مياه آسنة جديدة مصدرها بالوعات السياسة ، ذات روائح نتنة كالعادة ولكنها مختلفة هذه المرة ، تسيح تحتنا دون أن نعلم ، إنه الغلاء التدريجي أو الدراماتيكي المتواصل في كل مرافق الحياة رغم إستقرار أسعار النفط ، والكل ساكت ، فلسياسيينا اساليب لإلهاء الناس ربما تعلموها من صدام أو ميكافيللي لا يهم ، وذلك بإفتعال الأزمات والخصومات والدعايات وغيرها ، ولو حدث هذا في بلد آخر غير العراق ، لسقطت حكومات بسبب ظاهرة الغلاء فقط ، وليس الفساد والتزوير والفشل والتخبط والخيانات العظمى ، النخب التي تحكمنا لا تستشعر هذا الغلاء المتواصل مطلقا لأنه لا يهمها ، فمثلا السيد موفق الربيعي ، والذي شغل منصب مستشار الأمن القومي ، لا أعرف مؤهلاته ، وكيف وصل لهذا المنصب ولماذا ، شأنه شأن كافة السياسيين والوزراء والبرلمانيين الذين لم نسمع بهم ولا بمؤهلاتهم ، لكن فترة (إستشارية) هذا الرجل كانت مظلمة بحق الملف الأمني الذي لا يزال متزعزعا ، لأنه (يعيّرنا) من أن راتب الموظف كان 4000 دينار ، ثم صار (بفضل بركاتهم) 400 ألف ! ، ولكن يا سيدي ماذا عن 30% من العاطلين وهي النسبة الأعلى في العالم ؟ ماذا عن ثلث سكان البلد من النازحين ؟ ماذا عن المتقاعد الذي عقّه وطنه لأن تقاعده قد لا يكفي إيجارا لمدة شهر ، أوإنه لايكفي لتسديد فواتير الكهرباء بشقيها السحب والوطنية ، إنه يشبه أسلوب (صدام) الذي عيّرنا من أن العراقي كان حافيا ، وأنه من ألبسنا النِعِل ! ، يصرّح بوجه مستبشر عن روح الجيش العراقي الجديد ، كيف أن لا حواجز بين الجندي والضابط ، وقد زالت الفوارق بينهما ، وأنهما يجلسان على نفس مائدة الطعام ويتمازحان ! ، فهل يعلم السيد الربيعي ، أن أعتى جيوش العالم تمتلك نظاما طبقيا صارما ، وأنه المؤسسة الوحيد الخالية من الديمقراطية ؟ ، هذه الحصيلة المختصرة التي توصل إليها علم النفس العسكري بعد تجارب مريرة ، وماذا عن (سبايكر) ، وسقوط ثلث مساحة العراق بيد داعش ؟ ، ماذا عن مجاميع الجنود التي تُترك لحتفها دون إسناد أو دعم ، لتتناهشها الوحوش في عشرات الحوادث الأليمة ، إلى متى هذا الإستهتار بحياة الجنود بسبب ضياع التخطيط والإسناد والحكمة ، هل هذه الروح الجديدة التي يتغنون بها ؟ ، مثل هذه العقلية تمسك بزمام أهم وأخطر ملف ، إنه الملف الأمني ! ، هم والكثير من الوجوه التي تطل علينا في شاشات التلفاز مثل عباس البياتي وغيرهم الكثير لأني لا أريد معرفة اسمائهم ، فهل لدى هؤلاء حصيلة من تاريخ التضخم الذي وصل لمئات المرات ؟ ، يتبجحون (بنجاحهم) في الأبقاء على سعر الدينار مقابل الدولار ! ، ولكن ماذا عن هذا التضخم لهائل ؟ ، هل يعرفون أن كلفة (تفويل) بنزين السيارة كانت الف دينار فقط ، وأن سعر البنزين إزداد بنسبة 2500% منذ أن كحّلنا عيوننا برؤيتهم ؟! ، وهو الأغلى والأسوأ في العالم على صعيد الدول المنتجة للنفط ، هل يعلمون أن سعر كيلو (الطماطة) كان 250 دينار وقد صار سعره دولارين (الأغلى في العالم أيضا) ، هل يعلمون أن بورصة اللحوم في أوربا وأمريكا وأستراليا هو 3 دولارات ونصف ، بينما عندنا يزيد عن 12 دولار !؟ .
هل يعلمون أن مفردات البطاقة التموينية تآكلت وتحولت إلى مفردة واحدة كل بضعة شهور ، بعد أن كانت 20 فقرة شهريا ؟ ، هل يعلمون أن المواطن حاليا يدفع أجور 1000 دينار لوكيل الحصة التموينية لكل شخص ، وهي أجور لحصة كاملة ، رغم إستلامه لفقرة واحدة لهذه الحصة ؟، وتصبح بهذا أغلى من سعر السوق ، فعزف الكثير من المواطنين عن إستلام هذه الحصة ؟ ، هل يعلمون أن سعر إسطوانة الغاز كانت 250 دينار والآن 6000 دينار ؟ هل يعلمون ، أن أجور الكهرباء التي كانت مستقرة هي بضعة آلاف من الدنانير كل شهرين ، وصارت الآن عدة مئات من الآلاف ، وفد تجتاز عتبة الملايين ؟ بالطبع لا يعرفون ، لأنه لم يشاركونا ظروف الحصار الذي جعل النظام السابق يستقوي على الشعب بقرارات أممية مجرمة ، كيف لهم أن يعرفوا وقد كانوا يعيشون في منتجعات دول أخرى يحملون جنسيتها ؟!.
هل يعلمون أن أجرة معاينة الطبيب قد تضخم عشرات الأضعاف ، ومثله أسعار الدواء (الفاسد) ، والإيجارات والعقارات والسيارات ، وكل زاوية تخص حياة المواطن ، والأغرب أن معظم (هؤلاء) إدّعوا أنهم يسكنون بيوتا للإيجار ! ، ربما ، لأن لذراريهم أملاكهم الخاصة في أوربا وأمريكا .
هكذا تحول العراق من ديكتاتورية الشخص الواحد إلى دكتاتوريات متعددة تمثلها الأحزاب ، كل من هب ودب ، يضع الخطوط الحمراء التي يرتئيها ، يكيلون الإتهامات لكل من ينتقد خرابهم بدعوى محاربة داعش ، وهم مَن أدخل داعش ! ، وأفلت المجرمون الكبار بفعلتهم ، فأين العدل وأين الديمقراطية وحرية التعبير ؟ لعنة الله على الشفافية التي جاؤوا بها ، والتي زادت حياتنا عتمة وظلاما ، وأنا أرى مستقبلا غابرا للحياة السياسية في البلد ، لقد أثبتوا فشلهم وفسادهم وأنهم بلا قاعدة جماهيرية ، أحزاب منتسبوها من (النّخب) فقط بهيكل مافيوي بإمتياز .
أي حكومة هذه والطفل الذي يولد في هذا البلد ، مديون بمبلغ 2500 دولار قبل أن يبصر النور بسبب القروض حسب منظمة (Info Graphic) ! ، ثم ما سبب التهافت السخيف والمريب على إبقاء (مُدوّر) لهذه القروض ولو بمبالغ تافهة ، نسمع عن قروض جديدة كل حين ببضع ملايين الدولارات ! ، وهي (الخردة) في جيب مؤخرة كل برلماني أو سياسي ! ، لقد أدخلونا في بند سابع جديد عدة مرات ، ما سبب هذا التهافت المثير للشك إلا لإبقاء البلد تحت تسلط (شايلوك) العصر المتمثل بالبنك الدولي ؟! ، وبناء على (أوامر خارجية) لتكبيلنا ولتركيعنا ؟! ، ويأتي من يتشدّق بسخافة عن (السيادة الوطنية) ، أي هيبة هذه للحكومة هذه وأنا أرى قرارات أكبر رأس في الدولة غير محترمة من قبل جندي سيطرة أو فرّاش مدرسة ! .