تريثت كثيرا ولفترة ليست بالقليلة في الكتابة عن مقدم برنامج (المناورة) من قناة دجلة الفضائية الإعلامي (غزاون جاسم) ، بعد ان حكمت تجربته السابقة في قناة السومرية بعض التوجهات التي لاتخدم ربما مبدأ (الحيادية) في الطروحات ، وحتى الى فتراته الأولى من تقديمه برنامج (المناورة) كان طابع (الانحياز) واضحا لطرف دون آخر لدى غزوان.
لكن والحق يقال أن الإعلامي غزوان جاسم إستطاع في الأشهر الأخيرة أن يتجاوز تلك الظاهرة،وقد أبدع في الآونة الأخيرة في تقديم حوارات مع شخصيات سياسية وبرلمانية رفيعة ومحللين سياسيين، والتزم معهم إسلوبا جديد ينم عن (توجه) لانجاح برنامجه وهو (الحيادية) و(المهنية) في التحاور مع ضيوفه ، ويؤسس لمدرسة حوارية متميزة ، تضعه في الصفوف الأولى لمقدمي الحوارات التلفزيونية التي تجد إهتماما واسعا من مشاهديها، بعد إن أيقن ان (الحيادية) و(المصداقية) من الجميع في التوجهات هي الطريق الأمثل الى النجاح والشهرة في العمل الإعلامي، وهي من تمنحه ( المقبولية ) من مختلف شرائح المجتمع العراقي وأطيافه المتعددة.
وهناك جملة ملاحظات مهمة يمكن ان نعرضها عن مستلزمات الحوارات الناجحة التي حاول الاعلامي غزان جاسم ان يستخدمها في حواراته ، وأكسبته كل تلك (الشهرة) وهذا (الاهتمام) انه بدا يعطي لكل ذي حق حقه من اهتمام الجمهور والمتابعين لحوارات من هذا النوع ، ولا (ينحاز) لطرف دون آخر ، وعرف كيف (يمسك) بلغة الحوار من (السهل الممتنع)وبطريقة (مقاطعة) الضيف ومتى وكيف يدير الحوار كاملا ، بلا ( تكلف) أو (تعقيد) يستخدم فيها حتى (الابتسامة ) بطريقة تنسجم وطابع السؤال ، ويعيد السؤال بأكثر من إسلوب ، وبطريقة (مختصرة) وأكاد أسميها (متميزة) في عدم الاطالة في كلمات السؤال، وهذا تميز يحسب له ، ويضيف له القدرة على (التجديد) واكتساب مهارات تقنية حوارية، جعلت برنامجه في الفترة الأخيرة محل تقدير وثناء من كثيرين، وبخاصة من مختصين في الشأن الاعلامي ، ومنهم كاتب هذا المقال، الذي لايعطي شهادته الا لمن يستحق ان ينالها ، بعد خدمة تجاوزت الاربعين عاما في العمل الاعلامي والتحليل السياسي المعمق والذي يعرفه الكثير من زملاء المهنة.. ومن محاسن القدر ان معد هذا البرنامج ( إبن ) زميل اعلامي معروف كان قد تلا وجبات تخرجنا من الاعلام في نهاية السبعينات ، وهو الزميل جاسم موحان، لكن (الشهادة) التي أضعها لإبنه (غزوان) هي لقدراته المهنية والصحفية الحقيقية وليس لإعتبارات أخرى ، إذ لم التق بالزميل والده ربما منذ 35 عاما.
لقد كانت الحلقتان التي قدمهما الإعلامي غزوان مع النائب محمد الكربولي وصراحة الأخير التي كانت واضحة للعيان قبل فترة قليلة ، وهو من يشرف على القناة ويدير شؤونها بنجاح ويحضر حوارات متعددة خلال برامجها السياسية ، وفي أخرى يوم الخميس الماضي مع مسؤول في (طلائع خراسان) من أروع الحوارات التلفزيونية الناجحة ، بالرغم من ان باقي الحوارات كانت ناجحة، الا ان الاخيريتين ، أعطت لمقدم البرنامج (بريقا) واضحا نظرا لما أظهره من (براعة) في عرض الأسئلة على ضيوفه ، و (ناور) كثيرا في طريقة عرضها على ضيوفه بطريقة (ذكية) و (مقتدرة) ، والبرنامج من إسمه ( المناورة ) يتطلب كيف (يناور) المحاور مع ضيوفه ، وقد أعطى غزوان الموضوع حقه من (التغطية الشاملة) سواء مع الكربولي او المسؤول السياسي عن طلائع الخراساني التي أجابت عن تساؤلات الكثيرين ، بل أقحم الاخير في أكثر من سؤال ( ذكي) عن توجهات سياسيين من هذا النوع وارتباطاتهم وكلام (الخصوم) والمجتمع العراقي عنهم مايدل على (حرفية) أجاد غزوان إستخدامها بنجاح ، ولو اتبعها اغلب مقدمي الحوارات التلفزيونية لكانوا قد وصلوا الى مراتب متقدمة في تأسيس مرحلة جديدة في الاعلام، تعتمد (الحرفية) و المنهج العلمي الاكاديمي الصحيح، الذي يحتاج الى (مران متقن) في إسلوب التقديم ، وهو ما يشكل ( شهادة ) لأن يحتل مقدم برنامج (المناورة ) غزوان جاسم موحان ، قصب السبق في هذا الميدان، وهو مايزال شابا في ريعان عمره ، والمطلوب ان ( ندق على الخشب) خشية ( عيون الحساد) ، وهو ما يحسب له أنه استطاع ( فك طلاسم) المهنة وخاض غمارها وعرف أسرار انطلاقتها، ليكون في مقدمة من يشار لهم بالبنان ضمن مقدمي الحوارات الناجحين ، من أمثال إعلاميين متميزين أذكر منهم الزميل أحمد ملا طلال والاستاذ مجيد السامرائي في قناة الشرقية والاعلامي عدنان الطائي بقناة دجلة والاستاذ (محمد السيد ) بقناة دجلة الذي خسرته للاسف بالاستغناء عنه لسبب دونما مبرر رغم كفاءته العالية ومهنيته وحرفيته المعهودة ، وكذلك الاعلامي (علي) في قناة هنا بغداد، وآخرين، ربما لا تتسع ذاكرتي لعرض أسمائهم.
إن واحدا من نجاح تلك الحوارات هو (الشخصية الكارزمية ) التي يتمتع بها من يعمل في مجال ابداعي من هذا النوع ، وقد أظهر الاعلامي غزوان جاسم موحان نفسه بها، حتى طور من أساليب عمله الاعلامي، وهو يمسك بادوات حرفته بـ (مهارة) وله شأن كبير في عالم التقديم التلفزيوني، إن بقي محافظا على (ثوابته) الأخيرة وزاد من خبراته المعرفية الاضافية ، وهو لديه القدرة على تطوير تلك الحرفة التي تحتاج الى شخصيات (ماهرة) في ادارة حوارات من النوع الثقيل.
يضاف لكل تلك الاعتبارات ( المقبولية ) من جمهور متابعي القناة الذين يهمهم ان يجدوا لهم (حصة) في عرض اهتماماتهم ضمن البرنامج ، وقد أبدع الاعلامي غزوان في إظهار نفسه بصفة المدافع عن ( الطرف الغائب) وكأنه موجود ضمن البرنامج ويطرح اسئلته بالنيابة عنه ، ما اكسبه الاحترام والتقدير لمواقف من هذا النوع، وأضاف لتلك (الحيادية) و (الموضوعية ) طعما مميزا إتسم بـ (المصداقية) في عرض وجهات النظر لكل الاطراف التي تدخل ضمن دائرة اهتمامات البرنامج والضيوف الذين اختارهم للتحاور معهم.
وحسنا فعلت قناة دجلة الفضائية بإختيارها لشخصيات اعلامية شابة متمكنة في تقديم الحوارات، وهو جهد يحسب لها ، وعليها ان ( تحافظ ) على ( كفاءات ) من هذا النوع ، وبخاصة أن النائب محمد الكربولي متمكن في ادارة أنشطة من هذا النوع، وهو من جلب لها كل تلك الكفاءات وسهل لها مهام النجاح بأن دعمها بكل وسائل الدعم والاسناد ، وحضر أغلب حواراتها ، حتى نالت قناة دجلة الفضائية مراتب متقدمة، يمكن ان تدخلها في ان تحتل المراتب المتقدمة في القنوات التلفزيونية ، لإختياراتها الموفقة للبرامج السياسية والحوارية على وجه الخصوص.
تحياتنا لكل مبدع اعلامي وصحفي إتخذ من ( الإحتراف ) و (المصداقية) و (المهنية) ومن (إجادة الدور) مبدأ له ليشق طريقه بنجاح وعن إستحقاق ، وعسى ان لاتدخلهم تلك ( التقييمات) في طابع (التعالي والغرور) ، وان يتذكروا دوما أن الانسان مهما امتلك من حرفة وخبرة في مجالات عمله فهو يحتاج الى ( تطوير) مستمر لمهاراته وقدراته ، ومتى شعر أنه وصل الى (الكمال) فقد وضع نفسه في أول الطريق المتجه الى (الانحدار) لاسمح الله، وهو مالا نتمناه لأي زميل اعلامي وبخاصة من شبابنا الذين نتمنى لهم كل التوفيق والنجاح في مهمتهم وحرفتهم الاعلامية التي وضعتهم في الصفوف الأولى وينبغي ان يضعوا في خدمتها عصارة فكرهم الخلاق وابداعهم، لكي يرتقوا الى سلالم المجد، عن أستحقاق وجدارة، ولكي تبقى منارة الابداع شامخة لاتتوقف على مدار السنين.