نفذ مسلحون ينتمون لتنظيم «القاعدة» العراقي، مساء يوم الاحد في 21 تموز 2013، هجوما مزدوجا على سجني «ابو غريب» [= سجن بغداد المركزي] الذي يقع غرب بغداد، وسجن التاجي في شمالها. وتمخض الهجوم عن تهريب قرابة الستمائة سجين مُدان من نزلاء سجن «ابو غريب» بينهم عدد من كبار قادة تنظيم «القاعدة».
وقد اصدر تنظيم «القاعدة» العراقي، في 23 تموز 2013، بيانا تبنى فيه العملية وأطلق عليها: غزوة «قهــر الطواغيت». وجاء في البيان ان «كتائب المجاهدين انطلقت بعد التهيئة والتخطيط منذ اشهر، مستهدفة اثنين من أكبر سجون الحكومة استجابة لنداء الشيخ المجاهد «ابو بكر البغدادي» في ان تختم خطـّة «هدم الاسوار» المباركة التي بدأت قبل عام من اليوم بغزوة نوعيّة تقهر الطواغيت المرتدّين وتكسر القيود وتحرّر الأسود الرابضة في غياهب السجون». وتمّ «تحرير المئات من أسرى المسلمين بينهم ما يزيد على 500 مجاهد من خيرة من ولدتهم الارحام، وممّن عركتهم الحروب وصقلتهم سوح النِّزال ولم تزدهم محنة الأسرِ إلا صبراً وثباتاً وشوقاً للجهاد في سبيل الله والنكاية في أعدائه، وقد تم سحبهم وإخلاؤهم لأماكن آمنة دون العدو والوصول إليها أهوال ومصائب».
ان السجناء الهاربين ينتمون الى الجيلين الأول والثاني من تنظيم «القاعدة» وتنظيمات أخرى، معظمهم كانوا معتقلين لدى القوات الأميركية في سجون بوكا وكروبر والقواعد الأميركية، إضافة إلى سجناء آخرين يقدر عددهم بالمئات.
لقد اشار بيان «القاعدة» لمشاركة الانغماسيين في غزوة «قهر الطواغيت»، دون اعطاء مزيد من التفاصيل، بما يشير الى حصول تعاون مع الجماعات المسلحة الأخرى في تلك المناطق، وهو ما يعد، إن صح، تحولاً استراتيجياً، بعد الفراق بين «القاعدة» والتنظيمات الأخرى.
اما تفاصيل العملية، فقد تم توضيح خطوطها العامة في نفس البيان، حيث بادر المهاجمون الى اتخاذ الخطوات التالية:
أولا: «قطع الطرق المؤدية لكلا السجنين، وهما طريق (بغداد – أبي غريب) وطريق (بغداد – الموصل) بعد القضاء على نقاط التفتيش المنتشرة على الطريقين وإبادة أو تشتيت عناصرها».
ثانياً: «استهداف قوات الجيش القريبة من الموقعين في مقر لواء المثنى ومعسكر التاجي بصواريخ «غراد» ورشقات متتالية من قنابر الهاون، حيث تمّ تأمين الطرق المؤدية للموقعين بالكامل وشلّ حركة قوات الإمداد الأرضية وحركة الطيران».
ثالثاً: انقض المهاجمون بصورة متزامنة على البوابات الرئيسية والجدران الخارجية للسجنين بموجات من السيارات المفخّخة يقودها انتحاريون، «فكان عدد السيارات المفخخة التي تمّ تفجيرها بداية الغزوة على بوابات وجدران السجنين وبعد انتهائها على قوات الإسناد التي وصلت الموقعين (12) سيارة مفخخة بمختلف الأحجام». واستمرت الاشتباكات مع حراس السجن وقوات الحماية داخلها وعلى الأبراج المحيطة بها لعدّة ساعات.
رابعا: «تمت السيطرة على كل الأبراج وقتل وإصابة من فيها وتمشيط الأبنية من الداخل مع المفارز التي تحررت داخل السجن والتي سبق تسليحها بالبنادق والمسدسات والأحزمة الناسفة بعد اختراق المنظومة الأمنية للسجنين في وقت سابق من قبل الجهد الأمني للدولة الإسلاميّة».
كان السجناء في كِلا السجنين على علم تام بتفاصيل الهجوم الذي كان القصف ايذانا ببدئه، (اضافة لتواصلهم تام مع المهاجمين لحظة بلحظة عبر الهواتف النقالة وأجهزة مرتبطة بشبكة الانترنت) فحالما بدأت قنابل الهاون والصواريخ تنهمر على السجنين، تحرك السجناء وبدءوا بحرق افرشتهم وملابسهم الفائضة.
سجن التاجي
بدأ الهجوم على سجن التاجي بعربات مفخخة يقودها انتحاريون استهدفوا المدخل الرئيسي للسجن والمدخل الثاني والخلفي. وبادر السجناء في العنابر بحرق ملابسهم الفائضة وبعض فرشهم. وهنا بادر حراس متواطئون بقطع التيار الكهربائي وفتحوا ابواب العنابر التي لا يمكن ان تفتح إلا يدويا (وليس الكترونيا كما أشيع). فهاجم السجناءُ الحرّاسَ الاصلاحيين (الغير متواطئين والمسلحين بالهراوات فقط) وقتلوا منهم سبعة على الاقل.
بعد ذلك غادر السجناء بناية السجن واسقطوا الجدران العالية وبسطوا فرشهم على الاسلاك الشائكة. إلا انهم واجهوا قوة حراسة السجن الخارجية (التي لم تتأثر بالهجوم) التي فتحت عليهم نيران اسلحتها، فقتل ثمانية وسبعين سجينا (علقت اسماءهم على جدران السجن)، وعاد الباقون ادراجهم الى السجن بعد ان ايقنوا استحالة اتمام عملية الهروب. وبذلك فشلت محاولة الهروب. ولم يتمكن اي سجين من الافلات.
رغم استهداف السجنين المذكورين، إلاّ أنّ الهدف المعوّل عليه فعلا كان سجن «ابو غريب»، فسجن التاجي يقع في معسكر التاجي الذي يضم مقرات فرقتين عسكريتين، لا طاقة لتنظيم «القاعدة» في التغلب عليهما. وهذا فرض على سجناء التاجي ان يعتمدوا على انفسهم وعلى المتواطئين معهم من داخل السجن، من دون التعويل على دعم خارجي. إلا ان الهجوم نجح في تشتيت تركيز القيادة الامنية.
سجن «ابو غريب»
كان الحال مختلفا في سجن «ابو غريب»، فموقعه الجغرافي اقل منعة، وتحصيناته الامنية اضعف من سجن التاجي، الامر الذي مكّنَ القوات المهاجمة من السيطرة على السجن وتحقيق كامل اهدافها.
وحسب شهادة ضابط يعمل في السجن وكان موجودا وقت الهجوم، فقد عمّت الفوضى قسم الاحكام الثقيلة حال ابتداء القصف، وبدأ السجناء يضرمون النيران ويشرعون في أعمال شغب. ثم هاجم ثلاثة انتحاريين يقودون مركبات محملة بالمتفجرات المدخل الرئيسي للسجن والجدار الخارجي المحاذي لقسم الاحكام الثقيلة، تلاهم تسعة انتحاريين يرتدون احزمة ناسفة كانوا طليعة قوة الاقتحام حيث فجروا انفسهم بوجه القوات المدافعة التي اسقط بيدها. بعد ذلك انقطع التيار الكهربائي عن معظم ارجاء السجن وبدأت عملية تهريب السجناء من قسم الاحكام الثقيلة فورا.
وحوصرت القوات الحكومية من كل الجوانب، وحين استنجدت طلبا للعون والعتاد الذي شارف على النهاية، اخبِروا بأن قوة الدعم في طريقها اليهم، إلا انها تواجه كمائن الارهابيين (المعدة مسبقا لتأخيرهم كما مبين).
وحسب الضابط المذكور، وصلت قوة مكافحة الارهاب الى السجن بعد ثلاث ساعات ونصف من بدء الهجوم واشتبكت مباشرة مع القوة المهاجمة عند اسوار السجن. ولم تنتهي العملية إلا مع ساعات الصباح الاولى من اليوم التالي.
لقد باشر المهاجمون بتهريب السجناء من ساعة الهجوم الاولى. وحرصوا على اطالة امد المناوشات مع القوات الحكومية لتأمين انسحاب السجناء الهاربين ووصولهم الى اماكن امنة. وكان لهم ما ارادوا. وتمكنوا من تهريب 585 سجينا مدانا.
حصيلة حملة «هدم الاسوار»
أكد مصدر حكومي عراقي لصحيفة الحياة [العدد 18374 في 25 تموز 2013] أن الإحصاءات الخاصة بفرار السجناء تشير إلى هروب حوالى 824 سجيناً خلال عام من إطلاق زعيم تنظيم «القاعدة» أبو بكر البغدادي حملة «هدم الاسوار».
وأوضح المصدر أن«الإحصاءات شبه الرسمية تؤكد هروب 824 سجيناً بينهم 276 من اخطر الإرهابيين المحكومين بالإعدام لتورطهم في أعمال عنف أزهقت أرواح عشرات الأبرياء». وأشار إلى أن «العدد يتناول الفترة من 22 تموز يوليو عام 2012 لغاية شهر 22 تموز 2013. وفي 27 أيلول سبتمبر عام 2012 أعلنت وزارة الداخلية هروب أكثر من مئة نزيل من سجن تسفيرات تكريت».
وكان سجن التاجي قد تعرض لمحاولة اقتحام في آب عام 2012، إلا أن القوات الأمنية تمكنت من قتل ثلاثة من المسلحين واعتقال الآخرين. ثم أعلنت قيادة عمليات بغداد في 11 آذار مارس الماضي أنها أحبطت محاولة لهروب سجناء من سجن «ابو غريب» إثر حريق افتعل لتهريب أربعة مدانين.
وفي الثاني من أيار 2013، حاولت مجموعة مسلحة اقتحام سجن التاجي مستغلة عملية نقل عدد من النزلاء من أماكن أخرى. وفي 22 أيار، أحبطت قوة أمنية محاولة هروب ثلاثة نزلاء مدانين بالإرهاب من سجن المقدادية.
ولكن النجاح الكمي والنوعي لـ«قهر الطواغيت» غطى على كل المحاولات الفاشلة السابقة وأعطى أمنا واطمئنانا لمقاتلي «القاعدة» الذين باتوا موقنين ان هناك من ينقذهم من العقاب حتى لو قبعوا في اعتى السجون.
في الثالث والعشرين من آب 2013، اي بعد مرور شهر ويومين على «الهروب الكبير»، تمكن ثلاثة سجناء ينتمون لتنظيم «القاعدة» من الهروب من سجن العقرب في مدينة الحلة، إلا ان قوة من لواء التدخل السريع اعتقلت اثنين منهم وقتلت الثالث.
تبريرات وزارة العدل
لقد اسفرت التحقيقات الاولية عن قصور كبير في اداء كل كادر وزارة العدل الذي يدير السجنين من الداخل، حيث لا دخل للجيش والشرطة الاتحادية فيه. فقد كشف ضابط شرطة عراقي بارز تحدث لوكالة «رويترز» شرط عدم الكشف عن هويته ان «العملية كانت 99 في المائة بتواطؤ من الداخل»، حيث:
1. عثر على مواد متفجرة (تي إن تي) داخل السجن.
2. نجح بعض السجناء في تحويل الصابون وزجاجات الماء الصغيرة إلى عبوات ناسفة.
3. عثر المحققون على أجهزة كومبيوتر محمولة وهواتف في الزنازين، مما يكشف عن أن السجناء كانوا على اتصال مباشر مع رفاقهم في الخارج.
4. اقدم الحراس المتواطئون على ازالة شرائح الذاكرة من كاميرات المراقبة قبل الهجوم.
5. اقدم المهاجمون على تنفيذ حكم الاعدام في سجناء اتهموا بالتعاون مع ادارة السجن، وفقا لقائمة كانت بحوزتهم. كما اعدموا 26 من أفراد الصحوات كانوا مسجونين بتهم مختلفة، وأحرقوا جثثهم. وهذا يعني ان تنظيم «القاعدة» كان على اطلاع كامل على قاعدة بيانات السجن.
اول من ابتدأ تبادل الاتهامات هو وزير العدل حسن الشمري، فقد اتهم الاجهزةَ الامنية المكلفة بحراسة سجني التاجي و«ابو غريب» بالتواطؤ الكبير في حادثة هروب السجناء محملاً الشرطة الاتحادية واستخبارات وزارة الداخلية مسؤولية الخرق الامني. وقال خلال مؤتمر صحفي أن الشرطة هي«الجهة المكلفة حماية السجون من الداخل والخارج، بحسب قرارات مجلس الوزراء». وبين الشمري أن الحصيلة الاولية للسجناء المفقودين بلغت 559 سجينا، في حين ان لجنة الامن والدفاع النيابية تقول ان عدد الهاربين بلغ 585 سجينا.
إلى ذلك، قال عضو لجنة الأمن والدفاع البرلمانية مظهر الجنابي إن «الجهات التنفيذية ممثلة بالوزراء الأمنيين هي المسؤولة عن هذا الخرق الكبير». ووجه اتهامات مباشرة إلى وزارة العدل بالتواطؤ، وقال إن «معلومات وصلتنا عن طريق أحد ضباط السجن تفيد أن وزارة العدل نقلت أكثر من 200 سجين قبل شهر من سجن الناصرية إلى سجن «ابو غريب» وبعد ذلك تم التخطيط لتهريبهم».
وفي محاولة من وزارة العدل لإبراء ذمتها مما حدث، فقد نشرت الوزارة على موقعها الالكتروني كتابين صادرين من ادارة سجن «ابو غريب»، تقول انهما موجهين الى قيادة الشرطة الاتحادية لتبليغها بمخطط اقتحام السجن.
تضمن الكتاب الاول الصادر في 17 تموز 2013، تفاصيل كاملة عن عملية الاقتحام تتطابق وما حصل على ارض الواقع بعد اربعة ايام. حيث جاء فيه ان «تنظيم «القاعدة» الارهابي يخطط لاقتحام سجن ابي غريب لتهريب مجموعة من الارهابيين وعددهم [10] قياديين في تنظيم «القاعدة» خلال الايام القليلة المقبلة». وان مائتي مسلح من «القاعدة» سينفذون العملية «مجهزين بأنواع الاسلحة الخفيفة والمتوسطة ومن بينهم انتحاريين بأحزمة ناسفة. وستتم عملية التنفيذ من خلال تسقيط السجن على اربعة جهات والهجوم على الابراج المحيطة بالسجن والسيطرات الخارجية سيطرة [40] وسيطرة [41] ابو منيصير وسيطرة دور السجانة برج الحرس فوق الجسر، بالإضافة الى ذلك سيتم تفجير شاحنة مفخخة على جسر ابو منيصير لقطع الطريق امام القوات الامنية في حال طلب القوات الامنية المتواجدة الدعم من داخل السجن وكذلك زرع عدد من العبوات الناسفة على الطريق السريع والطريق المؤدي الى لواء 24 فرقة السادسة الجيش العراقي لواء المثنى».
وجاء في الكتاب، ان عملية الهجوم وتهريب السجناء «ستتم بتواطؤ عدد من الضباط الذين يعملون داخل السجن. وتم الاتفاق على ان تتم العملية تزامنا مع تمتع المذكورين اعلاه [اي الضباط] بالإجازة الرسمية. وأكد مدير السجن على «اتخاذ كافة تدابير الحيطة والحذر الشديد وعدم ترك الواجب لأي سبب كان».
ولكن الكتاب لم يكن موجها لقيادة الشرطة الاتحادية كما ذكر في بيان وزارة العدل، بل هو موجّه لشعب السجن والمقر المسيطر فق 4 ش، وفوج مغاوير فق 4. وكما يظهر في هامش الكتاب، فإن مصدر المعلومات هو ليس ادارة سجن بغداد المركزي بل هو مكتب المعلومات الوطني.
لقد ارتكبت ادارة السجن خطأ لا يغتفر بتعميمها لكتابها هذا (والذي يليه) على كل شُعَبِ السجن، فكيف اجازت لنفسها ذلك والمعلومات المتاحة لديها تؤكد ان هناك ضباطا من داخل السجن متواطئين مع المهاجمين. انها بذلك تكون قد زودتهم مجاناً بمعلومات غاية في الاهمية. وإذا كانت ادارة السجن عاجزة عن تحديد الجهة المتواطئة، فكان الاجدر بها ان لا تصدر التعميم اصلا وتقصره على قوات الحماية الخارجية من الجيش والشرطة الاتحادية. او ان تستنجد بمراجعها في وزارة العدل لرفدها بكوادر اضافية على وجه السرعة.
اما الكتاب الثاني الصادر في العشرين من تموز 2013، الذي عممته ادارة سجن «ابو غريب» على كافة شعب السجن وفوج الحماية، فقد اعادت فيه التبليغ عن مخطط اقتحام السجن وحددت يوم وساعة الهجوم على السجن، حيث ذكر فيه أن « معلومات مهمة (وردت) تفيد بوجود تحضير كبير من عناصر ارهابية شمال بغداد. والتحضير لعمل ارهابي كبير اليوم او غدا والعمل على اقتحام السجن او دائرة ما ووقت التنفيذ يكون قبل او بعد الفطور مباشرة او قبل او بعد السحور مباشرة». وأوصي بـ«اتخاذ اقصى تدابير الحيطة والحذر الشديد وعدم ترك الواجب لأي سبب كان وإخراج قوات اسناد اضافية وبالتنسيق مع الاجهزة الامنية المسؤولة عن حماية السجن».
وبذلك، فإنّ ادارة السجن ما كانت احسن حالا من قوة حماية السجن في الخارج. وهاتان الوثيقتان انما تدينان وزارة العدل ودائرة اصلاح الكبار وإدارة السجن في آن واحد وتكشف بؤس ادائهم.
الجهد الاستخباري الحكومي قبل العملية
جهاز المخابرات الوطني
بعد وقوع الواقعة، تعالت الاصوات منددة بضعف اداء اجهزة الاستخبارات التي كان يجب ان تنبه الاجهزة الامنية بوجود مثل هكذا هجوم كبير، إلا ان افادات ووثائق مسربة لأجهزة الاعلام (موقع المسلّة وموقع كتابات الالكتروني) كشفت ان جهاز المخابرات الوطني قد اعطى «إحداثيات دقيقة للواقعة قبل حدوثها عبر برقيات وجهت الى جميع مؤسسات الحكومة المعنية » حسبما بيّن النائب مظهر الجنابي عضو لجنة الامن والدفاع النيابية عضو لجنة التحقيق بفرار السجناء من سجن «ابو غريب». وأوضح ان «سبع برقيات ارسلها جهاز المخابرات، اولها كانت في 24 ايار وآخرها كانت في 20 تموز»، مشيراً الى ان «البرقيات أفصحت (حتى) عن ساعة الصفر في تنفيذ العملية»، (كما هو واضح في البرقية 9018 في 20 تموز 2013).
وكشف الجنابي انه بالرغم من ذلك إلا انه «لم يتم اتخاذ اللازم ولا الاستعداد لإحباط مثل تلك العملية»، الامر الذي يؤكد ان «هنالك تقصيراً من الاجهزة الامنية المكلفة بحماية السجن والمناطق المحيطة به». [المصدر: موقع المسلّة الالكتروني في 28 تموز 2013].
وزارة الداخلية
اما التحذير الاستخباري الثاني، فقد جاء في برقية مديرية عمليات وزارة الداخلية (مركز القيادة الوطني) التي عممت برقية تفيد بوجود معلومات عن الهجوم على السجون. وربما تكون هذه البرقية قد ارسلت بناءا على برقية المخابرات المذكورة، إلا انها تضمنت معلومات في غاية الاهمية مصدرها مديرية شرطة محافظة الانبار، حيث جاء في البرقية «(.) اعلمتنا مديرية شرطة محافظة الانبار ببرقيتها المرقمة 32539 في 20/7/2013 المتضمنة (.) توفرت لديهم معلومات تفيد (.) حول قيام تنظيم القاعدة الارهابي بتحضير لعقد تجمع في شمال بغداد للقيام بتنفيذ عمليات ارهابية على إحدى الدوائر او الثكنات العسكرية في بغداد وقد طلبوا اسناد اربعة مقاتلين ارهابيين من كل قاطع لولاية الانبار والمحافظات الاخرى (.) تنسب تدقيق صحة المعلومات اعلاه واتخاذ ما يقتضي بصددها من اجراءات امنية مشددة وتوخي كافة تدابير الحيطة والحذر بالتنسيق مع الاجهزة الامنية الاخرى لتفويت الفرصة على هذه العناصر الارهابية من تنفيذ اعمالهم الاجرامية وإعلامنا اجراءاتكم بغاية السرعة (.) انتهت (.) للتنفيذ (.) انبؤونا». [المصدر: موقع كتابات في الثاني من آب 2013].
لقد كشفت هاتان البرقيتان قدرة اجهزة الاستخبارات على اختراق تنظيم «القاعدة»، ولكن، للأسف، لم يتم الاستفادة من هذه القدرات التي تستحق الاشادة.
اما لماذا لم تؤخذ تقارير الاستخبارات بجدية، فيقول المسؤولون (في وزارتي الداخلية والعدل) انهم « يتسلمون يوميا الكثير من البرقيات الكاذبة»، حسبما جاء في تقرير لجنة الامن والدفاع النيابية. وهذا «يعني أن تنظيم «القاعدة» أوْهَمَ الجهات المسؤولة معلوماتيا وضخ قبل الحادثة، بفترة، الكثير من المعلومات بشأن الهجوم، وهو ما أربك الجهات المعنية، فاختار اليوم الذي حدده وأرسل بالفعل برقية بما ينوي عمله».
اضافة لهذا الجهد الاستخباري الاستباقي، اكدت تقارير صحفية ان تنظيم «القاعدة» قبل يومين من العملية حذر سكان المنطقة القريبة من السجن من استخدام الطريق الرئيسي لأنهم ينوون تنفيذ عملية هناك. ان هذه المعلومة بمفردها كانت تكفي لو عوّل عليها. هذا ان وصلت الى اسماع اجهزة الاستخبارات. وإن لم تصل فهذا يعكس اخفاق اجهزة الامن الحكومية في كسب ثقة المواطنين والتواصل معهم.
يقول توبي دودج، الاكاديمي الخبير بالشأن السياسي العراقي في كلية لندن للاقتصاد والذي ألف العديد من الكتب عن العراق، انه «على الرغم من أن الجيش العراقي لديه العدد والعدة والقدرة فإنه يظل قوة غير متماسكة عاجزة عن التنسيق بين عملية جمع المعلومات واتخاذ الإجراءات».
نقل السجناء الى سوريا
بمجرد أن تسلق السجناء اسوار السجن وعبروا الاسلاك الشائكة (بعد أن وضعوا عليها وسائد النوم) كانت هناك سيارات تنتظرهم واصطحبت قادة «القاعدة» البارزين الى مكان يرجح ان يكون سورية.
وكشف مصدر عسكري واسع الإطلاع على منفذ الوليد الحدودي غربي محافظة الانبار، رفض الكشف عن هويته في حديث لموقع صحيفة «العالم الجديد» الالكتروني، إن «العديد ممن فروا من سجن «ابو غريب» تمكنوا من التسلل إلى الأراضي السورية بعد يومين من حادثة «الهروب الكبير». وتم ذلك بتواطؤ أمني من الداخل وإسناد عسكري من الجيش الحر خارج الحدود العراقية»، مرجّحاً «انخراطهم في معسكر جبهة النصرة السورية التي تقاتل ضد نظام بشار الأسد في المناطق المتاخمة للحدود العراقية البوكمال ودير الزور».
وأضاف المصدر ان هناك ميليشيا (رفض ذكر اسمها وهويتها) «تقوم بأسر العناصر الأمنية والمساومة بهم كرهائن في مقابل دخول وخروج عناصر تنظيم «القاعدة» عبر الأراضي العراقية»، كاشفاً أن هذه المجموعة يقودها «شخص يدعى ليث الملقب بـ(أبو حاتم) يقوم باستئجار الأشخاص بأسعار تعتمد على نوع السلاح الذي يحمله كل فرد»، مؤكداً أن حالات المساومة تكررت لأكثر من مرة من قبل المجموعة نفسها، من غير أن ينكر أنها تتم بتواطؤ وخيانات من داخل عناصر شرطة الحدود.
وتحدّث المصدر عن «معاناة رهيبة» يعيشها حرس الحدود هناك وحروب يومية يخوضونها ضد تنظيم «القاعدة» والجيش السوري الحر، قائلا إن«القاعدة تمتلك إمكانات هائلة تبدأ من الأسلحة ولا تنتهي بالعجلات»، موضحا أن «المواجهات اليومية تبدأ معهم في الساعة الثالثة صباحاً، لكنها غالبا ما تكون غير متكافئة، بسبب الأسلحة بعيدة المدى التي يمتلكونها في مقابل أسلحتنا التي لا تتعدى مدياتها كيلومترات قليلة».
وانتقد المصدر الخطط الأمنية هناك حيث «يبعد كل مخفر حدودي بمسافة 5 كيلومترات عن الآخر ما يصعّب نجدة المخافر الأخرى وبطء الإسناد فيما بينها». ورجح عدم سيطرة قوات الأمن على الحدود بنسبة كبيرة بسبب «التواطؤات الكبيرة داخل عناصر الأمن، التي غالبا ما تتم بواسطة إشارات في المصابيح الليلية بين العناصر الأمنية المتواطئة وتنظيم القاعدة».
وقال عضو لجنة الامن والدفاع، حاكم الزاملي، في 28 تموز 2013 ان «هناك معلومات حصلنا عليها تؤكد وصول 100 فار من سجن «ابو غريب» الى سورية وانضمامهم الى جبهة النصرة». وأضاف ان«المعطيات والمعلومات التي وردت الى لجنة الامن والدفاع تفيد بأن الباقين من السجناء الهاربين ما زالوا داخل العراق».
ما زال المسؤولون وقادة الأمن لا يدرون ان «قاعدة» العراق قد امتدت (ولم تنتقل) باتجاه الاراضي السورية، وأنها تعمل بالتوازي مع «جبهة النصرة» التي رفض زعيمها «ابو محمد الجولاني» الاندماج مع قوات «دولة العراق والشام الاسلامية» كما اراد ايمن الظواهري وأبو بكر البغدادي.
وتقول صحيفة «يابان تايم نيوز»، إن «تنظيم «القاعدة» في العراق يعمل على التوسع والتواجد في الخطوط الأمامية في حرب سوريا، وينتشر على أراضٍ استولت عليها مجاميع أخرى لتحقق لنفسها موطئ قدم، محبطا جهود الجيش الأميركي على مدى عقد من الزمن، والذي كان يقاتل للحيلولة دون تواجد هؤلاء (تنظيم القاعدة)، في العراق وأفغانستان».
وبينت الصحيفة، أنه «في غضون أربعة اشهر من تغيير اسم القاعدة في العراق بما يعكس طموحاتها المتزايدة، نراها اليوم تؤكد تواجدها في بعض البلدات والقرى التي استطاع المسلحون انتزاعها من يد القوات الحكومية السورية، وقد عززت ذلك بتدفق آلاف المقاتلين الأجانب من المنطقة وخارجها». وتشير الصحيفة إلى أن وزارة الخارجية الأميركية «عبرت عن اعتقادها بانتقال أبو بكر البغدادي من العراق الى سوريا، واستقراره في منطقة الرقة». [المصدر: الموقع الالكتروني للعالم الجديد في 15 آب 2013].
الهزات الارتدادية التي تلت «الهروب الكبير»
وجه نوري المالكي رئيس الوزراء [والقائد العام للقوات المسلحة، ووزير الداخلية والأمن الوطني ورئيس جهاز المخابرات بالوكالة] بحجز ضباط وطرد مدير السجون في وزارة العدل. كما اعطى اشارة البدء لعملية «الثأر للشهداء» التي اسفرت عن القبض على الف وخمسمائة من المتهمين والمشتبه بهم، ليس بينهم سوى بضعة انفار من الهاربين من سجن «ابو غريب».
أعلن جهاز مكافحة الإرهاب فى العراق في 12 آب 2013، عن اعتقال جميع المخططين لعملية هروب سجناء «ابو غريب» واثنين من كبار قادة تنظيم القاعدة الهاربين من السجن، بناء على معلومات استخبارية دقيقة. ويبقى السؤال الاهم الذي يشغل بال المواطن؛ اين ذهب الباقون؟ وكيف يوفق جهاز مكافحة الارهاب في القبض على القيادات، ويخفق في القبض ولو على واحد من السجناء الفارين.
اما تنظيم «القاعدة»، فقد بدأ يومه التالي وكأن شيئا لم يكن، حيث حقـّق اختراقا جديدا هز العراق من شماله الى جنوبه بتنفيذه سبعة عشر انفجارا في مناطق مختلفة من البلد شملت العديد من المدن في محافظات العراق العربية. وكذلك كان حال الاسبوع الذي تلاه فقد نفذ التنظيم اثني عشر تفجيرا في مناطق متفرقة من العراق. وما زالت سلاسل التفجيرات تترى اسبوعيا.
قال عضو لجنة الامن والدفاع النيابية، النائب مظهر الجنابي، إن اللجنة «تتابع بقلق حملات الاعتقال الجارية في محيط العاصمة الشمالي والغربي».
وأضاف إن «المعلومات المتوافرة لدينا تؤكد اعتقال مئات المواطنين في فترة قياسية جداً، ما يثير الشك في تنفيذ الاعتقالات من دون أوامر قضائية». وأوضح أن «ذوي المعتقلين لا يعرفون عنهم شيئاً ولم يتم الاتصال بهم».
وأشار الى أن «قوات الامن تحاول تغطية فشلها في حماية بغداد من التفجيرات وحادثة اقتحام سجني التاجي وأبو غريب وهروب المئات من السجناء من خلال تنفيذ عمليات اعتقال متسرعة تثير القلق».
وقال النائب حامد المطلك لـ «الحياة» إن «الاعتقالات العشوائية خطة امنية فاشلة تزيد الاعداء ونقمة الاهالي على قوات الامن». وابدى استغرابه من اعتقال المئات في فترة قياسية، وتساءل: «اين كانت قوات الامن قبل هذه الفترة ولماذا نفذت العملية في هذا التوقيت بالتحديد».
اما صالح المطلك، نائب رئيس الوزراء لشؤون الخدمات، فقد علق في العاشر من آب 2013، قائلا ان «اختراق تنظيم القاعدة للأجهزة الأمنية العراقية سهل عليها اقتحام سجني التاجي وأبو غريب وتهريب المئات من السجناء التابعين لها، بمعنى أن ذلك لم يحصل بسبب قوة القاعدة فقط، بل بسبب ضعف الأجهزة الأمنية في السجون والمحيط».
وأضاف المطلك أن «عمليات الدهم الأمنية المتكررة للمناطق السنية حولت بعض هذه المناطق إلى مناطق حاضنة للإرهاب ليس حبا بالإرهاب وإنما انتقاما من الأجهزة الأمنية وقياداتها» مشددا على أن «استحواذ مجموعة من الأحزاب على السلطة هو أساس التعثر في العملية السياسية التي أوجدها مجلس الحكم بدون روح أساسا».
وعزا نائب رئيس الوزراء لشؤون الخدمات عدم «كشف ومحاسبة منفذي التفجيرات الإرهابية في العراق إلى الفساد الموجود في القضاء العراقي وفي أجهزة التحقيق ومحاولات رمي التهم جزافا على الآخرين لأغراض سياسية جعلتها عوامل لا تسمح بشواهد واضحة تظهر على شاشات التلفاز تشير إلى الخصوم الحقيقيين للشعب والبلد».
وأشار المطلك إلى أن «هذه التفجيرات يتم تجييرها سياسيا، ولا يتم التركيز على المجرمين ونوعية جرائمهم بشكل دقيق»، مؤكدا أن «حجم التفجيرات ونوعيتها لا يمكن أن يحصل من دون وجود خروق أمنية بسبب الفساد المستشري». حيث تفيد مصادر تنظيم «القاعدة» بأنه يدفع الكثير من اجل الحصول على المعلومات وشراء الذمم.
مع استمرار الانفجارات اوعز نوري المالكي بالبدء بعملية عسكرية في غرب الانبار مستهدفا باديتها، معقل التنظيم، ولكن ليس لهذه، ولا سابقتها، ولا سابقاتهما اي انعكاس على الوضع الامني.
غزوة «قهر الطواغيت» ليست كبقية «الغزوات»، فهي عملية نوعية تؤشر تخطيطا عالي المستوى من قبل «القاعدة»، وفضحت ضعف التنسيق بين الاجهزة الامنية وتراخيها.
تردّت حال بغداد كثيرا منذ غزوة «قهر الطواغيت» وما تلاها من سلاسل التفجيرات، حيث تعرضت لمزيد من الخنق، الامر الذي جعل الانتقال من مربع امني الى اخر ترف لا يلجأ اليه إلا من اضطر اليه. فكلفة اجتياز نقاط التفتيش المنتشرة فيها باتت تكلّف ساعات طوال من المعاناة والجهد. خاصة بعد ان سرت شائعات تفيد ان تنظيم «القاعدة» بصدد تنفيذ هجوم مماثل على المنطقة الخضراء، معقل «الطبقة الحاكمة». فشددت القوات الحكومية من حمايتها على المنطقة الخضراء وأغلقت مقتربات جسر الجمهورية بوجه المدنيين مما صعّبَ الانتقال بين جانبيْ بغداد.
تظهر القيادة العامة للقوات المسلحة وقيادة عمليات بغداد اهتماما جديا حين يتعلق الامر بأمن «الطبقة الحاكمة»، وهذا الاهتمام يكاد يتلاشى حين يتعلق الامر بأمن الشعب وكرامة الوطن والجيش وسمعته.