوها باعجاب لدرجة أثارت المرحومة أ. د. حياة شرارة وكتبت مقالة جميلة ومهمة جدا في تراثها الادبي حول ذلك ونشرتها في جريدة الجمهورية التي كانت تصدر في بغداد في حينها, وقد ربطت د. حياة بالطبع بين تلك المسلسلة التي تناولت قضايا حادة ومطروحة امام المجتمع وبين مسرحيةغوغول تلك بشكل خاص وسمات الادب الروسيبشكل عام.
ان موضوعة ( غوغول في العراق ) تتضمن الكثير من الفقرات التي تتطلب التسجيل والتدوين والدراسة التحليلية لها, فقد أصدر المرحوم أ.د. محمد يونس مثلا كتابا مهما بعنوان – ( غوغول ) ضمن سلسلة – ( اعلام الفكر العالمي ) البيروتية في سبعينيات القرن الماضي, ولا زال هذا الكتاب يعد واحدا من المصادر العربية المهمة حول غوغول الاديب والمفكر والانسان, ويحتاج كتاب الدكتور محمد يونس هذا بلا شك الى قراءة تحليلية علمية و نقدية له,اذ انه اعتمد واستند على مواقف ومصادر سوفيتية بحتة تجاه غوغول وافكاره, وتعد هذه المواقف في الوقت الحاضر مسألة تثير النقاشات المختلفة والمتشعبة تجاهها, وبغض النظر عن كل ما تثيره هذه النقاط من اختلاف وتباين في وجهات النظر, فان كتاب المرحوم أ.د, محمد يونس يستحق ان نتوقف عنده ونتأمله ونناقشه ونتحدث عنه تفصيلا باعتباره واحدا من اهم المصادر العربية ( اكرر العربية, وليس فقط العراقية ) حول غوغول وابداعه. وهناك بالطبع فقرات ونقاط اخرى كثيرة حول غوغول في العراق تنتظر فارسها الذي سيكتب عنها, ومنها الطبعة الثانية لقصص غوغول الصادرة في بغداد ,بترجمة الاستاذ الدكتور جليل كمال الدين والتي صدرت في موسكو ضمن منشورات دور النشر السوفيتية في حينها, والتي تضمنت مجموعة من قصص غوغول المعروفة, وكذلك اطروحة الماجستير في قسم اللغة الروسية بكلية اللغات في جامعة بغداد الموسومة – ( غوغول في العراق من السبعينات حتى وقتنا الحاضر ) والتي انجزها منذر الملا كاظم ( الدكتور التدريسي الان في القسم ) باقتراحي و باشرافي العلمي وحصل بموجبها على درجة الماجستير في الادب الروسي آنذاك ,ولابد من الاشارة في الختام الى مقالة المرحوم الاستاذ الدكتور علي جواد الطاهر في مجلة ( الف باء ) حول اعتراضه على نشر وزارة الاعلام والثقافة العراقية لرواية غوغول – ( الارواح الميتة ) مترجمة عن اللغة الانكليزية, وتاكيده على وجود مترجمين عراقيين كبار يتقنون اللغة الروسية ويستطيعون ترجمة تلك النتاجات عن لغتها الاصلية مباشرة.