22 ديسمبر، 2024 6:39 م

غزة ونتنياهو وتشكيل الحكومة الاسرائيلية الجديدة!

غزة ونتنياهو وتشكيل الحكومة الاسرائيلية الجديدة!

في اواخر ايام شهر رمضان من هذا العام حدثت توترات عنيفة بين العرب الساكنين في الخط الاخضر واسرائيلين في مدينة القدس بعد ان حاول الاسرائيليين ازالة عدد من المنازل التي يقطنها عرب في مدينة الشيخ جراح في القدس واستبدالها باخرى للاسرائليين وهو ما يعرف بسياسة التهويد او بناء المستوطنات، انتقل الوضع الامني بعدها مباشر الى قصف متبادل بين اسرائيل من جانب، وفصائل مقاومة فلسطينية من جانب اخر، وكانت مدينة غزة معقل حركة حماس، وجهاد الاسلامي، المكان الابرز حيث تعرضت الى قصف شديد دمر العديد من البنية التحتية وما قالت عنه وزارة الدفاع الاسرائيلية منصات الصواريخ ومخازن الاسلحة، بالمقابل ردت فصائل المقاومة وابرزها حركة حماس، وحركة الجهاد الاسلامي بمئات الصواريخ سقط عدد كبير منها في القدس وتل ابيب ومناطق اخرى وسقط القسم الاكبر تحت الدرع الواقي المسمى من قبل اسرائيل بالقبة الحديدية، وبتقدير اسرائيل تعد الحرب الاولى التي تطلق هذه الفصائل الكم الكبير من الصواريخ، وهو بنظر الفصائل رسالة هامة مفادها بان لها القدرة على تهديد امن اسرائيل اذا ما حاولت الاعتداء على الفلسطين او قيادات من الفصائل، وبعد مرور عدة ايام من الاشتباكات عملت اطراف دولية واقليمية استطاعت ان تضغطت على وقف اطلاق النار بين الطرفين ليستمر الى يومنا هذا، وهنا للعبت ادارة الرئيس الامريكي جو بايدن دوراً كبيراً في الضغط على اسرائيل ساهم بذلك جانبين: الجانب الاول رغبة الجانب الامريكي في توقف الاشتباكات هذه بالسرعة الممكنة، وعدم السماح لرئيس الحكومة نتنياهو باطالة امدها او توسيع حدودها وهذه ما ادركة نتنياهو بان تعامل ادارة بايدن ودعمه ليس كما هو الحال مع ادارة الرئيس الامريكي السابق الجمهوري دونالد ترامب، الذي عمل المستحيل لاسرائيل كنقل السفارة الامريكية الى القدس واجبار الدولة العربية على التطبيق مع اسرائيل على وجه السرعة شمل ذلك المغرب والسودان ودول الخليج كالبحرين والامارات وعمان واخرى راغبة كالسعودية وقطر، في حين وقعت دول اخرى منذ سنوات كمصر والاردن، اذ ان ادارة بايدن تميل في هذه الفترة الى التهدئة في منطقة الشرق الاوسط خصوصا، وهي تعمل الان على تسويه الخلاف حول الاتفاق النووي مع ايران ونفوذها في الشرق الاوسط والتقارب الخليجي ـــ الايراني. الجانب الثاني في تطويق الاشتباكات بين الجانب الاسرائيلي والجانب الفلسطيني التجاذبات السياسية الداخلية وعدم التاييد الشعبي للنتنياهو في هذه الحرب، على الرغم من محاولته استثمارها في الحصول على دروة اخرى برئاسة الحكومة، وهذا مالم يتحقق له لا شعبيا ولا سياسية، حيث استمر الحراك السياسي في اسرائيل بتشكيل ائتلاف من عدد من الكتل السياسية الممثلة داخل الكنيست الاسرائيلي، ومن ضمنها هذه المرة وهي الاولى في التاريخ ان تشترك الكتلة العربية في هذا الائتلاف التي من المتوقع ان لا تمثل في الحكومة بوزراء، حيث اكتفت بالحصول على تعهدات تتعلق بالخدمات المقدمة لفلسطينيي الداخل، فضلاً عن وعود بتجميد اتفاق ‘كيمينز ، الذي يوفر بيئة لتدمير منازل فلسطينيي الداخل.
في الوقت ذاته اتفاقت الكتلة العربية مع الكتل والقوى الاخرى ان تكون رئاسة الوزراء لصالح زعيم حزب يمينا اليميني نفتالي بينيت، والذي سيتناوب على رئاستها مع زعيم حزب “هناك مستقبل” الوسطي يائير لبيد، وبتائيد من كتل اخرى كانت تمثل بمجملها المعارضة للحكومات نتنياهو في الدورات السابقة، لذا فان هذا الائتلاف الذي سيشكل الحكومة سيقصي نتنياهو من التجديد لدورة اخرى في رئاسة الحكومة حيث لم يتمكن من جمع الاصوات النيابية التي تمكنها من نيل الثقة في الكنيست، في حين نجح زعيم حزب يمينا بذلك بعد اتفاق مع كتل اخرى ابرزها حزب هناك مستقبل مثلما اشرنا، وبذلك سينتهي طموحات نتيناهو الذي يعد من اكثر روؤساء الحكومة في اسرائيل تشددا والاكثر تصلبا اتجاه اي تسويه تصب لصالح استقرار الشرق الاوسط وهو من سعى الى افشال الاتفاق النووي وضغط على ادراة ترامب بعقد معاهدات سلام مع عدد من الدول العربية والتطبيع مع اخرى، في حين سيكون الائنلاف الجديد اكثر عقلانية من نتنياهو والاسباب قد تكون سياسية اكثر من غيرها اذ يتفق القادة الاسرائيليين من روؤساء الاحزاب والكتل السياسية على دولتهم العقائدية، وامتدادات حدودوها الادارية والسياسية لكن الائتلاف الذي سيكشل الحكومة قائم على عدد من الكتل السياسية المتباينة وغير المنسجمة، وهو ما يتطلب مراعاة للتوجهات السياسية خاصة العربية منها واذا ما حدث خلاف ذلك قد يشهد الائتلاف التفكك وهو ما يعني التغيير الذي قد يطرا وجود رئيس الحكومة اذا ما فقد التاييد السياسي داخل مجلس الكنيست الاسرائيلي لكن الاخير مستبعدا كون الاطراف الدولية والمحلية لا ترغب بذلك خاصة بعد انهاء مبرراتها بعد توقف الاشتباكات بين الجانب فصائل المقاومة الفلسطينية في مدينة غزة واسرائيل. في قبال ذلك يسعي نتنياهو لاستثمار الايام المتبقية على انعقاد الكنيست على دعم ائتلاف باعضاء جديد واذا لم يتمكن وهو المتوقع بعد الاتفاق الذي وقعت بين حزب يمنيا وحزب هنا المستقبل واحزاب وكتل اخرى.
ومما تقدم نسيتطع القول ان تشكيل الحكومة الجديدة بمتغيراتها الداخلية هي استجابة للمشهد السياسي الانتخابي في اسرائيل رغم تاثير المشهد الجيوسياسي والامني الا انه لم يكن له دوراً حاسمة في اقصاء نتنياهو، والذي هو الاخر سيحاول وحتى لو قامت حكومة بديلة، أولا إلى ضمان بقائه في رئاسة حزب الليكود، ثم سيسعى إلى إسقاط الحكومة البديلة، مستغلاً التناقضات الداخلية الكثيرة فيها بين يسار ويمين، بين محافظين وليبراليين في السياق الإسرائيلي. من هنا أثار العديد من المراقبين شكوكا حول قدرة التحالف المشكّل على البقاء في ظل التناقضات الموجودة بين مكوناته، وكذاك وسْط توقعات بأن يسعى نتنياهو لإسقاط الحكومة الجديدة. في حين شار اخرون الى ان رغم وعورة الطريق الذي سيسلكه نتيناهو لمنع نيل الائتلاف الحكومي المعارض له الثقة، لا يبدو أن نتنياهو سيستسلم سريعا، بقدر ما سيبذل قصارى جهده لإطاحة التشكيلة الجديدة، سواء من داخل الكنيست عبر محاولة سحب البساط من تحتها، أو من خارجه من خلال المحاولات إلى فرض حالة طوارئ تطيح مسار الثقة برمّته.