23 ديسمبر، 2024 1:22 ص

(غودو) الحل السوري

(غودو) الحل السوري

مع تصميم القوى الفاعلة في الملف السوري ومبعوث الأمم المتحدة السيد ديمستورا على بدء المحادثات في جنيف في التاسع والعشرين من هذا الشهر بين وفد النظام ووفد المعارضة، تبرز الكثير من إشارات التعجب والاستفهام في آن معاً حول من؟ وكيف ؟ فيما يتعلق بالأشخاص. وأكثر بكثير من ذلك وتلك الإشارات تساؤلات حول الطريقة والهدف والمآلات التي يمكن أن تنتهي إليها تلك المحادثات، إن قُدِّرَ لها أن تنتهي إلى أي شيء ينعكس إيجاباً على حياة ومستقبل الشعب السوري المكتوي بنار الصراع منذ قرابة الخمس سنوات.

ولكي لا ننسى ما يعرفه الجميع، فقد بدأت كثورة شعبية سلمية ضد الاستبداد والظلم من نظام جعل الفرد والعائلة مرتكزاً لكل سياساته. فتم تحويلها مع تطور الأحداث، وبقدرة قادر مدرك، إلى حرب طائفية تسيَّدها زعماء العصابات القدامى منهم وحديثي النعمة، الذين بات همهم كما كان دائماً، السلب والنهب والتشفي، مدفوعين بدوافع مختلفة ليس للوطن فيها من نصيب.

كانت مواجهة بين شعب ثار من أجل الحرية والكرامة ضد نظام سلبه كل وسيلة للعيش الكريم. فتم تجييرها لمعركة ضد الإرهاب والتطرف المولود بعملية قيصرية لتطال شروره الجميع. ولا بد والحال هذه، أن يتكاتف الجميع لمكافحته، بما فيهم أبوه وأمه الشرعيان وغير الشرعيين. إضافة إلى كل المشاركين في عملية الولادة من أطباء وممرضين وحتى عمال النظافة في مشفى العاهات المستدامة في السياسة العالمية.

الحل السياسي السوري الذي يتحدث عنه الجميع ليل نهار، لا أحد يقصده بذاته، وإنما ما وراء هذا الحديث مقاصد وأهداف وغايات أخرى تختلف بحسب المتحدث ودوافعه. وحده الشعب السوري الذي يعي ويعني مايقوله بهذا الشأن، لم تتح له بعد الفرصة ليعبر عن وجهة نظره، بالرغم من أن الجميع يزعم بأن الشعب السوري هو الذي يقرر!!!

أمريكا وروسيا تختلفان فيحبس العالم أنفاسه. ويهمس المواطن السوري بألم: (الله يجيرنا من الأعظم). والأعظم يأتي عندما تتوارد الأخبار بأنهما اتفقتا..!!!! وتنسحب تأثيرات هذا الاتفاق على الجميع. من يتجاوب معه فهو خاسر لا محالة، ومن لا يتجاوب أو يعترض… فخسارته أكبر!!!

ينطبق هذا الكلام على المعارضة السورية أولاً ، وينسحب تالياً على الدول التي وضعت نفسها في مصاف أصدقاء الشعب السوري بدرجات متفاوتة، دون أن تجد لها هذه الصداقة ترجمة حقيقية، تفرز نتائج ملموسة على الواقع العملي والسياسي في الساحة السورية. ففي الساحة العسكرية لم يستطيعوا، أو لم يرغبوا بتقديم الدعم اللازم والضروري للنصر. ولا في المجال السياسي تمكنوا أو رغبوا في معاضدة الشعب للتمكن من إقرار الانتقال السياسي المأمول، والتحول إلى نظام سياسي ديمقراطي يقرره الشعب عبر أجهزة يختارها بحر إرادته.

وفي الوقت الذي كان الأمريكان يبيعون الشعب السوري وقياداته المعارضه وزعامات الدول من أصدقائه أبلغ التصريحات، كانت التفاهمات تجري في السر وفي العلن بين الروس والإسرائيليين من جهة، وبين الروس والأمريكان من جهة أخرى، من أجل أن تتكامل الصورة. وبالطبع تزداد أهمية تلك التفاهمات بوجود التوكيلات الرسمية التي حملها الروس معهم من موكليهم النظام وحلفائه مع التعهد باتخاذ خطوات وقرارات مستقبلية مريحة طال انتظارها من قبل إسرائيل.

منذ بدء انطلاق الثورة السورية، مروراً بجنيف 1 و2 وصولاً إلى فيينا 1 و2 أيضاً، وكل قرارات مجلس الأمن الدولي التي ارتكزت على إعلان النقاط الست لكوفي أنان، تأتي اليوم الدعوات لمباحثات جنيف 3 أو جنيف “حاف”، كما يحلو لديمستورا وصفه، لتعيد المغزول صوفاً، وتعيدنا إلى ماقبل زمن الثورة بمراحل. وكأن ماحصل في سوريا طوال خمس سنوات ما كان سوى عاصفة ثلجية عابرة ستبزغ شمس التفاهمات إياها لتذيب جليدها وتعود المياه إلى مجاريها.

عندما كان النظام على شفا السقوط بفعل المظاهرات السلمية، جرى تسليح الثورة!!! وعندما بدأت الثورة المسلحة تحقق انتصارات مهمة وباتت تأثيراتها تطال القصر الجمهوري نفسه، جرى التضييق عليها بالسلاح والذخيرة وحصرها في مناطق معينة لكي لا تتقدم أكثر. جرى ذلك بذريعة ضرورة التوجه لمفاوضات وحل سلمي بحجة إيقاف القتل وتوفير الدماء السورية. وعندما تجاوبت المعارضة مع الحل السلمي وذهبت لتفاوض، لم تكن هناك أية نية جدية ولا رغبة حقيقية للقوى العظمى المؤثرة، في الضغط على النظام للتجاوب مع الحل السلمي.

والآن تتم دعوة جديدة لمباحثات وليست مفاوضات، في ظروف جداً مؤاتية للنظام بعد أن وضع الروس كل ثقلهم العسكري إلى جانب النظام، برضى أمريكي واضح. فهل هناك أية فرصة مهما كانت ضئيلة لأي نجاح خارج مصطلح: (عفى الله عما مضى)؟

فإن كان هذا هو المراد من مباحثات اليوم، فلمَ كان كل هذا القتل والدمار والخراب والتهجير… والأخطر من كل هذا، تهديم وتخريب كل إمكانية في النفوس بين السوريين للعيش المشترك؟؟؟

النتيجة التي يمكن أن يخلص إليها أي مراقب لهذا الوضع هي أن الغاية الأساسية هي إدامة أمد حرب الآخرين على الأرض السورية أطول مدة ممكنة، حتى لا يبقى حجر على حجر. وتسعير وإدامة البغضاء والشحن الطائفي والعرقي والديني بين السوريين ماشاء ذلك المغامرون بالدماء السورية.

لقد سُئِلتُ مرة قبل قرابة سنتين ونصف، فيما إذا كان الهدف من هذه المأساة هو تقسيم سوريا؟ وكان جوابي أنني أخشى ما هو أسوأ من التقسيم. ودُهِشَ حينها السائل فرد قائلاً: وهل هناك ما هو أسوأ من التقسيم؟ فأجبت بلا تردد: نعم.

وها نحن نشهد اليوم ما لم يكن أشد المتشائمين يتوقعه في سوريا التي كنا نعرفها.

لقد انتظر السوريون طويلاً (غودو) الحل السوري بلا جدوى. فهلا أتيتم أيها السادة أصحاب المصالح والقرار بتوافقاتكم وحلولكم لتفرضوها وتريحوا هذا الشعب المغلوب على أمره من الأصدقاء قبل الأعداء من هذه المعاناة التي لم يعد يتحملها؟