18 ديسمبر، 2024 11:07 م

من كلام أمير المؤمنين علي إبن أبي طالب (عليه السلام) في وصف مصدر الغُربة حيث يقول: {الفقر في الوطن غُربة}، عند التأمل في كلامه (عليه السلام) نلاحظ لهذه الكلمة ابعاد، ويتبادر لذهن كيف يكون الفقير غريباً في الوطن الذي نشأ وترعرع فيه بين اهله ومجتمعه؟.

اعيش بلا مأوى مُشرداً في موطني لهذا انا غريب، لا توقير للكبير ولا تعطف على الصغير لهذا انا غريب، يتم التكريم واحترام للمرتشي والفاسد لا لشيء لانهم من ذوات النفوذ فلهذا اقول مجدداً انا غريب، حين تفتقر الى العدالة والمساواة فالقوي يأكل الضعيف لهذا انا غريب، ابيت وانا جائع وتسحق الكرامة في ابسط اجراء كاستحصال رخصة قيادة او اصدار وثائق شخصية لهذا انا في وطني اعيش غريب.

من اشد مظاهر الظُلم هو ظُلم الضعيف سواء كان هذا الظُلم صادراً من النظام الحاكم او المجتمع الذي يعيش فيه على حدٍ سواء، ولهذا يشعر المرء بالاحباط وعدم الامان والاستقرار في مثل هكذا بلاد، لان ستكون فيه الحقوق مفقودة والكرامة مسحوقة، لسبب واحد لان قانون الغاب هو من يحكم وانعدام الروابط الاجتماعية التي لا تقدم المساعدة لمن يحتاجها، فالمجتمع الذي لا يتراحم ابناءه فيما بينهم يكون المواطن فيه غريب، لان هكذا مُجتمع مُنطَلِق مِن مُنطَلَق انا ومن بعدي الطوفان لايهمة من يغرق او يبيت مشرد او يموت، فمثل هكذا مجتمع تنعدم فيه الانسانية ويموت عامل الرحمة في داخل الانسان تجاه اخيه الانسان، لهذا ظهرت طبقة النفعيين على حِساب المواطن الذي عاش غريباً في وطنه.

كانت المجتمعات تُصنف سابقاً إلى ثلاث طبقات؛ طبقة الاغنياء، الطبقة الوسطى، الطبقة الفقيرة، كان من المفروض ان يتم تحسين مستوى الطبقة الفقيرة نحو الافضل ورفع مدخورها، لكن بسبب الظُلم وعدم المساواة في توزيع الثروات والضمان الاجتماعي للفرد والتخطيط السيء في إدارة ملف الاسرة وكيفية تنمية قدراتها انعدمت الطبقة الوسطى، فظهرت بدلاً عنها طبقة تحت خط الفقر واخذت حيز الاتساع بشكل مخيف، حيث تسكن هذه الفِئة من المجتمع في اماكن لايمكن العيش فيها، فاتخذوا من المقابر سكن والتسول مصدر رِزق لهم بعد ان ضاقت بهم السُبل وغلقت الابواب في احتضانهم لسد احتياجاتهم، بل اصبحوا نسياً منسيا بنظر النفعيين وإنهم يشكلون عبئاً في البلد، لهذا السبب يشعر ذَوو تحت خط الفقر بانهم غرباء في وطنهم.