18 ديسمبر، 2024 11:57 م

(غزوة) نينوى والسعي لأقامة الكانتونات الطائفية

(غزوة) نينوى والسعي لأقامة الكانتونات الطائفية

في التاسع من اغسطس من العام الماضي نشرت على صفحات ايلاف مقالاً بعنوان (مستقبل المنطقة وخارطة التقسيم الطائفي) وأخلصت من خلال تحليل المعلومات المتوفرة آنذاك ان المنطقة تتجه الى التقسيم الطائفي على الأرض على شكل كانتونات صغيرة متناحرة مذهبياً وطائفياً وعرقياً .

هذا التقسيم المنتظر ستغذيه دول صغيرة وكبيرة في الشرق والغرب وكل من هذه الدول له مصالحه في بنية الشرق الكانتونية الجديدة . بعد مرور عام على ذلك المقال احتجت الى قراءته فوجدت ان الاحداث سارت بهذا المنهج خلال العام المنصرم . ومما اثار ذهولي حقاً إن القيادات السياسية في العراق ساقت الأحداث بإتجاه تقويض الدولة المدنية لصالح اقامة الكانتونات الصغيرة المتناحرة . خلال هذا العام صعٌدت حكومة السيد المالكي من خلافاتها مع الأقليم الكردي وصل الى مستوى قطع رواتب موظفي الأقليم ، و صعد الأقليم من جهته الخلاف مع المركز وهدد بإعلان الأستقلال ومارس بيع النفط دون موافقة الحكومة . وهكذا أصبحت الأمور جاهزة لأعلان الكانتون الكردي .

على الصعيد الأخر لم تتمكن حكومة السيد المالكي خلال مسيرتها الاولى والثانية في الحكم من التصالح مع القوى السنية وعشائر المناطق الغربية في العراق ، يتبع الأمر بطبيعة الحال تصعيد من قبل العشائر والقيادات السنية مدفوعة بدول لها مصالح في إقامة الكانتونات الطائفية المتناحرة وتفتيت الدولة العراقية . هذه الألية هيأت تصنيع بيئات منتمية لحسها الطائفي كبديل لمفهوم الأنتماء الوطني . وبسبب تلك الممارسات الحكومية أيضاً تقوقعت الطوائف والانتماءات العرقية في مدنها مدفوعة بالرعب من الاخر المحتلف يزيد عليه الاعلام الموجه والرسائل المرعبة التي ترسلها الجماعات التكفيرية في قتل الأبرياء وإنتهاكات الأسر الامنة في القتل والتهجير والعمليات الانتحارية التي تستهدف المدنيين والعزل وسط عجز حكومي واضح .

لم يتصرف الفريق الحكومي بمستوى التحديات التي تحيط بالعراق ، ولن يصغ الى النصائح والدراسات والتقارير الدولية التي تؤكد فشل الأداء الحكومي وتنذر بإنهيار الدولة العراقية والعملية السياسية برمتها . حينما نقرأ تلك التقارير المرعبة في قضايا السرقات والفساد في جميع وزارات الدولة ومؤسساتها بما فيها المؤسسة العسكرية والأمنية نستغرب في حقيقة الوضع تسامح القضاء و السيد رئيس الوزراء مع تلك الخروقات ولن نرى جدية في محاسبة المقصرين وتعريضهم لعقاب عادل بمستوى فعلتهم ، على العكس من ذلك بل تمكن الكثير من الهرب خارج العراق وتمتع بأمواله المسروقة ، شارك كثير من الفاسدين في الأنتخابات الماضية والأن يهيؤون أنفسهم لأستلام المناصب الجديدة والاستعداد للإثراء الفاحش كما أثروا الذين من قبلهم .

فساد المؤسسة العسكرية كشفته (غزوة) مجاميع داعش الأرهابية ودخولها الموصل دون مقاومة . ومن الجانب الأخر شكل شعور تلك المحافظات بالمظلومية ، وساعد النفخ الأعلامي المحلي والأقليمي في دفعهم لمواجهة حكومة المركزمع غياب الحل الشامل من طرف الحكومة لأيجاد صيغة تفاهم حول تلك المحافظات حولتهم الى حاضنة لقبائل داعش الهمجية والمليشيات المسلحة التي يغذيها فكر حزب البعث الشوفيني .

جميع الأطراف المتصارعة في العراق ركبت الموجة الطائفية والعرقية والقومية بما فيها الحكومة ، وأصبحت الطائفة والانتماء العرقي هو المسوغ للوظيفة والترفيع والمناصب والترشيح والانتخاب لا الكفاءة والمهنية حتى ضاع مفهوم الدولة المدنية وانكارالمواطنة العراقية ، فالكردي يرفض ان يحمل سمة المواطن العراقي او يحترم علم الدولة المركزية ، ويعتقد السني ان كل شيعي هو ايراني وان (لم ينتم ِ) وان حكومة العراق هي حكومة ايرانية بإمتياز، بالمقابل يعتقد الشيعة ان السنة ارهابيون يجب الحذر منهم .

في هذه البيئة (أستوت ) طبخة نادي الكبار في اقرار مشروع التقسيم داعشياً وبالقوة بمشاركة قوى محلية وأقليمية لتدفع العراق بإتجاه التفكك . ولا أريد أن اُمني النفس بأماني كاذبة مالم يحدث شيء غير معهود عند الطبقة السياسية والأحزاب المنضوية في العملية السياسية ويعلن كل طرف أسفه للأخطاء التي إرتكبها . فما يؤسف عليه ان العراق بهذا الحال وهم يرمون التهم على بعضهم البعض ويتنصلون عن المسؤولية. إن الأعتراف بالخطأ فضيلة ، فلماذا لا يعترف رئيس الوزراء بإن كثير من قراراته شاركت بالوضع المأساوي الذي يمر به العراق ويسحب ترشيحه للولاية الثالثة بالحد الادنى فماذا سيضيف من كوارث في الولاية الثالثة. ولماذا لايعترف القادة الكرد والسنة بإن كثير من قراراتهم شاركت بأضعاف الحكومة وتعثر أدائها ، مع العلم كل الاطراف المعترضة والمخالفة وصانعة العراقيل والمشاكل للحكومة هي جزء من ذلك الفريق الحكومي الفاشل .

المرحلة الان تتطلب من الجميع دعم الجيش وطرد عصابات القتل والفتن من المحافظات الشمالية الغربية إذا رغبوا بالعيش الطوعي المشترك على الأرض العراقية . هذا هو الخيار الوحيد في هذه المرحلة . وإلا فمن الأفضل لشيعة العراق وكورده وسنته أن يهتم كل منهم بأقليمه -الذي إنتهت مرحلة تقسيمه فعلاً بفضل الدواعش – ويرسم حدوده ويحمي الأنسان الممزق الذي حكم عليه أن يعيش تحت رحمتهم بتلك الأرض الغير مباركة والتي تنادي بمزيد من الدم .