23 ديسمبر، 2024 3:17 ص

غفوروف وخليل عبد العزيز في طاجيكستان

غفوروف وخليل عبد العزيز في طاجيكستان

اطلعت على مقال بالروسية عنوانه – (الاكاديمي غفوروف بعيون الصحافي والسياسي العربي خليل عبد العزيز) . المقال بقلم تاج الدين ماردوني , وهو حاصل على شهادة دكتوراه علوم في الفيلولوجيا و باحث علمي في قسم الشرق الاوسط والادنى بمعهد اسيا واوروبا في جمهورية طاجيكستان ( والمجلة العلمية لهذا المعهد هي التي نشرت المقال في نهاية آب / اغسطس 2021 ) , ويمكن القول – وبكل ثقة – ان هذا المقال يعدّ بحثا علميا حقيقيا ورصينا وأصيلا بكل معنى الكلمة , بحثا يعتمد بالاساس على قراءة معمّقة وشاملة وذكيّة لكتاب ( محطات من حياتي), الذي أصدره خليل عبد العزيز في بغداد عام 2018 , مع التركيز على موضوعة مهمة جدا (بالنسبة لتاريخ طاجيكستان المعاصر) وهي – موقع ودور غفوروف ( تلك الشخصية الطاجيكية السوفيتية المرموقة في عالم السياسة السوفيتية والدراسات العلمية للتاريخ آنذاك ), ومكانته في كتاب خليل عبد العزيز المذكور , والدور الذي لعبه في المسيرة الشخصية لعبد العزيز اثناء عمله في معهد الاستشراق التابع لاكاديمية العلوم السوفيتية آنذاك , عندما كان غفوروف رئيسا للمعهد.
عنوان هذا البحث ( أجبرني!) على ان اتوقف عنده , وان اطالعه بانتباه وبشكل دقيق وعميق , اذ انه يعني (فيما يعنيه) , ان كتاب العراقي خليل عبد العزيز اصبح مادة لكتابة بحوث من قبل باحثين أجانب من خارج العراق والوصول الى استنتاجات مبتكرة واصيلة في تاريخ بلدان اجنبية, وهي ظاهرة جديدة ( قلبا وقالبا !) بحياتنا الفكرية في العراق , ظاهرة تثير طبعا الاعتزاز و الفخر عند كل عراقي ( وقد شعرت بذلك خصوصا , عندما قرأت اشارة صريحة جدا في ثنايا ذلك البحث تقول , ان الطاجيك سيعرفون اشياء جديدة لم يسبق لهم الاطلاع عليها عن النشاطات السياسية والعلمية لغفوروف من كتاب خليل عبد العزيز!) , وهذا اولا , أما ثانيا , فانها ظاهرة تستحق ان نتوقف عندها – نحن العراقيين – بتأمّل وندرسها بشكل واسع وشامل , ونكتب ردود فعلنا حولها , اذ انها ظاهرة جديرة بهذا الاهتمام , وهو ما نحاوله بايجاز في مقالتنا هذه .
من الواضح تماما , ان هدف الباحث د. تاج الدين ماردوني من كتابة بحثه هذا هو دراسة اهمية غفوروف ودوره في مسيرة جمهورية طاجيكستان , اذ ان هذا الشخص ( اي غفوروف ) كان السكرتير الاول للحزب الشيوعي الطاجيكي الحاكم من عام 1946 الى عام 1956 ( والسكرتير الاول للحزب الشيوعي يعني الشخص الاول في الدولة آنذاك ) , عندما كانت طاجيكستان تدخل ضمن دولة الاتحاد السوفيتي , وكان غفوروف واقعيا الشخص الاول فيها زمن ستالين , ولكن غفوروف وصل الى هذا المنصب باعتباره شخصية علمية مرموقة ايضا , اذ كان مؤرخا كبيرا , وكان اختصاصه – تاريخ شعوب أسيا الوسطى , وهو مؤلف كتاب – ( الطاجيك ) الخاص بتاريخ الشعب الطاجيكي , ولهذا , وبعد وفاة ستالين عام 1953 ومجئ خروشوف ( وكل التغيّرات الجذرية المعروفة و المرتبطة بهذا الحدث, التي تمّت في الاتحاد السوفيتي) , انيطت لغفوروف مهمة اخرى , وهكذا اصبح رئيسا لمعهد الاستشراق التابع لاكاديمية العلوم السوفيتية باعتباره حاصل على شهادة دكتوراه علوم في التاريخ , وباعتباره عضوا في اكاديمية العلوم السوفيتية , وقد شغل هذا المنصب من عام 1956الى تاريخ وفاته عام 1977, ورئاسة هذا المعهد موقع سياسي مهم جدا سواء في الاتحاد السوفيتي آنذاك , او في روسيا الاتحادية الان , وليس من باب الصدفة ابدا , ان جاء بريماكوف رئيسا للمعهد بعد غفوروف , ويعرف القارئ طبعا , ان بريماكوف اصبح بعدئذ وزيرا للخارجية الروسية ثم رئيسا للوزراء .
ان مرحلة ادارة غفوروف لمعهد الاستشراق التابع لاكاديمية العلوم السوفيتية ( الروسية حاليا ) , التي امتدت طوال هذه السنين ,تعدّ مرحلة تاريخية مهمة في مسيرة المعهد سياسيا وفكريا , اذ انها رافقت تحولات كبيرة في مسيرة السياسة السوفيتية آنذاك , والباحث الطاجيكي تاج الدين ماردوني استفاد بعمق من كتاب خليل عبد العزيز ( محطات من حياتي ) , لتسجيل الدور الهائل الذي لعبه غفوروف في سياسة الاتحاد السوفيتي باكمله تجاه البلدان العربية واقامة اوثق العلاقات معها ( السياسية والثقافية معا ) عن طريق نشاطات معهد الاستشراق التابع لاكاديمية العلوم السوفيتية , وكيف استطاع بمهارة عالية توجيه ذلك خدمة لسياسة بلده , هذا الدور (غير المدروس كما يجب ) في الاوساط الاكاديمية الطاجيكية , وحتى الاوساط الاكاديمية الروسية ايضا , وحاول الباحث الطاجيكي الاستفادة القصوى من كتاب خليل عبد العزيز لابراز دور غفوروف واهمية وقيمة تلك الشخصية الطاجيكية المعاصرة .
تحية اكبار واعتزاز للباحث الطاجيكي د. تاج الدين ماردوني على بحثه العلمي الرائد هذا , وتحية اكبار واعتزاز لمؤلف كتاب ( محطات من حياتي ) د. خليل عبد العزيزعلى كتابه التاريخي المهم في مسيرة الحياة السياسية العراقية المعاصرة , مع التمنيات له بانجاز الطبعة الثانية المنقّحة والمزيدة لكتابه المذكور …