حملت السيدة ” جكليتة بنت عبود ” أمتعتها وقررت ترك البيت ، بعد أن دب اليأس بين جنبات نفسها ، نتيجة لتصرفات والدها السيد عبود وعراكه الدائم مع إمها ( خاجية ) على أثر تناوله للبلنكو يوميا . وبعد أن فشلت كل محاولاتها الرامية الى لملمة الوضع والخروج من ( النفق ) لم تجد بدا من الهروب الى جهة غير معلومة لديها للوهلة الاولى لكنها سرعان ما تذكرت خالتها ( نعناعة ) التي تسكن في قرية ( أم الصون ) التابعة لأحدى محافظات الجنوب ، حملت السيدة جكليتة متاعا بسيطا يتكون من ( بطل ) ماء مع بضع حبات من التمر لتسد رمقها عند اللزوم .. إنطلقت من دارها سرا وحثت الخطى نحو حلم ظل يراودها لأشهر عدة ، وكانت ترجو من هذه الرحلة لقاء إبن خالتها ( جويعد ) ذلك الفلاح الجميل الذي لا يملك من حطام الدنيا سوى بضعة أمتار من أرض زراعية يشاركه فيها قسرا الشيخ العرمرم وصاحب السيف البتار المسلط على رقاب ( ربعه ) من الفلاحين .
ظلت بطلتنا تواصل الليل بالنهار والنهار بالليل كي تصل الى دار خالتها ، ولم تكن في حالة من الخوف أبدا لأنها بألف رجل من رجال هذه الأيام ! وهي ( بنت أبوها ) لاتخشى وحوش الضواري من ذئاب وخنازير برية لأنها إعتادت عليها حين كانت ترعى ( الصخول ) صحبة أمها ( خاجية بنت المشخوط ) هكذا يسموها في السلف ، ولا أحد يدري من أين جاءت كلمة ( المشخوط ) التي الصقت عنوة بالسيدة خاجية .
وبعد ثلاثة أيام من المشي المتواصل وصلت الى هدفها في قرية ( أم الصون ) .. وهي عبارة عن اكواخ طينية متناثرة يحيطها جدول جميل من جهاتها الثلاثة ، إتجهت الى دار خالتها وإقتحمته عنوة ودون إستئذان .. رأتها خالتها بحال لم يسرها .. ها يمه شكو صاير شي ؟ لا خاله كلشي ماكو أريد أنام عوفيني هسه ! .. ألقت جكليتة بنفسها على ( الحصير ) ثم غطت بنوم عميق وكأنها فارقته منذ أن كانت صبية ! .. في المساء فتحت عينها رويدا رويدا وراحت تجول بنظراتها في أرجاء الغرفة المشيدة من الطين فرأت ( جويعد ) يجلس عند قدميها حاملا مرهما لعلاج باطن القدمين سيما أنه تعرض للقروح والتشقق نتيجة سيرها المتواصل .. شلونك جويعد ؟ آنه زين انت شلونج ؟ آنه هم زينه .. أكول خليني أداوي رجليج ؟ لم تفهم جكليته ماقاله جويعد فعادت لتغط بذات النوم حتى صباح اليوم التالي ( وهو اليوم الذي حصلت فيه ملحمة من ملاحم عشيرتي الزركان والبزون ) .. في الصباح جلست العائلة لتناول الفطور وكان عبارة عن سياح ودبس ودهن حر وقليل من الزبد ، وقبل أن يباشروا الأكل دوت في الارجاء أصوات إطلاقات نارية في القرية المسالمة دون سابق إنذار ؛ نهض جويعد حاملا ( البرنو ) واسرع ليستعلم الامر وإذا بأحد الأشقياء يمنعه قائلا : ( طب جوه انت ريال أجنبي أنت شويلي ) المشكلة مع البزون .. زين خويه شنو المشكلة ؟ أكلك جلبة أل بزون أكلت ديايه من عدنا واليوم ناخذ بثارنا .. إزداد أزيز الرصاص وأخذ يلعلع محدثا فزعا بين الأهالي .. تدخل الأخيار من أجل ( فك الاشتباك ) وتمكنوا من التهدئة وقرروا إجراء ( كعده ) يحضرها وجهاء القوم .. وفعلا حضرت المشايخ وحظر معهم المتصرف وممثل عن الأمين العام للأمم المتحدة وممثل عن الجامعة العربية وعدم الانحياز والمؤتمر الاسلامي وباقي منظمات المجتمع المدني متمثلة بنقابات العمال واتحاد الفلاحين والسكك والصيدليات وغيرها ! .. وفي الخيمة المسماة (جادر) جلس الفرقاء المتخاصمون متقابلين وعيونهم تقدح شررا ، أبتدأ الأمين العام بالكلام وطلب من الحضور مصالحة وطنية ونبذ العنف والتحلي بالصبر ، لكن أحدا من آلزركان رفض بشدة لعدم توفر المقومات الفاعلة .. قام شخص من البزون باشهار مسدسه الربع وبلي وأطلق رصاصة في الهواء ومرددا : ( غط يزرك جتك بزونه ) .. خاف الأمين العام على سلامته وسلامة باقي الوفود وقرر ترك الخيمة قائلا : عجيب في الافراح تطلقون النار ، في الاحزان تطلقون النار ، في ختان الاولاد تطلقون النار ولم أجد واحدا منكم يطلق النار على الأعداء الحقيقيين .. من أي طينة أنتم ؟
باءت المحاولات كلها بالفشل لأقناع الأمين العام بالعودة عن قراره ، في هذه الاثناء خرجت جكليته من دار خالتها وأتخذت لها ركنا قريبا من الخيمة وقالت : يلخيطي بيطي ياعركة الزركان .. هاي شلون ورطة فأنا هربت من بلنكو والدي لأجد الغمان يتعاركون على مود ديايه … أرجع للبلنكو أحسن .. أدركت شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح
وها خوتي ها ( غط يزرك جتك بزونه ) بشرفكم شوكت ينصلح حالنا مع هذا التخلف .. لنا عودة الى زواج الفصلية .. أنتظروني …