22 نوفمبر، 2024 5:34 م
Search
Close this search box.

غسان ” شهيد الغربة تزف روحه في عليين “

غسان ” شهيد الغربة تزف روحه في عليين “

يمكن أن يكون من الصعب تخيل الحياة لاجئاً، بحيث تضطر تحت الذل والهوان وقسوة الزمان إلى الفرار من بلادك للنجاة والوصول إلى برالأمان، وإذا كنت محظوظًا سيتوفر لك الوقت اللازم لحزم أمتعتك، وإلا ستضطر إلى ترك كل شيء وراءك وتهرب، فما أصعب خسارة كلشيء، عائلة ومنزل ووطن، وأن تخرج منكسرًا وذليلًا دون مأوى أو ملجأ، لكن هذا هو واقع اللاجئين المرعب الذين يفرون كل يوم في هذاالعالم من الاضطهاد والصراعات والحروب. غسان ابن ١٨ ربيعًا اضطر لمغادرة بلده العراق تاركًا خلفه نهر من الدموع وهو بعمر مبكراليسافر الى إندونيسيا طلبًا للجوء في احدى الدول باحثنا عن الأمان و عن مستقبل زاهر يلوذ به الى نحو حياة جديدة تملئها الأمل وانيضمن لاهله حياة جديدة ليساعد والده من الحياة التي اتعبته واحنت ظهره وأحيانًا تجبرنا ضروف الحياة وقسوتها على الابتعاد عنأشخاص لطالما تعلقت قلوبنا بهم وأحببناهم وأحبونا لكن الظروف الصعبة حالت بينه وبين ذلك ، ولم يبق سوى ذاكرة ممتلئة بذكريات مؤلمة،ومن منا لم يتعرض لموقف رحيل أو لحظة وداع قاسية ، فكم من مرة سرق الرحيل منا أجمل لحظات وأسعد أوقات، وهل سنجد بعد الرحيل منيذكرنا، من يحن لنا، من يبكينا، من يتألم لفراقنا، من يدعو لنا ، غير آبائنا وأمهاتنا والذين احبونا بصدق فكانت رحلة غسان رحمه الله ذلكالشاب الطموح الواعد على شكل محطات مختلفة محطات تملؤها مفارقات وحوادث منها المحزن ومنها المفرح كانت المحطة الأولى هي ماليزياحيث حط رحاله بها وامضى بعض الشهور تمهيدا لرحلته الى اندونيسيا والتي سوف تحدد له مصير مستقبله وقد تعرف غسان على اصدقاءكُثر وتعرف على ثقافات الشعوب ولغاتهم وعاداتهم و وهذه الرحله والمحطه هي الأصعب والاسوء حيث عليه الانتظار طويلًا من بين الآلاف منالاجئين من مختلف الجنسيات ايرانيين وافغان وباكستانيين ، وبدأ غسان رحمه الله يواجه الحياة بتحدي وصبر للتكيف مع البيئة الجديدهومايحيطها من مصاعب ومرارة الغربة والبعد عن الأهل ليواجها بضراوة حياة مخيمات الاجئين والركام عبارة عن غرفة صغيرة في غرفمساحة كل منها 3 في 4 أمتار حيث يقع الحمام والمراحيض داخل هذه الغرف الصغيرة في الوقت الذي كان غسان رحمه الله يعيش مع 8 أشخاص في غرفة واحدة الغرف محاطه بسياج من الأسلاك الشائكة. و يحق له الخروج من المخيم 3 ساعات كل 48 ساعة. كان الجميعمصابون بالكآبة واليأس ولم يكونوا متفائلين بالمستقبل. ولا يحق له استخدام التلفزيون أو المكواة أو أجهزة كهربائية أخرى. وبعض الاحيانيقوم الأفراد التابعون للمفوضية السامية بزيارات مفاجئة أحيانا إلى غرف اللاجئين ويسحبون كل الأجهزة الكهربائية للاجئين في حين يسمحباستخدام المروحة وجهاز شحن الموبايل فقط. كان غسان مضطرًا للعيش فيه طلبًا للجوء و هربا من ارتفاع الحرارة والرطوبة .ولانه كان يأملان يتم توطينه مبكرا في بلد ثالث ولكن صُدم بعد ذلك من قول بعض العوائل ان عملية التوطين تستغرق من 5 إلى 8 أعوام على أقل تقدير،وبعدها سيتم قبول طلباتهم لترحليهم إلى بلد ثالث و تجرع غسان مرارة الانتظار سنة بعد سنة وبعد انتظار لسنوات ضاق الصبر بغسانذرعًا حتى اصابه نوع من الهيستيريه نتيجة الضغط وضيق الحياة حتى حاول غسان مرارا الهروب من معسكر الاجئين حتى تم اعتقاله منقبل حراس المخيم وتم وضعه في سجن صغير للغاية فتحيط به القضبان الحديدية المرتفعة التي يبلغ طولها مترين من كل جانب. ويتولىحارسان تابعان للمفوضية السامية حراسته يوميا. حتى اصيب غسان بإحباط شديد ليس لأنه تم وضعه في السجن لا بل لانه لم يستطيعالاتصال بأمه مره أخرى حيث لايسمح له استخدام الهاتف والذي اعتاد ان يتصل بها وتتصل به ليطمئن الواحد على الآخر وحتى يزيح عنصدره ذلك الحجر الجاثم وأصيب أيضا بحالة من الكآبة الحادة ثم بدأ بالصراخ أريد أن أكلم أمي و أمي لا تعلم بي أين أنا وماهو مصيريأرجوكم أريد أحدًا يطمئنها عليه وحاول مرارا تسلق القضبان حتى انهى غسان فترة العقوبة وقررت المفوضية نقله لمدينة أخرى كنوع منالعقوبه النفسيه والمعنويه وبسبب تلك الاجراءات التعسفيه بحقه قرر غسان الخروج من المخيم للبحث عن عمل وعن حرفه لضمان مصدر رزقجديد ليعيل نفسه بسبب قله المساعدات التي تعطى للاجئين وبسبب الضروف المادية الصعبة عائلته التي تأخرت في إرسال المال له حيثكانوا يستلفون المال ليرسلوها اليه لكن لم يحتمل غسان ذلك الحال وهذا الوضع فقرر اخيرا الخروج من المخيم للذهاب الى معهد لتعلم مهنةالحلاقة وبقي هناك شهرين يتدرب حتى تعلمها بامتياز وحصل على شهادة تخرج بدرجة جيد جدا ثم بدأ يمارسها فعليًا في احدىالصالونات وثبت نفسه في أحدى الصالونات واعجب به الكثير من الزبائن حتى استطاع الاعتماد على نفسه واستغنى غسان عن سكنالمخيم بسكن آخر في فندق على نفقته لسوء الوضع في مخيمات اللجوء .غسان كان شاب ذكي وطموح و سريع البداهيه وحالم وكان يخططويرسم خارطة طريق لاحلامه في حال اذا تم توطينه في بلد ثالث وكان يصاحب الناجحين ويتابع قصصهم ويعبر عن طموحاته ويتقمصشخصية المجتهد المعطاء ويتابع تطور مهاراته ويقارن نفسه مع من هم أعلى منه بدرجة أو عدة درجات ورغم ذلك لم يشعر غسان رحمه اللهبالراحه بسبب تفكيره العميق بعائلته وبعده عنهم كان يتمتع بحنين و اشتياق لهم و كان لديه قلب كبير مفعم بالحب والخوف لاهله وسائرأقاربه ودائما يسأل عنهم ويطمئن عن احوالهم ويعيش همومهم . ولهذا السبب لم يقطع علاقته بالمفوضية السامية لشؤون اللاجئين واستمربالتواصل معهم حتى يتم الحصول على توطين ليساعد عائلته في المجيء اليه حتى يلتقي بهم من جديد بعد فراق دام سبعة سنوات ولكن لميكن يعطى من المفوضية جواب يستبشر بخير او يبث الأمل في نفسه . وكان لدى غسان رحمه الله اصدقاء كثيرون من مختلف الجنسياتوتعلم اللغتين الانجليزية والاندونيسية منهم واتقنها بشكل لبق وكان محبوبا ودودا من الجميع وفي احدى المرات ذهب لزيارة صديقه فيالمستشفى تعرف عليها هناك من أصول صينية كانت راقدة في المستشفى لغرض الاطمئنان عليها وبعد ان تفقدها واطمئن عليها اتصل بهبعض الأصدقاء من اصول عربية كانوا يسكنون معه في مخيم اللاجئين انهم يريدون طعام فذهب لاحدى المطاعم ليجلب لهم الطعام واثناءعودته كان يقود دراجه ناريه وكانت شاحنه تسير بالقرب منه والشارع كان اتجاهين ذهاب واياب وكان يسير خلف الشاحنه حتى اتت سيارهسوداء مسرعه من الاتجاه الاخر و صدمته باتجاه الشاحنه الى الإطارات الخلفيه مما تسبب في دهس رأسه وتحطم القفص الصدريوارتقى عند الله شهيدا اختطفت يد المنية روحاً جميلةً وثابة من جسد ينبض بالحياة حباً وتضحية, يعيش ربيع العمر وعنفوان الشباب فيأوج العطاء .. ترجل الفارس عن صهوة جواده وارتحل .. غادرنا جميعا بجسده , وظلت روحه وأنفاسه وضحكاته تكحل عين المكان , وتلتصقبعظم الزمان. تاركا خلفه دموع الوجد والشوق فى عيون أهله وأخواله وأقاربه و أصدقائه الذي لم يمكث طويلاً ليحقق كل أحلامه, حيث كانمتطلعاً الى مستقبل زاهر وسكنت روحه الخلاقة طموحات ورؤى لا حدود لها. لا يسعنا إلا أن نقول: ما نسيناك يوما يا غسان .. ما زالتأنفاسك تضوع في قلوبنا و عقولنا.. وهاهي ابتساماتك تتهادى وترتسم في كل مكان

والله إن العين لتدمع وان القلب ليحزن وإنا لفراقك ياغسان لمحزونون، تغمد الله روحك برحمته, وأسكنك فسيح جناته, وصبرنا على فراقك المر. وقبل ان انسى كان آخر ماقاله موظف مفوضية اللاجئين لغسان رحمه الله هو ” أن أي شخص يأتي الى إندونيسيا لطلب اللجوء إما أن يُجنأو يموت ” وها قد مات غسان بسبب همجيتكم وبعدكم الانساني ووعوداتكم الكاذبه لشاب فارق أهله للبحث عن الامان وعن بلد يضم ويحققاحلامه وطموحه سوف يشتكيكم الى الله الى شبابه الذي ضاع هباءاً مات وهو بعيدا عن اهله دون ان يحضر جنازته احد من اهله او اقاربهودفن بعيدا عن اهله وحيدا غريبا في بلدا ضاق منها ذرعا … تغمدك الله يا ابن شقيقتي يانور عيني وادخلك جنات عرضها السماواتوالارض وعوضك مافاتك يا خال .

أحدث المقالات