ان غياب الرؤية الاستراتيجية التي تشكل ضياع الوجهة إلى شرعية الإرادة وغياب المشروع الوطني العربي بالدفاع المشترك ومن غياب الوعي والارادة وتغذية للانقسامات السياسية والاجتماعية والدينية ، خلق الحروب والنزاعات الطائفية العنيفة،ودعم الارهاب لتفكيك النسيج الاجتماعي العربي و الإسلامي، وإشاعة الروايات الزائفة المختلفة وتضييق مجال الصراع في أطواره المختلفة يمثل مدخلًا لفهم محددات منحنيات الانشطار الأفقي داخل النظام الرسمي العربي، والانشطار العمودي الذي جعل من فلسطين عنصرًا في تعميق الهوّة بين الشعوب و نخبها الحاكمة والتي يمكن أن يشكل فيها الموقف الصريح والضاغط لصالح غزة و مدخلًا للمصالحة والتوافق السياسي والمجتمعي؛ بسبب الرمزية التي تحتلها فلسطين في الوجدان والوعي العربي كشعوب لا حكومات ذليلة لا تهمهم سوى المناصب والسيادة وقطع الرقاب وقبلها الالسن الناطقة بالحق،ولم يفعلوا كل ما بوسعهم لأجل فلسطين لجبنهم و سكوتهم و تصورهم بشراسة الاعداء جعلتهم يعيشون الخذلان لغزة حينما يرتكب العدو اللدود الصهيوني جرائم لامثيل لها وقفوا موقف المتفرج على المذابح والمجاز الوحشية التي يندى لها جبين الإنسانية، وجرائم الاغتصاب والحصار والتجويع التي ترتكب بحق اهالي غزة الصابرين المجاهدين المحتسبين. الشعوب العربية لم تتقبل مواقف بعض حكوماتها ‘الضعيفة والمتواطئة ً” بعد مفاوضات استمرت لأشهر للتوصل إلى تطبيع تاريخي برعاية أميركية مع الكيان إسرائيلي ، حتى وإن تم إظهارها على أنها محاولات لمنع التوترات والعنف في منطقة الشرق الأوسط وإحلال السلام لكونها موطناً لأهم الأماكن الإسلامية المقدسة. وتتمتع بموقع استراتيجي كمنتج مهم للنفط، وتمتلك ما يقرب من ربع احتياطيات النفط الخام المعروفة في العالم .
ان عقلية الغطرسة والغرور للصهاينة هذا المرض، الذي لا يوجد عدو لإسرائيل أشد خطورة منه، يتحكم في سياسة قادتها السياسيين والعسكريين وان اكثر حكوماتها متورطة بالأساس في المساهمة في أعمال عنف أو بجرائم ضد الإنسانية في الشرق الأوسط بجغرافيا الواسعة وفي خلق الصراعات التاريخية، وتحالفات متغيرة. على مدى العقد الماضي وبسببها استحوذت التغييرات المهمة في العلاقات بين اللاعبين الرئيسيين ،
من المؤسف ان يعتقد الكثير من ان القضية الفلسطينية وازمتها وتطوراتها الان هي اصبحت قضية حقوق الإنسان بدلاً من كونها نضالاً من أجل التحرّر الوطني. وهي تدخل في إطار دفاع عالمي في الحق في الكرامة. وبما أنّ حلّ الدولتين جُعِل مستحيلاً بصورة منهجية على يد اليمين الإسرائيلي، فإنّ الإطار المرجعي الأساسي للفلسطينيين هو احترام حقوقهم في ظلّ الهيمنة الإسرائيلية و أصبح التركيز أكثر على البعد الديني للنزاع حول القدس كمدينة مقدّسة. ان مشكلة القدس لم تعد تعني بصورة حصرية كعاصمة أبدية لإسرائيل أو كعاصمة مستقبلية لفلسطين هذا التصور هو تصور غير صحيح لن البعد الروحاني شديد الحساسية الذي لا يهمّ الفلسطينيين فقط ، بل المسلمين ككلّ، ان الإنسان الفلسطيني الآن لا يهمه الغذاء رغم كل الانتكاسات التي أصابته والجوع والعوز والتشرد والتنقل من مكان الى مكان اخر يومياً بتهديدات الصهاينة بقدر ما يهمه ارض الذي تحاول الصهيونية إخلائه من ابناء يهيمن عليه ومن الواضح أنّ حلّ الدولتين اصبح مستحيلاً بصورة منهجية على يد اليمين الإسرائيلي وحتى ادعاءات المدعين حول هذا الموضوع هي ابر المورفين لتسكين الغضب الشعبي لا اكثر ولا اقل ،
لقد اتّسم الموقف العربي منذ الحرب على غزة و بداية العدوان الإسرائيلي قبل قرابة عشرة أشهر، بتباين حادّ بين موقف الأنظمة العربية بسبب تفاعل تحالفات إقليمية ودولية أَخَلَّت بفاعلية المنظومة العربية في مجابهة الأزمات والتحديات .
لقد كشفت حرب غزة سواءة ” البعض”ولا اقول الكل من الحكام ، وهتكت ستر كرامتهم التي أهدرت بكاملها وهم يراقبوا شلال الدم الفلسطيني وهو يراق بغزارة، وعرض المرأة الفلسطينية وهو يهتك على يد أنجس مخلوقات الله، ومع ذلك لم نرَ أي غضب أو حتى نبس ببنت الشفة وكأنهم موتى، بل الموتى أعزّ نخوة وشرفًا وكرامة منهم ،ولم تفعل الحكومات العربية بعد قرابة 100 عام من التباكي على القضية الفلسطينية والكثيرون حتى من أصدقاء إسرائيل في الغرب، ينظرون إلى صور الجثث المحروقة لأطفال غزة والنزوح المروع لمئات ألوف الغزيين، ويستمعون إلى صرخات النساء وأنين الرجال الذين فقدوا عائلات بأكملها وظهر زيف تلك الدعوات بالدفاع عن الشعب الفلسطيني رغم ما بوسعهم أن يفعلوا لهذا الشعب لجبنهم و سكوتهم وخذلانهم باتفاقيات التطبيع المغذية و تصورهم بشراسة العدو،” الذي ظهر بأنه أوهن من بيت العنكبوت بعد السابع من أكتوبر” جعلتهم يعيشون الضعف أمام المعاناة التي يعيشها أبناء فلسطين والخنوع أمام ما يرتكب العدو اللدود الصهيوني لجرائم لامثيل لها لا نرضى ارتكابها حتى بحق اعدائنا لا بل تقديم العون المادي والمعنوي للعدو ما جعل أن يمارس القادة الصهاينة نهجاً بلا حساب لأحد، لا في المنطقة ولا في العالم ، والتي تترك بلاشك أثر عند الضحايا وبات واضحاً، كما في كل الحروب الأخرى من ذو نكبة 1948 إلى نكبة غزة، وخلق جيلاً جديداً من الكارهين والحاقدين أكثر بكثير على الصهاينة وعلى من لايقف اليوم معهم من العرب في وقف سفك الدماء والجنوح إلى طريق حق يضمن لشعب فلسطين بالعيش على ارضه بحرية و بالسلام والأمن في المنطقة.