23 ديسمبر، 2024 9:37 ص

غلام في جمهورية افلاطون

غلام في جمهورية افلاطون

تصيبنا الدهشة أحيانا حينما نرى في غابة الهموم نور يسطع وأمل يربو نحو الأفق ليصدح بقوة بمفهوم جديد يثبت للواقع أن لا شيء مستحيل وكل شيء ممكن.
تلك الصدفة التي جمعتني و أرصفة وسط البلد في مدينة عمان لألتقي بذلك الغلام المكنى “ساهر” البالغ من عمر الحياة ثمانية عشر ربيعاً يمتلك والده على كوخ خشبيي عمره بعمر أبيه الذي نال الزمان منه ما ناله في ثمانين عام، أكلت منه شبابه وشرب كؤوس عذابها، يبيع فيه كلمات خُطت على ورق لتنير فكر المجتمع وتنقذه من تخلف هدد روحه طيلة سنوات خلت .

 مكتبة فقيرة برتابتها لكنها غنية في محتواها الفكري والفلسفي والاجتماعي، أقبلتُ عليه متحدثاً عن مُبتغاي قبل سلامي
هل لديك كتاب “جمهورية افلاطون المدينة الفاضلة” ؟!
 ميَّزَ “ساهر” ( لكنتي ) انني من بلاد الرافدين، تقرب إليَّ بشكل سريع وقف جنبي مدَّ يده قبل أن يمدَّ بصره فهو حافظ لأماكن الكتب عن ظهر قلب .
تناوله وبابتسامة شاحبة أجابني هذا مبتغاك، وانسرد بحديثه عن محتوى الكتاب بتعبير بليغ شدني له لأترك ما جئت من أجله و أهتم بالصبي .

سألته كم عمرك ؟!
 أجاب: ثمانية عشر عاماً
 هل تقرأ ؟!
أجاب: ومن لا يقرأ – واستطرد – أنتم العراقيون جميعكم تحبون القراة ولي زبائن عدة يزورون مكتبتي باسمرار .
 ماذا تدرس؟
انا لا أدرس، ما فائدة الدراسة وأنا لدي كل هذه الكتب والمصادر التي اتكأ عليها، أما مناهجهم فهي مَن أوصلتنا نحن العرب إلى هذا الحال .
 نقرأ و ندرس دهراً كاملاً لتخرجنا هذه المدارس جهلة لا نعرف حتى التعامل فيما بيننا .
 كيف تريدني أن أثق بها وأنا ألمس خرابها بيديَّ وأرى دمارها بأُم عيني ؟!

صعقتُ لفكرهِ النيّر وتعاطيه المختلف عن غيره في تناول جواهر الأمور والتنقيب عمقاً في صميم الحقيقة وتحدث بحكمةِ مُقتدر ليثبت لي أن نظريته صحيحة وأنه مُتفهم لتفاصيل الحياة كيف تجري .
في بعض الأحيان نجد أشخاص نحكم عليهم من مظهرهم أو من أعمارهم لكننا حينما نتمعن بقراءتهم جيداً نجد شيئاً جميلاً يشجعنا على خوض حوارات بنّاءة نُفيد بها و نستفيد منها بنفس الوقت.