9 فبراير، 2025 8:10 ص

غزة سماء الشرق الاوسط للسلام

غزة سماء الشرق الاوسط للسلام

فجأة وضع لرئيس الأميركي دونالد ترامب شخصيا نهاية سريعة لزوبعة التهجير: لا داعي إلى العجلة في تنفيذ مقترح غزة , واضاف انه ليس مستعججلا في تحويل غزة إلى “ريفييرا الشرق الأوسط” , وفي الوقت الذي كان فيه ترامب يريد إظهار قوة قرار إدارته، قلبت خطة التهجير في غزة العالم ضده، بمن في ذلك حلفاء مقربون للولايات المتحدة في الغرب وفي الشرق الأوسط. وقال ترامب الخميس إنّ “الولايات المتحدة ستتسلّم من إسرائيل قطاع غزة بعد انتهاء القتال،” وبحلول ذلك الوقت سيكون الفلسطينيون قد “أعيد توطينهم” في أماكن أخرى من المنطقة، وخاصة في مصر والأردن , وتابع “لا نتحدث عن وجود قوات على الأرض أو أي شيء من هذا القبيل، ولكنني أعتقد أن حقيقة وجودنا هناك، ووجود استثمارات هناك، من شأنها أن تساهم بشكل كبير في توفير السلام.” ورفضت القاهرة وعمّان هذا المقترح الذي أثار أيضا استنكارا دوليا، مع تحذير الأمم المتحدة من أيّ “تطهير عرقي” كما رفضته بشدّة حركة حماس والسلطة الفلسطينية ولا قبولا عربيا

طرح الرئيس الأمريكي خطة لـ”تطهير” غزة، قائلاً إنه يريد من مصر والأردن استقبال الفلسطينيين من القطاع من أجل إحلال السلام في الشرق الأوسط , لاا تعد فكرة تهجير أهل غزة وإعادة توطينهم وليدة اليوم، إذ كثر الحديث من جانب الاحتلال الإسرائيلي حولها بسيناريوهات وصيغ عدة، سواء كانت دائمة أو مؤقتة، حيث يعود تاريخ طرح الفكرة إلى زمن الرئيس المصري الراحل أنور السادات، مروراً بسلفه محمد حسني مبارك وحتى الآن مع الرئيس المصري الحالي عبد الفتاح السيسي، وقد قوبلت دائماً برفض فلسطيني ومصري,,وأُعيد تسويق الفكرة أخيراً، لا سيما في إطار خطة “صفقة القرن” التي جاء بها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خلال ولايته الأولى، والتي كانت تنص على توطين اللاجئين الفلسطينيين في دول اللجوء مقابل حوافز اقتصادية ومادية كبيرة لتلك الدول , واليوم، يعود ترامب مرة أخرى بطرح خطة وصفت بـ”الخبيثة” ترتكز على نقل سكان غزة إلى مصر والأردن من أجل إعادة الإعمار، واجهها رفض وإدانة لهذا المقترح، وتزامنت مع زحف كبير لسكان شمال القطاع الذين عادوا إلى مناطقهم المدمرة ويحدوهم الأمل في تعميرها, وقال ترامب، الذي وصف غزة بأنها “مكان مدمر” بعد الحرب، إنه ناقش مع ملك الأردن عبد الله الثاني المسألة، ومن المقرر أن يبحثها أيضاً مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي,
وأشار الرئيس الأمريكي إلى “أننا نتحدث عن مليون ونصف مليون شخص لتطهير المنطقة برمتها. كما تعلمون، على مر القرون، شهدت هذه المنطقة نزاعات عديدة. لا أعرف، ولكن يجب أن يحصل أمر ما ,, وأوضح أن نقل سكان غزة يمكن أن يكون “موقتاً أو طويل الأجل”، مضيفاً أنه “مكان مدمّر حرفياً الآن، كل شيء مدمّر والناس يموتون هناك
لقد فشل ترامب طوال 4 سنوات هي فترة رئاسته الأولى في تطبيق ما سمي بصفقة القرن وفي تطويع الفلسطينيين, وفشل في فرض التطبيع، وفي منع دخول المهاجرين من المكسيك، وفي وضع قواعد جديدة في بحر الصين، وكل ما سبق سبقه وعيد وتهديد ووعود وعين حمراء
تأريخيا عرف الفلسطينيون التهجير القسري عن وطنهم عام 1948، مع إعلان قيام دولة “إسرائيل”، وفي العام التالي أسست الأمم المتحدة وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) من أجل الاستجابة لاحتياجات لما يقرب من ثلاثة أرباع مليون فلسطيني, وشهد عام 1953 طرح “خطة سيناء”، التي دعمتها واشنطن، وتشمل “تهجير فلسطينيين” لتلك البقعة المصرية، ولم ترَ النور، وفي عام 1970 تبنى قائد المنطقة الجنوبية بالجيش الإسرائيلي، أرئيل شارون، الذي أصبح لاحقاً رئيساً للوزراء، خطة لتفريغ قطاع غزة من سكانه، ولم تنجح في الاستمرار,, واستمرت المخططات مع عام 2000، مع تقديم القائد العسكري الإسرائيلي غيورا أيلاند مشروعاً يتضمن تقديم القاهرة تنازلات عن أراضٍ في سيناء لصالح دولة فلسطينية مقترحة، مقابل امتيازات لمصر، ولم يكتب له النجاح,, وفي ولاية ترامب الأولى (2017 – 2021)، بدأ الحديث إعلامياً في 2018، عن خطة أمريكية لتهجير الفلسطينيين تحت ما سمي بـ”صفقة القرن”، وفي مارس 2019، أعلن ملك الأردن عبد الله الثاني رفض فكرة “الوطن البديل” والتوطين,, وكانت “حرب غزة” محطة جديدة لعودة إسرائيلية لـ”مخطط التهجير”، حيث كُشف عن وثيقة في 17 أكتوبر 2023، تدعو لإبعاد الفلسطينيين إلى مصر، وفي 14 من الشهر التالي دعا وزير المالية المتطرف بتسلئيل سموتريتش إلى “الهجرة الطوعية واستيعاب عرب غزة في دول العالم
وبعد يومين من إعلان ترامب خطته تدفق مئات الآلاف من النازحين إلى مدينة غزة وشمال القطاع عبر شارع الرشيد الساحلي سيراً على الأقدام بما يشبه السيل البشري، في مشهد مهيب اختلطت فيه مشاعر الحنين بذكريات المعاناة — والخلاصة هي أن الشعب الغزي نجح في رهان الصمود على أرضه، والباقي على كل الدول التي تركته وحيداً يواجه المشروع الإسرائيلي
يرى ىمحللون أن هوس ترامب بالمال والمشاريع الاستثمارية الضخمة، حفزه إلى إنتاج خطته المجنونة، وأن وراء هذا التفكير تقديرا استراتيجيا، يتعلق بثروات طاقية ضخمة يضمها بحر غزة، تستحق أن تبذل في سبيلها أمريكا ثمنا من أجل السيطرة عليها، ولو كان هذا الثمن، يغطي عن صورة المقاومة التي أبدتها حماس لمنع الاحتلال الإسرائيلي من تحقيق أهدافه بغزة، في حين، تغافلوا أن القرار الأمريكي، ليس حكرا على مزاج رئيس، وإنما يتدخل فيه فاعلون كثر، ويرى محللون ان ترامب يمارس السياسة بمنطق رجل الأعمال، الذي يمارس الضغوط برفع السقوف من أجل إلزام الأطراف التي يخاطبها بالنزول عند مطالبه غير المعلنة، ولعله سلك الطريقة نفسها في الضغط على المكسيك ودول أمريكا اللاتينية (وخاصة كولومبيا) وعلى كندا وبنما وأيضا على الدانمارك، ويمكن أن نقرأ ضمن هذا الاعتبار النتائج الذي حصلت في كل هذه الملفات.
ترامب يفهم في الصفقات فقط، إذا توصل لنتيجة مفادها أن مشروع التهجير والاستيلاء على غزة وضم الضفة الغربية لإسرائيل سيكون مشروعا خاسرا، سنراه يتراجع دون أن يرمش له جفن , قطاع غزة سيخضع للسيطرة الأمريكية المباشرة، التي ستقوم بتنظيف الركام وإعادة بناء القطاع على أسس حديثة، ليصبح «ريفييرا الشرق الأوسط» يستقبل المستثمرين والسياح والراغبين في الاستقرار فيه من جميع أنحاء العالم إلا أصحابه الأصليين. فالولايات المتحدة ستتولى أمر قطاع غزة «ملكية طويلة الأمد» وستعفي إسرائيل من مسؤولية إعادة بناء القطاع لتتحمل المسؤولية المباشرة وبالتالي يسهل على الدول العربية دفع المليارات، دون حرج، حيث يكون المتلقي الولايات المتحدة وليس إسرائيل. كما أن أي محاولة لمقاومة هذا المخطط من قبل السكان الأصليين سيواجه بجبروت الولايات المتحدة مباشرة. وقد تكون تلك إشارة ضمنية على أن إسرائيل عجزت عن هزيمة حماس، وستتولى الولايات المتحدة هذه المهمة، حيث أكد أنه سيستعمل قوة هائلة إذا فشل وقف إطلاق النار
وحتى تسقط خطط ترامب في فلسطين، لا بد من رد قوي جدا من كل الأطراف الفلسطينية والإعلان عن الاستعداد لمقاومة االتهجير والضم لآخر نقطة دم في كل رجل وامرأة وطفل وشيخ في فلسطين كلها. أما إذا تحرك الطوفان العربي أو سمح له أن يتحرك بعفوية فسيقلب موازين القوى فورا، ويرمي بمشروع التهجير في سلة المهملات. لكن الشرط أن يسمح فعلا للجماهير أن تتحرك بالملايين،

أحدث المقالات

أحدث المقالات